18 ديسمبر، 2024 11:50 م

الإجترار وعدم إنتاج الأفكار!!

الإجترار وعدم إنتاج الأفكار!!

الإجترار عاهة حضارية تتسبب بإنكسارات , وتساهم في الركود والتأسن الشامل لحالة الأمة , التي إرتضت سلوك الإجترار وأنكرت آليات التفاعل مع حاضرها ومستقبلها.
وهذا يفسر لماذا أن الأمة تنتج ما هو ماضوي , وما يمكن تسميته بأفكار المراوحة والركود , والإستكانة والعجز والخمود.
فالكتابات السائدة في الصحف والمواقع والكتب ووسائل الإعلام , ما هي إلا كتابات ماضوية متوحلة في أطيان الذي مضى وما إنقضى أبدا , وهي تفخر بما تمعن فيه من الموضوعات التي أكلت عليها الدهور وشربت , وكأن الحياة قد إنتهت في مرحلة معينة من مراحل العرب , وأن العرب قد ماتوا وما عادوا يعترفون بأن ما فات مات , وما هو آتٍ آت , وإنما ما فات عاش وهو الذي يأتي ولا غيره من آت!!
إن الذي يطلع على ما يدور في الواقع الثقافي العربي , يتملكه شعور بأن ما يقرأه هو من إنتاج العقول الخرفة , التي ما عادت تمتلك القدرة على وعي ما يدور حولها , لكنها تستطيع أن تحدثك عن تفاصيل ما مضى منذ عدة عقود وقرون وكأنها تحياه , أما أن تحدثك عن يومها فهذا مستحيل , لفقدانها قدرات التذكر القريب والآني.
وهذه علة كبرى متفاقمة ذات تأثيرات شديدة على الحاضر والمستقبل , لأنها تقتلهما بإغفالهما وتجاهلهما , بل أنها تحسب الزمن ببعد واحد لا غير , فتلغي بعديه الأساسيين المساهمين بالقوة والقدرة على التفاعل مع الوجود المعاصر.
أي أن الأجيال تُجرَد من أسلحتها الحضارية وتُعتقل في حفر وخنادق دامسة , ذات عفونة ورطوبة تصيبها بالأمراض السارية والمعدية , فتنتشر بينها الأوبئة الحضارية الخطيرة الساعية للمحق والإهلاك الفتاك , فتصبح ذات عاهات نفسية وسلوكية وتفاعلية ذات تداعيات قاسية ومعوقة لخطوات التحرك إلى أمام.
ومن هنا فأن الأمة في محنة تخندقية ذات آليات إنطمارية وصيرورات إنحسارية إهلاكية , تؤدي إلى تفاعلات تعفنية لها تأثيرات سمية طاعونية التوجهات , لأنها تحصد الوجود الحي في أرض الأمة وتحيله إلى عصف مأكول.
وعندما يتم تحويل الحالة المائية للمعتقد أو الدين , إلى حالة نفطية سوداء , فأن الوجود سيحترق ويتحول إلى دخان وركام , فالماء رائق القوام بلا لون ولا رائحة , والنفط أسود كريه الرائحة كثيف القوام يقتل الأحياء ويحرق ما فوق التراب ويصيبه بالشلل.
فأكثر ما يتحقق إجتراره في واقع الأمة هو الدين وما يرتبط به من أحداث وتطورات , ومواقف وصيرورات سياسية وتسلطية إتصلت بالحكم وأحقيته , وهي تريد أن تغير ما لا يمكن تغييره لعدم الإمساك به , فالأموات لا يمكن تغييرهم , وما مضى لا يعود , وما تملكه الأمة هو حاضرها ومستقبلها , فهي التي عليها أن تستوعب آنها ولحظتها وتستولدهما أصيلا نافعا متجددا.
وإن لم تتحرر الأمة من هذه الوقيعة وما تفرزه من مكبلات ومدمرات , فأنها ستمضي في خطوات إنقراضها , لأنها تأبى أن تدرك الطبيعة المائية لدينها , وتصر وبتصميم أعمى على أن طبيعته نفطية أو بترولية كثيفة سوداء , وتريد من البشر أن يشربونه وحسب؟!!