22 ديسمبر، 2024 11:41 م

الأنسان في ذكرى أعلان حقوقه

الأنسان في ذكرى أعلان حقوقه

الانسان هذا الكائن الحي الذي كرمه الله عز و جل و فضله على كثير ممن خلق تفضيلاً و نفخ فيه من روحه و نصبه خليفة له في الارض للأعمار و نشر الخير و العدل و نبذ العنف و القتل و الطغيان , يمر هذا الكائن في هذه الايام بالذكرى (  الثامنة والستون ) للاعلان العالمي لحقوق الانسان في (10/12/1948) الذي جاء تلبية لحاجات تلك المرحلة الى تثبيت حقوق الانسان بعد تجاوز مرحلة صعبة للغاية و سيئة في العلاقات الدولية حيث انتهت الحرب العالمية الثانية الذي ذهب ضحيتها الملايين و خسر العالم الثروات الكبيرة ناهيك عن تداعياتها على البيئة و الصناعة و الزراعة بالاضافة الى الخوف و القلق من تكرار نفس المأساة و ان الاعلان جاء ضرورة ملحة حيث نصت في موادها على ماكان يعانيه الانسان في ذلك الوقت من ضياع لحقوقه الاساسية في الحياة و لكن الاعلان يفتقد الى صفة الالزام بين الدول و ان الالتزام بمبادئه تنطلق من احترام هذه الكيانات للانسان املاً في وضع نهاية لمأساته و حداً لنداءاته بالاغاثه و تقديم المعونة و حمايته من بطش غيره لينعم بحياته و يعيش آمناً على ارضه دون فزع و أرهاب , و توالت بعد هذا الاعلان العالمي اعلانات اخرى اقليمية مثل (الامريكي و الاوروبي و الافريقي و العربي) للتأكيد على ضرورة احترام حقوقه و ان كل المواثيق الدولية و الدساتير في الدول نصت على ضرورة حماية الانسان و حقوقه و حاربت الاكراه و التعذيب و الحجز غير القانوني و تشكلت منظمات دولية و اقليمية لمكافحة  الانتهاكات المستمرة لحقوق الانسان و اصدار التقارير الدورية عن الموضوع ذاته ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هل استطاعت هذه الاعلانات طيلة السنوات السابقة ان تحقق اهدافها و تحمي الانسان و تحافظ على حقوقه المشروعة ؟!
فأن المتتبع لأحوال العالم و ما يوجد فيها من قتل و دمار و هجرات و نزوح او امتلاء السجون و المعتقلات يكون جوابه بالنفي القاطع حيث ان الاعلانات باتت جزءاً من الماضي و اوراقاً أجتمع عليها الغبار و غطتها على رفوف المؤسسات كما تغطي الثلوج قمم جبال الهملايا و القطبين الشمالي و الجنوبي المستمر طوال ايام السنة و انها لم تستطيع الحد من :-
قيام الحروب و النزاعات : فمنذ القدم الناس يتأرجحون بين الخصام و الوئام و يشقون بالحروب مرة و يسعدون بالسلام تارة و لم تقدر العلاقات الاجتماعية و حسن الجوار و تبادل المصالح و المنافع و كذلك دعوات الفلاسفة و الاديان ان تجنب الانسان من غريزة السيطرة و المقاتلة و لازالت الدماء تراق و الارواح تزهق و الحروب مستمرة بتدميرها و تخريبها و ان العجب في الانسان كلما نضج عقله وسما فكره ابدع و أفتن في وسائل الحروب للقضاء على خصمه من بني جنسه , فبعد ان كان العصا و الحجر تستعمل تطور الى الرمح و السيف و منه الى البندقية و المدافع و الى الاسلحة الكيمياوية و القنبلة الذرية و لايعلم الا  الله ما وراء الغيب من ما قد تخترع في المستقبل و ان الانسان كان وقود هذه الحروب و الصراعات و زيتها و تفنن في اساليب القتل و التعذيب و قامت حروب دامية بين البلدان انتهكت الحقوق و سلبت الحريات امام انظار العالم و المنظمة الدولية (الامم المتحدة) رغم النداءات و بيانات الاستنكار بضرورة حماية حقوق الانسان .
