منطقة الشرق الأوسط في مأزق حضاري جحيمي الطباع والسلوك , يحتم على دولها التنبه إلى أن لا عاصم لها من الإنقراض , إلا بالإتحاد وخصوصا الدول العربية , التي فقدت إرادة الخيار وتحولت إلى مفعولٍ به مُستضام.
سيحسب الكثيرون أنها رؤية خيالية , ومن فنتازيا الأفكار المحلقة في آفاق الوجود , لكن الذي يقرأ الصورة كاملة , يتضح أمامه أن المنطقة متجهة نحو مصير الأندلس , التي إنتهت بصراعاتها الداخلية , ما بين أبناء الدين الواحد والعائلة الواحدة , والتي إستثمر فيها الطامعون أروع الإستثمار , وكأننا والصورة تتكرر تماما ما بين الدول العربية , وهذا يعني أنها ستنمحق في ظرف قرن أو قرنين في عصرنا المتسارع.
وطالما أصبح الدين عاملا فعالا ومدمرا , فأن الدول الإسلامية بأسرها ستتعرض لسلوك “الأندلسة” القاضي بفنائها , والقضاء على وجودها البشري والإنساني , ويُخشى أن يطغى هذا السلوك على قافلة القرون القادمة.
وبما أن العرب قد فقدوا أبسط مقومات حلّ مشاكلهم , وقدرات مواجهة التحديات بأنفسهم , فأن القِوى الإقليمية يتوجب عليها أن تملأ الفراغ الأخلاقي والإقتداري , الذي أضاعه العرب بتناحرهم وتحزبهم , وإندحارهم في آبار النفط التي أذهبت بصائرهم , وعززت أمّارة السوء التي فيهم.
والقوى التي لا خيار عندها إلا أن تقوم بدورها هي تركيا وإيران , والقوتان تحت ذات الضغط والإتجاه العاصف في بلاد العرب , ويبدو أنهما أكثر نباهة ووعيا وتمسكا بدورهما وقدرتهما على المواجهة وتأكيد البقاء.
ومن مصلحة القِوى في المنطقة أن تتفاعل وتسعى لصياغة عَقد إتحادي يحميها ويحقق مصالحها , قبل أن يتم الإنفراد بها واحدة بعد أخرى , وإذا تم إفتراس العرب , فأن الدولتين الإقليميتين ستواجهان مصير الصراع والفناء , وعليه فأن الإتحاد الشرق أوسطي , أصبح ضرورة حتمية للبقاء والتقدم والإرتقاء الحضاري , وعلى تركيا وإيران والدول العربية كافة أن تسعى بهذا الإتجاه الضروري المُنجي لها من الهلاك , وسطوة ناعور الويلات الخلاقة العاصفة في ديارها , والمعبّرة عن أفظع تتاريات العصور.
وهذا يعني أن الدول العربية عليها أن تتحرر من سلوك الشرذمة , المهيمن على تفكيرها ومواقفها وخطبها , وأحزابها وحركاتها وتفاعلاتها التفريقية التناحرية , المتجهة نحو هاوية الإنقراض الأكيد.
فهل ستدرك المنطقة حاجتها المصيرية للإتحاد , ولها في الإتحاد الأوربي قدوة حسنة؟!!