23 ديسمبر، 2024 2:14 م

الإبادة الجماعية ؛ بين صلاحية الله وجريمة الإنسان !!!

الإبادة الجماعية ؛ بين صلاحية الله وجريمة الإنسان !!!

أحياناً تكون الإبادة الجَّماعية مشروعة بأمر السماء وتنفيذها الغيبي ، بأن الله تعالى يغضب على أمّة من الأمم فيرسل على أهلها وابله من ريح صرصر عاتية أو يخسف بهم الأرض أو يمسخهم قردة وخنازير ، كما بيّنت ذلك الكتب السماوية المقدّسة.

هكذا حالة ؛ وإن تبدو لأول وهلة وجه من وجوه الإبادة الجَّماعية ، إلا أنها لا تختلف عن صلاحية الإنسان بأن يسكب المواد الكيميائية على خلايا ومستعمرات حشرة الأرَضَة التي تخرّب المساكن والحقول والممتلكات .

والحالة هذه ؛ فقد تعلـّم الإنسان من الطبيعة أشياءَ كثيرة .. تعلم إشعال النار .. تعلم الزراعة .. تعلم الطيران .. تعلم ركوب البحار .. إلخ ، ومما تعلـّمه هو ((الإبادة الجَّماعية)) ، فراح يبيد تجمعات الحيوانات المفترسة توقياً من مخاطرها التي تحيق به وهو يعيش بينها ، لكونها حيوانات لم تتآلف معه ، بينما تآلف مع أنواع أخرى من الحيوانات ، لدرجة العيش معها في بيت واحد ومزرعة واحدة ، ومنها ما أعتاد على مصاحبتها ومصادقتها ، كالطيور الجميلة المغرّدة والكلاب اللطيفة والقطط الجميلة والدلافين والأسماك الملونة الصغيرة . لكنه لم يستطع تحمّل الضرر الذي يأتيه من دودة العث مثلاً؛ تلك التي تتلف كتبه وملابسه وأشياءه العزيزة، فراح يبحث عن وسائل لأجل إبادتها ((إبادة جَماعية))، بحيث أصبحت الإبادة الجَّماعية مشروعة في قانون الإنسان ، وهي مما تعلمه الإنسان من صلاحية الطبيعة في الإبادة الجَّماعية ، كالفيضانات التي تغرق مدناً وجزراً بأكملها ، فتمحوها عن اليابسة، وهي بالمعنى الذي نتناوله الآن ، يعد إبادة جَماعية .

من هنا ؛ فنحن إزاء نوعين من الإبادة ؛ إبادة جماعية مشروعة ، وإبادة جماعية ممنوعة ؛ فعندما يستعمل الإنسان حقه القانوني بالإستفادة من نظرية الإبادة الجَّماعية التي تعلمها من الله والطبيعة ، فهو يجب أن لا يسيء فهم هذه النظرية ، فيستعملها ضد الإنسانية ، لأن الله يستعملها ضد البشر الظالمين . عليه أن يفرّق بين صلاحية المخلوق وبين صلاحية الخالق ، فالله تعالى يعلمنا بأنه من يقتل إنساناً بغير حق كأنما قتل الناس جميعاً ، ومن يحي إنساناً فكأنما أحيى الناس جميعاً ، لأن روح الإنسان بيد الله ، هو ينزلها في الجنين وهو يأخذها في منون وحَيْن مقدّر ، لا الإنسان. وإن من يسلب روح الإنسان من بني الإنسان يكن خارجاً على صلاحياته البشرية ، ويكن متفوضاً دون صلاحية من الله الخالق سبحانه وتعالى ، وهو شأن ربّاني ، لا شأن الإنسان ولا صلاحيته . هذا إزاء الفرد ؛ فما بالنا عندما يكون التجاوز على صلاحية الله تعالى بإبادة مجموعة بشرية أو شعوب برمّتها ، كما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية ضد سكان هوريشيما وناكازاكي ، وفعل البلشفون إزاء القوقاز فقتلوهم وشرّدوهم ، وكما يفعل الدواعش اليوم في الشام وفي العراق .

ما حدث في التاريخ من إبادات جَماعية شملت المسلمين في القوقاز على أيدي الثورات البلشفية والأرمن في آسيا الصغرى والمسلمين في البلقان وحلبجة في كردستان العراق؛ كلها كانت تندرج ضمن لائحة جرائم الإبادة الجماعية . تلك الجرائم حصلت بتفويض من الإنسان على الإنسان ، في حين أن القرار الإلهي بإنزال جام غضبه على أمّة أو مجموعة بشرية بأكملها ، فهي صلاحيات الطبيعة العاقلة أو الله سبحانه وتعالى ، الذي لم يكن من أمر إلا هذا ، بأن يمحو هذه المجموعة البشرية، بعد أن يعيل صبر المصلحين من الأنبياء والقديسين والأوصياء في إصلاحهم وتقويم مسيرتهم على الأرض ، فلم يكن غير أن يأمر الله تعالى بأمره،وهو سبحانه الذي إذا قال لشيء كن فيكون .

