23 ديسمبر، 2024 8:34 ص

الأنظمة الجمهورية والجلهومية!! 

الأنظمة الجمهورية والجلهومية!! 

الجلهمة: الشدة.

ما جرى في العقد الخامس من القرن العشرين رسمَ خارطة المتغيرات التي حصلت في المنطقة العربية في العقدين السادس والسابع منه , وما تولد عنها من أحداث وتطورات وتداعيات , أكدت الأهداف المرسومة والبرامج المعلومة وبإحكام ودقة وصراحة ووقاحة , أستخدمت فيها آليات الخداع والتضليل والتمرير والتغرير والتجهيل والتعويل.

وكان في مقدمة الآليات التي تحقق العمل بها هو الإنقلابات العسكرية , التي أجهزت على الأنظمة البرلمانية العاملة وفقا لدساتير ذات قيمة ومعنى ودور في بناء الحياة , وجيئ بأنظمة عسكرية تعمل بدساتير مؤقتة تخدم السلطة وتهين المواطنين , وتعبث بمقدرات البلاد والعباد وفقا لمنطلقات وإدعاءات مكتوبة تستوجب التنفيذ.

ولهذا صدرت قوانين في ديباجتها أنها لخدمة الوطن ولكن في محتواها تدميره وتفريغه من قدرات النماء والعطاء , ومنها قوانين الإصلاح الزراعي التي دمرت ما هو زراعي وأفقرت البلدان وجعلت الناس تجوع وتفتقر وتستورد طعامها.

وفي هذا الخضم الإنقلابي المتوالد إنطلقت الأحزاب بمسمياتها وشعاراتها وأهدافها التي ما حققت إلا ما يناهضها , فالتي دعت إلى الوحدة أمعنت في تفتيت البلد الواحد , والتي نادت بالحرية تمادت بالقهر والظلم والقتل المباح , والتي دعت للإشتراكية لم تقدم ما ينفع البائسين والمحتاجين.

وأضيفَ إليها النزعات الطائفية والمذهبية , التي وُضعت في أطر سياسية وصارت حركات تريد الجلوس على كراسي السلطة , وتحقق لبعضها ما أرادت فعبثت بالوجود الوطني والبشري على هواها , فلكلٍ منها دينه وربه وكتابه المبين.

ولا تزال المنطقة تعيش في دوامة المتغيرات الخسرانية , التي ما نفعت بل أضرت وحققت أهداف الآخرين ومطامعهم ومشاريعهم البعيدة المدى.

ولا يمكن القول بأن ما جرى من فعل أبناء الأوطان الأصلاء التي تمزقت وتخربت , وإنما هي إملاءات يقوم بتنفيذها بعض المعوقين نفسيا , والذين لديهم إضطرابات سلوكية وتطلعات مريضة يتم الإستثمار فيها وإنجاز الهدف المطلوب , فيكون الذين يسمونهم قادة أو حكام من التابعين لهذه القوة أو تلك , ومن أدواتها الأمينة للحفاظ على مصالحها وتنفيذ مخططاتها.

فالواقع المرير الذي يُراد تضليل الناس حوله , أن المجتمع العربي بأسره لم يُحكم بأبنائه وإنما هو محكوم بالنيابة من قبل خدام وأعوان أعدائه , وهذا يفسر ما جرى ويجري في الواقع العربي المُبتلى بالذين يُجلبون من العدم ويوضعون على سدة الحكم والسلطة , ويتم تلقينهم وتوجيههم وإرشادهم بل وحتى كتابة خطاباتهم , وبعد ذلك يجري العمل على إيهامهم بأنهم ساسة وقادة ومن العارفين النابهين , وما هم إلا من البُقلاء السذجة المُسخرين لتحقيق مصالح الآخرين.

والمشكلة أن هؤلاء يتم وضعهم في دوامة دوارة لا تهدأ , تتواصل فيها الأحداث والتطورات التي تجعل منهم حالات متأججة منفعلة ومضطربة ومرعوبة منهمكة بالإستجابات الفورية , أو التي يُطلب منهم القيام بها لغاية بعيدة يجهلونها لضيق أفق رؤاهم ومحدودية أذهانهم وقدرات تفكيرهم.

ولكي يتم الغرض المنشود لا بد من العسكر الذين في ذروة الشباب المشحون بالحماس , لكي يتأمن الوصول إلى الغاية المطلوبة واللازمة لتوليد ما يكفي من الحالات والظروف لإنجاز الأهداف الكبرى والمصالح العظمى.

ووفقا لذك فقد حكم العديد من الدول العربية مَن هم في العقد الرابع من العمر فتسببوا بتفاعلات طائشة وخرابات فائقة , بعد أن تدرعوا بالفردية والإستبدادية والدكتاتورية والطغيانية الماحقة , وأوهموهم بانهم العارفون والذين تنتهي عنهم علوم السياسة والقيادة والحكم , وهم الذين لا يمكنهم الإتيان بعبارة واحدة بلا عيوب في النطق والإعراب.

ولهذا فأن التي نسميها أنظمة جمهورية لا تمت بصلة لهذا التسمية , لأنها لم تبني نظام حكم دستوري راسخ ولم تعمل بآليات برلمانية وقانونية عادلة , وإعتمدت الشدة والبطش في تفاعلاتها , مما أدخلت البلاد والعباد في دوامات المحق المتبادل , الذي يكون اللاحق فيه محّاقا للسابق بكل ما أنجزه وفعله , وتمضي التصفيات العنيفة العارمة , فكل نظام يأتي يُفرغ السجون والمعتقلات من الذين إعتقلهم سابقه ليملأها بالمعتقلين الذين على صلة بالنظام السابق , وهكذا دواليك.

وعليه فأن تسمية الأنظمة الجلهومية أدق وأصح , وهذا ما نحصده  بسببها وبتأثيرها الفعال الذي يدور في أروقة حياة العرب حتى هذا اليوم!!