18 ديسمبر، 2024 7:42 م

الأنفال.. جرح مازال ينزف

الأنفال.. جرح مازال ينزف

عندما كان الاعتداء على الكورد جزءاً رئيسياً من سياسة الحكومة في بغداد، تم اقتراف الآلاف من الجرائم بحق الكوردستانيين، وحملات الأنفال التي اعتبرتهم أقلية أو مجموعة لادينية، أظهرت الوجه الحقيقي لسياسات النظام الشوفيني كأكثر انظمة الحكم وحشية في العصر الجديد. والحديث الذي يتجدد كل عام عن الأنفال والقتل الجماعي والابادة المنظمة، حديث عن سلسلة من الجرائم المختلفة استخدمت فيها جميع انواع الأسلحة المحرمة دولياً وخاصة السلاح الكيمياوي من نوع الخردل والسيانيد وغاز الأعصاب والفسفور، وبالاستفادة من الأوضاع الدولية في ذلك الوقت، وكان اختيار اسم الانفال بهدف جذب عطف وتأييد العروبيين في العراق والعالم العربي ومنح الشرعية للجريمة، وتعريف الكورد بأنهم كفار لادين لهم.

كانت حملات الأنفال التي بدأت يوم 22 شباط سنة 1988، واستمرت لغاية 6 أيلول من نفس العام البائس، من أخطر صفحات الابادة الجماعية في تاريخ المنطقة، وربما في التاريخ الانساني، اذ ان الوثائق المتوفرة تؤكد على انها كانت حملة إستراتيجية تم التخطيط والتحضير لها مسبقاً، من أجل محو الوجود الانساني الكامل لقومية آمنة تعيش على أرضها، ومسح معارفها وخصوصياتها المادية والمعنوية واذابتها في قومية أخرى، وذلك بممارسة عمليات عسكرية طويلة الأمد، وإستخدام المدافع والطائرات والمروحيات وقتل أكبر عدد من سكان القرى والمدن الصغيرة، بالاضافة الى إعدام الذين تبلغ أعمارهم بين (15-70) عاماً وتغييبهم في مقابر جماعية في الصحارى الجنوبية للعراق.

في اليوم الأول من الحملات، بدأت المؤسسات الاعلامية البعثية بالاعلان عن بداية النهاية للمعارضين، وفي يوم 19/3/1988، تم الاعلان عن إنتهاء المرحلة الأولى من الأنفال وفي ذات اليوم نشر برقية تهنئة من المجرم المقبور (سلطان هاشم) قائد حملات الأنفال الأولى الى صدام حسين (علما انه لم يعاقب كما يجب رغم صدور الحكم عليه بالاعدام )، وبعد ذلك الاعلان لم تبق اجراءات البعث من القتل والحرق في كوردستان مخفية أو سرية، وأصبحوا يظهرون وحشية جرائمهم بفخر ويتحدثون عنها باعتزاز، جرائم نفذت في ثماني مراحل، تسببت في ابادة (182) الف انسان كوردي، وكانت المرحلة النهائية لحملات الأنفال في منطقة بادينان وأعلن في 6/9/1988عن انتهائها، وعرفت بخاتمة الأنفال.

وفي هذه الايام ونحن نستذكر تلك الايام المأساوية المؤلمة، لابد ان نؤكد على المسؤوليات التي تقع على عاتق مراكز القرار، ومنها معاقبة مجرمي تنفيذ حملات الابادة الجماعية ضد شعب كوردستان، وضمان حقوق الضحايا المادية والمعنوية والقانونية، وتعويضهم وفقاً للمعايير العالمية في اطار عملية توفير العدالة الاجتماعية والاخلاقية، والعمل من اجل منع تكرار هذه الجرائم وتخفيف المخاوف من تكرار عمليات مماثلة (وخاصة ونحن نرى ونلمس بقاء الميول الشوفينية في العراق)، وتخصيص مبالغ سنوية خاصة من الموازنة الوطنية لإعادة إعمار المناطق المتضررة، والعمل على إجبار الشركات والمراكز الدولية التي ساعدت نظام البعث في تنفيذ حملات الأنفال والقصف الكيمياوي بدفع تعويضات مادية لذوي الضحايا والمتضررين، والعمل على إرغام حكومة بغداد لتقديم إعتذار رسمي لذوي الضحايا والشعب الكوردستاني باعتبارها وريثة الحكومة السابقة، وتعريف الأجيال بهذه الأحداث لكي لاتنسى، وعدم إعفاء أو تخفيف الاحكام والعقوبات الصادرة والتي تصدر من المحاكم بحق المتهمين بجرائم الانفال.