الإذاعة العراقية صوت بغداد تاريخ يتجدد

الإذاعة العراقية صوت بغداد تاريخ يتجدد

في مثل هذا اليوم، قبل 89 عامًا، وتحديدًا في 1 تموز 1936، انطلق صوت ,إذاعة بغداد لأول مرة، ليُعلن عن ميلاد منبر إعلامي وثقافي سيكون له الأثر العميق في وجدان العراقيين, لم تكن مجرد موجات صوتية تُبث عبر الأثير، بل كانت نافذة للحياة، ومرآة تعكس تطور العراق، وخزانًا لذاكرة الأمة، وشريانًا يغذي الروح الوطنية, لاحقًا، وبعد تأسيس الجمهورية، تغير اسمها لتُصبح إذاعة جمهورية العراق، لتعكس التحول السياسي وتظل الصوت الرسمي للدولة.

من النواة الأولى إلى الشاشة الذهبية
بدأت الإذاعة كفكرة طموحة في مملكة العراق الفتية، سعيًا لمواكبة التطور العالمي في مجال الإعلام, كانت التجهيزات بسيطة، والموارد محدودة، لكن الإرادة كانت عظيمة. وسرعان ما تحولت تلك تلك الخطوات الأولى البدائية إلى صرح إعلامي ضخم، ضم في جنباته ألمع الأصوات، وأقوى الأقلام، وأكثر العقول إبداعًا.

كانت الإذاعة في زمنها الذهبي هي جامعة الشعب؛ فمنها تلقى الملايين دروسهم في اللغة والأدب، وعلى أثيرها استمعوا إلى عمالقة الفن والموسيقى العراقية والعربية. كانت هي السبيل الوحيد لمعرفة الأخبار، ومتابعة الأحداث، والاطلاع على التغيرات السياسية والاجتماعية. لقد دخلت كل بيت، ورافقت كل عائلة، وصارت جزءًا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي العراقي.

الإذاعة… رفيقة الذاكرة والوجدان ,تاريخ الإذاعة العراقية هو تاريخ العراق الحديث بكل تقلباته. لقد شهدت فترات ازدهار وتألق، كما مرت بظروف صعبة وتحديات جمة. كانت حاضرة في الأفراح والأتراح، في أوقات السلم والحرب. بثت الأغاني الوطنية في لحظات النصر، وتلت البيانات الرسمية في الأزمات، وأضفت لمسة من الأمل في أوقات الشدة.

من خلال برامجها المتنوعة، من المسلسلات الدرامية الإذاعية التي كانت تجمع العائلات حول جهاز الراديو، إلى البرامج الثقافية والأدبية التي أثرت الفكر، والبرامج الاجتماعية التي ناقشت قضايا الناس وهمومهم، والنشرات الإخبارية التي كانت مصدر المعلومة الأول. لقد كانت صوتًا للمثقف والفنان، للفلاح والعامل، وللمرأة والطفل، ولكل شرائح المجتمع العراقي.

التحديات والآفاق المستقبلية,مع بزوغ عصر الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي، واجهت الإذاعة العراقية، شأنها شأن الإذاعات التقليدية حول العالم، تحديات كبيرة للحفاظ على مكانتها وتأثيرها. لكنها أثبتت مرونة وقدرة على التكيف، فدخلت عالم الرقمنة، وتوسعت لتصل إلى جمهور أوسع عبر الإنترنت، مع الحفاظ على هويتها الأصيلة ومخزونها التراثي.

إن ذكرى تأسيس الإذاعة العراقية هي مناسبة لتجديد الالتزام بالرسالة الإعلامية النبيلة, أن تكون صوتًا للحقيقة، ومنبرًا للتنوع، ووسيلة للوحدة والتآلف. هي دعوة للاستثمار في كوادرها، وتطوير برامجها، لتظل منارة تضيء طريق المعرفة والثقافة، وتُساهم في بناء عراق مزدهر.

في هذا اليوم، نحيي كل من عمل في هذا الصرح العريق، من مذيعين ومخرجين واعلاميين وفنيين وإداريين، الذين بذلوا جهودًا جبارة ليظل صوت العراق مسموعًا. لتبقى الإذاعة العراقية، ذلك الصوت الدافئ المألوف، رفيقًا لنا في الحاضر والمستقبل، ورمزًا لتاريخ عريق لا يزال يتردد صداه في قلوبنا.