أقول ؛ عندما يتفوّض الإنسان بأمر يأمر بتنفيذه ، نتيجة لعدم تقديم الولاء والطاعة والإستجابة لطروحاته السياسية في حاكميته المفروضة على الناس ، فيقتلهم ، ويبيدهم كلاً كاملاً ، بحيث يمحو إثرهم وأثرهم ، كما فعل النازيون في ألمانيا ، وكما فعل المسيحيون في البوسنة والهرسك ، وكما فعل صدّام في حلبجة ، وكما فعل الآخرون بحق الشعوب والتجمعات البشرية ، بسبب عدم تقديم الولاءات لهذا السلطان أو ذلك الحاكم عبر التاريخ البشري الطويل ، فهي جرائم إبادة جَماعية بحق الإنسانية جمعاء، لكونها تأتي خارج صلاحية الإنسان ، فهذا ليس من حق الإنسان .. وهو الكائن المخلوق الضعيف الذي لا يستطيع أن يقي نفسه الضعيفة من مخاطر الطبيعة وغضب الله سبحانه وتعالى . ونتذكر كيف مات (نمرود) بسبب ظلمه ، وهو يعاني حتى الموت من ذبابة دخلت أنفه حتى مات متألماً من الصداع والإنزعاج، ولم يكن بقادر على أن يبعد عنه ضرر أضعف المخلوقات على البسيطة، فكيف يستطيع أن يواجه بعنته وتجبّره وكبريائه الأجوف إرادة الله تعالى ؟!!!.

لم تكن التجمعات البشرية ولا الشعوب أرَضَة أو نملاً أو أفراخ دجاج نبيذة تؤول إلى المحارق ، فتباد إبادة جماعية ، ولم يكن السلطان أو الحاكم (ربّاً) في يوم من الأيام ، وهو الكائن الضعيف المحدود العمر والأمر على الأرض، حتى يتصرف بالنيابة عن صلاحية الله بما لا يُرضي الله سبحانه وتعالى .

الطامّة الكبرى ؛ إن هكذا إنسان، تمادى في غيّه وعنته وعنجهيته ، حتى راح يصرّح بسم الله الرحمن الرحيم ، بما لا يمت للرحمة بشيء، فراح يقتل الناس بتفويض من ذاته وعقليته الضالة ، وبأوامر من أسياده ومعلميه الظالمين ، ولم يكتف بهذا ،بل راح يؤمِّر نفسه على مقاليد الأمور ، فيأمر الناس والتجمعات البشرية والشعوب بإتباع منهجه وإرادته ، وإلا فسيبيدهم إبادة جَماعية ويمحوهم عن الوجود .

عندما ننظر اليوم إلى أبي بكر البغدادي مثلاً ؛ هنا في العراق .. في نينوى تحديداً ، فنراه يقتل ويهجّر ويختن فروج النساء الحرائر ، ويقطع أكف الشباب ، ويعلق رؤوسهم على أسيجة الحدائق العامة ، ويهدم الدور والقبور، ويستبيح الأعراض ، ومن لم يستجب ويذعن لإرادته فمصيره الهلاك والإبادة الجَّماعية .. هو وموتاه أيضاً ، فلم يكتف بالإبادة الجَّماعية بحق المسيحيين ولابحق الشيعة ، بل شمل ظلمه وجرمه حتى الأموات من أهل هذه الأديان والطوائف التي عاشت قروناً متعايشة بالسلم والسلام والحلم والوئام . فراح يهدم كنائس وقبور المسيحيين وأضرحة أولياء الشيعة . ولم يكتف بهذا وذاك ؛ فراح يهدم حتى قبور الأنبياء الذين لا متبّع لهم

على الأرض ، إذ لم نعرف مَنْ مِنَ البشر يتبعون نبي الله يونس(ع) ، أو نبي الله شيت(ع) أو نبي الله دانيال (ع) .. كلهم أنبياء ماتوا وأندثرت رسالاتهم وتعاليمهم ،ولا يوجد على الأرض مؤمن بتعاليمهم ، بعدما أنتشرت اليهودية والمسيحية وختمها الله بالإسلام برسالة النبي محمد(ص) ليكون خاتم أديان السماء .. رحمة للعالمين.

الإسلام الوهابي .. القاعدي .. الداعشي ؛ أمسى اليوم نقمة على العالمين .. في إفغانستان وفي مصر وفي ليبيا وفي سوريا وفي العراق ، بحيث كره العالمُ الإسلامَ الذي يحرّض على القتل والموت والدمار في العالم الإنساني المتحضر .

البشرية اليوم ترى في المحبة والتسامح سبيلها نحو التعايش السلمي بين بني البشر على بيتنا الكوني الكبير .. الكرة الأرضية، وإن من يحرّض على القتل والظلم .. من مسلمين أو مسيحيين أو يهود لا يندرج ضمن لائحة حقوق الإنسان ، ولا يحق له أن يكون إنساناً إنسانياً يعمر الأرض ، ولا يستحق أن يعيش عليها ، وهكذا نوع بشري هو النوع الذي يخسف به الله الأرض أو يرسل عليه الله ُالريحَ الصرصرَ العاتية ، لأنه مسخ قردة وخنازير ، لا إنساناً.. خلقه الله في أحسن تقويم ، فهكذا إنسان لا إنساني أولى بأن يخضع تحت قرار الإبادة الجَّماعية ، ليمحى عن الأرض، كي يعيش الناس بسلام في أرض المحبة والوئام.
والله من وراء القصد ؛؛؛