23 ديسمبر، 2024 5:28 م

البشرية وجود مرهون بفكرة , وفي كل عصر تتبدل أفكار الإرتهان , وبعضها يسود في جميع الأزمان , لكنه يتخذ منحيات ومنطلقات ومنحدرات ويمضي في إنحرافات وإلتواءات , فلا يمكن لفكرة أن تدوم على حالها وطبعها , ما دامت الأرض تدور والبشر ناعور.

ففي جميع القرون هناك ما يسود ويتأسد من الأفكار , والقرن العشرون – على سبيل المثال – تأسدت فيه أفكار متنوعة ذات توجهات متعددة , تسببت في حروب بشعة وخسائر حضارية مروّعة , خصوصا في أوربا وآسيا وأفريقيا , وتحول النفط فيه إلى عقيدة تفرض مناهجها على التفاعلات الدولية , فتحطمت بسببها دول وشعوب , ووقع ثقلها وضررها الكبير على الدول العربية , التي عاشت سوحا للحروب الباردة ما بين القوى الكبرى المتحكمة بمصير الدنيا.

والقرن الحادي والعشرون مولود من رحم سابقه , وقد إنطلقت أجياله رهينة لأفكار ومنطلقات تدميرية فتاكة , وتحولت الأرض العربية إلى ميادين لها , وأصبحت عقيدة الإرهاب هي المتحكمة بالسلوك البشري , والمجتمعات صارت رهينة لهذه الفكرة , التي يتم الإستثمار فيها وتطويرها , لأنها ذات ربحية عالية , ووسيلة رخيصة لتحقيق المصالح , وإدامة زخم التوجه نحو الهدف بتعجيل متزايد وإرادة تدميرية متعاظمة.

والأرض العربية غدت المعترك لهذه العقيدة الفتاكة الملتهبة التي تبيد كل شيئ يتصل بالعرب , وبهذا أصبحت أوطان العرب ميادين صراعات ودمارات وإحتراقات ومعارك مهلكة , تتسابق فيها عقيدتا النفظ والإرهاب.

وصار من الصعب القول بغير ذلك , لأن الأدمغة مرهونة بهما , وخصوصا عقيدة الإرهاب التي فرضت هيمنتها على الحياة , وجعلت مراكز القرار في الدول الكبرى مكبلة بأُطرها وأصفادها , التي لا تستطيع التحرر منها , ولهذا فأن قراراتها محكومة بهذه العقيدة ومشوّهة بها , وكأنها تقبض على أعناق الإقتدارات الأرضية , وتديرها وفقا لمشيئتها وبوصلة نداءاتها وغاياتها.

ومن المعروف أن العديد من الشعوب قد وقعت بقبضة فكرة ما , وبذلت الغالي والنفيس للتعبير عن إرادتها وهي في سَوْرة الإرتهان الفكروي والعقائدي , ولا تزال في المنطقة عدد من القوى والمجتمعات المرهونة بأفكار تجاوزتها العصور , لكنها أمسكت بها وإستعبدتها وسخّرتها لما فيها من النداءات المؤوّلة وفقا لمحتويات النفوس المسعورة , التي وجدتها تحقق ما يحتويها من الإنحرافات والتطلعات السوداوية الحمقاء.

وفي هذا المضطرب الإرتهاني يبدو أن البشرية تمضي نحو منحدرات لا يمكنها التوقف على سفوحها , والتفكير بالصعود والسير على أرض منبسطة , ذلك أن قوة الجذب فائقة والإنحدار يكون سهلا وشديدا ويأخذ معه أجيالا متوافدة.

فهل ستتحرر البشرية مما يرتهنها ويستعبدها ويدمرها , وتعرف جوهر الحياة وقيمتها؟!!