تلك حقيقة أزلية قد تغيب عن السياسيين في مجتمعات عديدة , مما يتسبب بتفاعلات سلبية مضرة بأطراف الصراع.
فالأوطان مهما توهم المعتدون عليها , أو الذين تسنموا السلطة فيها , بأنها ملكهم وسيقررون مصيرها , فأنها في نهاية المطاف ستقرر ما تريد , وستواجههم بما إقترفوه من جرائم ضدها.
أي أن الأوطان منتصرة دوما , وينهزم مَن يحاول إغتيالها والنيل من كيانها وما يميزها ويشير إليها.
وهذا ما يحدثنا به التأريخ , فلا يوجد نظام سياسي مهما تقوّى وإستبد وتحكم بالبلاد والعباد , قد فاز بما يرى ويريد , وإنما ينقلب سحره عليه , ويصبح هشيما تحت الكرسي الذي كان يتربع عليه.
أنظروا ما تشاؤون من الأنظمة السياسية في ما تختارونه من الأوطان , وستكتشفون أن عائدية الأوطان لأهلها , والذين تحكّموا فيها لفترات ذهبوا مع الريح.
فالأوطان باقية ملكا لأهلها , والذين حاولوا إمتلاكها والنيل من أهلها , طوتهم إرادة الصبر والصمود والقدرة على البقاء والحياة , فالأوطان أعمارها خالدة , وأعمار الذين يقبضون على عنقها قصيرة وواهية , ونهاياتهم واضحة ومعروفة ومتكررة عبر الأجيال.
فلماذا لا يعتبر السياسيون , ويؤمنون بأن الأوطان ملك أهلها , وعليهم أن يتفاعلوا معها على هذا الأساس , بدلا من الإنحراف والميل إلى إحتكارها وحرمان أهلها منها؟
إنه طبع بشري عجيب ومتواصل , فحالما يشعر البشر بالقوة تنفلت في أعماقه رغبات أمّارات السوء , وتفعل فعلها في كيانه وتستحوذ على بصيرته وتمتطي عقله لتنفيذ إرادتها الشوهاء.
فيتحول الساسة إلى دمى تحركهم نوازعهم الشرهة , وتدفع بهم إلى بئس المصير وهم في غقلتهم يعمهون.
فهل توجد قدرة على الموازنة ما بين الأوطان وأهلها والقوى التي تدير دفة الأمور فيها؟
إن البشرية بحاجة إلى قوة دستورية وعقد إجتماعي يوازن ما بين إرادة الأوطان والمواطنين والسلطات الفاعلة فيهما.
وقد نجحت بعضها ولاتزال أكثرها تتخبط في ظلمات النفوس الدهماء!!
ولابد من حلٍ لهذا الإشكال لتستقيم مسيرة الحياة!!