نتساءل لماذا بلداننا يعصف فيها الخراب والدمار ويكتنفها الضياع وأعاصير التداعيات والخسران , ونأتي بأسباب لا نهاية لها , ونغفل حقيقة كبيرة وجوهرية مفادها أن نسبة الوطنية في أنظمة الحكم ضعيفة وفي بعضها غائبة أو مجهولة.
قد يقول قائل ما هذا الكلام , فأنظمة الحكم , خصوصا منذ بداية النصف الثاني من القرن العشرين , ثورية وقومية ووطنية , وهي التي سعت للتحرر والكرامة وما إلى غير ذلك من الشعاراات.
وفي الواقع أن معاهدة سايكس بيكو كانت نعمة كبيرة على العرب , لأنها منحتهم أوطانا , لكنهم لم يتمكنوا من بناء الشعور الوطني الصحيح , وفشل معظمهم في إقامة أنظمة وطنية بالمعنى الفصيح للوطنية , فتدهورت الأحوال وتفتت الأوطان وتمزقت بنيتها الإجتماعية والأخلاقية , فضاع معنى الوطن.
والبرهان أن المنطقة عصفت فيها الأفكار القومية والدينية , وهي ذات نزعات غير وطنية , فالأحزاب والحركات القومية تبخس القيمة الوطنية , ومن الأمثلة ما حصل في العراق الذي تغلبت فيه المصالح القومية على الوطنية , وقبلها في مصر أبان الخمسينيات والستينيات , أما الأحزاب الدينية بأنواعها فأنها لا تعترف بوطن , وهي بلا إستثناء أحزاب غير وطنية مهما إدّعت , أضف إلى ذلك قيام الدعوات الشيوعية التي هي ذات توجهات عالمية وإنتماءات عقائدية لأصلها ولا علاقة لها بالوطن , ولهذا فشلت فشلا ذريعا ولم تنجح في تقديم أو إقامة أي مشروع أو برنامج وطني.
والقليل من الدول العربية حظيت بنسبة ما من الأنظمة الوطنية وخصوصا بلدان المغرب العربي , ويُقال أن العراق كان فيه حكم يمتلك بعض الوطنية بعد سقوط الملكية بسنوات ولكن أية وطنية تلك؟
والحقيقة التي يُحاول الكثيرون طمسها أن الأنظمة الملكية برغم ما يُقال عنها وتوصف به , كانت ذات نسبة عالية من الوطنية والواقعية , فالدول العربية غير كاملة السيادة مهما توهمت , وسيادتها ربما أعلى في زمن الحكومات الملكية مما عليه اليوم.
ومن هنا فأن المعضلة التي أتلفت الوجود العربي تتلخص بإنعدام الوطنية بمفهومها العملي والواقعي , الذي يشير إلى بناء وطن معاصر ومجتمع متماسك بعقد إجتماعي يضمن الحقوق والواجبات والمسؤوليات ويرسم خارطة المسير الوطني المبين.
ولا تزال الدول العربية تعيش أوجاع هذا الفقدان المرير للوطنية وإستتارها أو مجهوليتها في الوعي الجمعي العربي , وعليه لابد من التأكيد على معانيها والعمل بموجبها لكي تتحرر الأوطان من وجيع الخسران.
فهل من سلوك وطني أمين؟!!