19 ديسمبر، 2024 12:49 ص

الأيام العراقية الصعبة

الأيام العراقية الصعبة

من مجمل ما نشر في الصحافة الأمريكية عن لقاءات رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، مع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب ووزير خارجيته مايك بومبيو وغيرهما من مسؤولين حكوميين آخرين ونواب وشيوخ من الحزبين يتبين أن اتفاقاتٍ غير اعتيادية قد تم التوصل إليها ستقلب، لو نفذت فعلا، حياةَ العراقيين من جحيم إلى نعيم.

ولكنّ تنفيذها غير مضمون بوجود إيران وسلاح مليشياتها المتمردة المتهيأة لحرب مصيرية بينها وبين أية قوة ستحاول أن تسلبها القوة والسلطة والمال وتضع الآلاف من مسلحيها خلف القضبان، حتى لو كانت تلك القوة هي الدولة العراقية نفسها، بجيوشها وقوى أمنها، خصوصا لو كانت وراءها أمريكا الجمهوريين بوجه خاص.

وهذا ما يجعلنا نسأل، هل في نية الكاظمي، وفي قدرته، أن يخوض حربا من هذا الوزن ومن هذا النوع مع إيران ووكلائها في العراق؟

ثم، هل سيضع الرئيس ترمب قدرات أمريكا العسكرية لمشاركة حليفه الجديد تكاليف هذه الحرب، حتى لو خاض حرب شوارع مع إيران ووكلائها العراقيين، لضمان كسبها، ولتنظيف الأرض من أشواكها أمام الاستثمارات الجديدة، ولحماية قواته العسكرية المقيمة في العراق؟

والجواب على السؤالين هو (لا) و(نعم) في الوقت نفسه. إذ إن كل شيء متوقف على سلوك إيران وطبيعة تحركها ضد هذه الهجمة السياسية والاقتصادية الأمريكية الجديدة؟

فأولا،

إن عودة الكاظمي من أمريكا بكلام فضفاض عن إعادة انتشار القوات العسكرية الأمريكية، وليس بقرار واضح ونهائي يقضي بإخراج أمريكا العسكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية، والتسليم بتمليك العراق لإيران دون منافس ستلقي على عاتق الكاظمي خيار المواجهة الحازمة الحاسمة مع كامل النفوذ الإيراني، فإما أن ينتصر، أو يتم اغتياله، أو يستقيل.

والذي يدقق في تصريحات الرئيس الأمريكي يجد أنه حاول أن يجنب ضيفه الكاظمي مخاطر غضب الإيرانيين عليه فأعطاه من طرف اللسان حلاوة، ووعده، بكلام عام غير محدَّد المواعيد، بإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق (قريبا)، مُرفِقا ذلك ببيان أن الوجود العسكري الأمريكي في العراق هو لمحاربة داعش، وبأن “القوات الأميركية ستغادر العراق في حال أصبح قادرا على الدفاع عن نفسه. والمقصود مفهوم. فما دامت بقايا داعش موجودة هنا وهناك، وما دام الحكومة العراقية غير قادرة على الدفاع عن حدود الوطن فإن الضرورة تقضي ببقاء القوات الأمريكية، ولكن ضمن قوات التحالف الدولي. ثم توعد أيَّهجوم ضد القوات الأميركية أو المواقع الأميركية ومصالحهابرد حاسم وقوي.

وثانيا،

إن الرئيس الأمريكي ترمب سيكون أخطر على إيران وحلفائها في حالتيْ خسارته الانتخابات القادمة أو فوزه فيها.

فلو خسر الرئاسة في انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر القادمة فسوف يكون، عنئذٍ، مطلق اليدين، وقادرا،ومضطرا، لأن يفعل في مدة الشهرين ونصف الشهر المتبقية له في البيت الأبيض ما لم يستطع فعله في فترة رئاسته التي كانت تفرض عليه عدم المغامرة في حرب واسعة خوفا على حظوظه في الفوز برئاسة ثانية.

والمتوقع، قبل مغادرته البيت الأبيض، أن يوجه ضربات استباقية قاتلة لمواقع استراتيجية في إيران والعراق وسوريا تكسر ظهر النظام الإيراني، وتُغرق وريثه الديمقراطي جو بايدن في رمال الوضع الشائك الجديد في العراق والمنطقة، ويُحمله متاعب كبيرة تربكه، وهو في بداية عهده، خصوصا إذا ما ارتكبت إيران أو مليشياتها أعمالاانتقامية مهينة ضد مصالح أمريكية حساسة.

أما لو فاز ترمب بالرئاسة لدورةٍ انتخابة ثانية فسيكون متحررا، أيضا، وإلى حد بعيد، من حسابات الانتخابات القادمة، وسيكون أشد ضراوة وتصميما على معاقبة الحكم في إيران لنقل المنطقة وأمريكا والعالم إلى مرحلة ما بعد النظام الإيراني المشاكس الذي يعرقل مشاريعهالكبرى المتعثرة في المنطقة، ومنها وأهمُها صفقة القرن والشرق الأوسط الجديد والتطبيع المرتقب بين دول عربية وإسرائيل.

والذي يعزز فرضية اعتزام ترمب اللجوء لضربات موجعة لإيران أن الاتفاقات التي وقعها الكاظمي في واشنطن، والخاصة بسلب ملف الكهرباء والطاقة من هيمنة الاحتلال الإيراني، والاستثمارات الضخمة العديدة الجديدة لشركات أمريكية كبرى إنما تعني أنه يضع تحت رحمة صواريخ الحشد الشعبي الإيرانية مزيدا من المواقع والمصالح الحيوية الأمريكية. وهذا ما يفسر تهديده بـالرد الحاسم والقوي على أي استهداف للقوات والمواقع والمصالح الأمريكية في العراق.

ومن الآن وحتى عودة الكاظمي من زيارته التاريخية هذه، وإلى أن يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود في الانتخابات الأمريكية القادمة يتحتم على العراقيين أن يتهيأوا لأيام صعبة للغاية قد تزيح عنهم الكوابيس الإيرانيةوإلى الأبد، أو قد تُخرج أمريكا بخفيْ حُنين، وهو الأمر الذي، إن حدث، سيكون دخولهم في نفق العيش تحت رحمة الكواتم والصواريخ والنهب والاختلاس الجهالة والخرافة والمخدرات لعشرات قادمة من السنين، لا سمح الله.