23 ديسمبر، 2024 11:59 ص

الأهوار والخراب الميتافيزيقي

الأهوار والخراب الميتافيزيقي

إذا كانت الميتافيزيقيا تعني علم ما وراء الطبيعة ، فأن الأهوار زيقيا تعني علم الطبيعة المنظور والممتلئ ماء واسماكا ومشاحيف وجواميس ومعدان وطيور وقصب .

 لهذا فأن الجفن إن شطح الى الأقاصي البعيدة حيث المجرات والكواكب ومكان ما فيه الجنة ، فأن العين الناظرة لبيئة الاهوار سترى مجرات من التواريخ وصناعة الحلم ومحاولة صنع جنة الأرض ( عدن ، عاد ، دلمون  ) قبل الصعود الى الجنة ونيل ما كان يتمناه على الارض بالرغم من أن انسان الاهوار الاول الذي صنع سلالات الطين والقصب في اور واريدو وتل العبيد اخطأ في جعل الطريق بالواصل بين الفردوس الارضي والفردوس الميتافيزيقي الذي يتخيله كان يتم عبر اقبية مظلمة عثر عليها وعلى جميع اثاثها في مقبرة اور الملكية من قبل عالم الاثار السير ليوناردو وولي في مطلع عشرينات القرن الماضي.

الآن المكان الذي كنا نسميه الميتافيزيقيا ( الخضراء ) مهدد بموت آخر عبر خراب أسمه العطش.

ولأن المكان الذي يعاني من محنة الطبيعة والأنسان معه يلازمه دوما هاجس اسمه نبوءات العرافين فأن هذا المكان عاش فيه من يعيَّ ويرى حتى في اطيافه صورة القاتم الذي سيأتي عندما ذكر لنا شغاتي عامل الخدمة في مدرستنا : انه شاهد امس كومة من اسماك نافقة فأحس بمنية شيء هنا ، وحتما هي منية الماء.

الآن بعد عشرات الاعوام استعيد هول هذه المفردة ( منية الماء ) وأتخيل ذلك السادن السومري الطيب الذي يرى في العقال تكبيلا لرأسه فلا يرتدي سوى اليشماغ فقط حتى في ( تسيورته ) الى مضيف جار او قريب أو عندما نرسله الى الناصرية لاستلام الكتب والقرطاسية.

أتخيله في سكون قبره وهو يرى أن ميتافيزيقاه داخل القبر تحنُ الى تلك الميتافيزيقيا التي بدء يسمع شكواها من لسان ولده ( مكسيم حين ) يزوره بين حين وحين ويقرأ الفاتحة قرب وسادة التراب التي يستريح عليها رأسه.

يقول الولد : صرنا مثل الحضر يا أبي نشتري الماء بالقناني الصغيرة ؟

فيسأله الأب :والماء الذي أبحر منه نوح الى طنجة وآرارات وجزيرة جاوا.؟

ــ لقد جف .

ــ والمدرسة والبيوت والطير والسمك والجاموس والمعلمين وجيراننا وطايفة سيد مكوطر القريبة من قريتنا وطير الخضيري والحذاف ومشحوف العطار بيرغ والحافوفة  أم دلي  ؟

ــ من هاجر هاجر ، ومن اسكن دمعته لسكاكين القصابين اسكناها والطير بقي ملازما شتاء الصين ، والمعلمون اغلبهم تقاعد وآخرون ذهبوا ابعد من دلمون البحرين ، والحافوفة يا ابي ابنتها افتتحت صالون المكياج.

يسأله الأب : والمكياج هل هو من شرب الماء.؟

لا يا ابي ،المكياج فرنسي لم يشرب الماء ، من شربه قدر اسمه الحرب ومزاج السلطان العثماني .

يبكي الأب …

أتخيل دمعته البريئة من بعض دموع الذين يذهبون احياء مع الملك المتوفي الى اقبية النذر ويشح الهواء والماء ويصرخون ، نحن نختنق ،نحن نعطش أين الجنة فالتفتح ابوابها لنا .

لكن الجنة لا تفتح بابا لخرافة عقل .مثلما والي ديار بكر لايفتح بوابات السد لعطش الاهوار…….!