الصراعات الداخلية : الصراع ظاهرة اجتماعية تعكس حالة عدم التوافق بين رغبتين او ارادتين و اكثر و الصراع الدولي تعني تعارض المصالح و اختلاف القيم بين مجموعة بشرية و اخرى و خلال فترة الحرب الباردة بين المعسكر الغربي و الشرقي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية و الاتحاد السوفيتي السابق التي استمرت لحوالي نصف القرن، نشبت صراعات داخلية عديدة أي داخل الدولة الواحدة و لكن لوجود مفاهيم سياسية مثل السيادة الوطنية و مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول و حماية المصالح الدولية كانت هذه النزاعات على حساب الشعب المغلوب على امره و ان الدولة الامنة لم تكن تعني الامان لافراد شعبه بل ان الدولة نفسها كانت تهديداً لأمن الشعب و تفعل السلطة السياسية في تلك الدولة ما تشاء ضد كل من يخالف سياستها او يطالب بحقوقه بين القتل و الابادة الجماعية و استخدام الاسلحة المحرمة دولياً و ايواءهم في معسكرات و تجمعات سكنية عنوة و وضع القيود على حركتهم والشعب الكوردستاني في العراق مثالاً حياً كضحيلهذه السياسات خاصة خلال العقد السادس والثامن والتاسع من القرن العشرين ، و لكن بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في عام (1990) و تفرد امريكا بقيادة العالم ظهرت مفاهيم جديدة في العلاقات الدولية منها مبدأ التدخل الانساني و العولمة و حماية الشعوب المضطهدة بذلك قلصت دور السيادة الوطنية و فتحت الحدود امام المنظمات الدولية و لكن هذا لايعني بان الانسان كان محمي الحقوق ومصان الحرية و ينعم بحياته بل ازداد سوءاً خاصة عندما كان النظام السياسي للدولة يشكل تهديداً لأمن العالم و سلمه فكان الشعب ضحية لعقوبات المجتمع الدولي و اجراءاته بين العمل العسكري و الحصار الاقتصادي و تقيد حركة الافراد و لنا امثلة عديدة كالعراق و سوريا و اليمن … الخ .
السجون و المعتقلات : تشير الاحصائيات الصادرة عن مراكز الاعلام و المنظمات الدولية الى ان اعداد المساجين و المعتقلين يزداد يوماً بعد آخر و ذلك بدوافع سياسية و عرقية و طائفية و قومية أي دون وجه قانوني أو قرار قضائي و الجدير بالذكر ان الانظمة السياسية الطاغية على رقاب الشعب كثيراً ما تشرع قوانين خاصة به للانتقام و الثأر من خصومه السياسية و كل من يخالف رأيه و تمارس في هذه المعتقلات اشد انواع التعذيب و العنف و الممارسات الشنيعة التي تشمئز منه الضمير الانساني و كان و لايزال هذه السجون مكاناً لأرهاب الانسان و تحيده عن طريقه في نيل حقوقه و غالباً ما تنتهي الى حبال المشنقة و التصفيات الجسدية و يكون هذه السجون بعيداً عن متناول المنظمات الدولية المعنية بحقوق السجناء و ان وجدت فيكون قليلاً .
الهجرة و النزوح كنتيجة حتمية للحروب و الصراعات باتت الهجرة و النزوح من سمات هذا العصر بل و ظاهرة عالمية على الرغم من اثارها الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية ففي ظلها يضطر الانسان ان يترك ارضه و وطنه و يقبل العيش في اسؤ الظروف الحياتية و اصعبها في المخيمات و المعسكرات ينتظر لقمة العيش يرمى له لأنقاذه من الموت المحتوم و ذهب الكثير ضحية بين القتل و الغرق و قبول الاهانات و الممارسات اللانسانية في سبيل الوصول الى مناطق امنة و ان اعدادهم في زيادة مستمرة هرباً من يطش بني جنسه .
كل هذه الاشارات تدلنا بوضوح على عدم قدرة الاعلان العالمي لحقوق الانسان من ايقاف او الحد من الانتهاكات المستمرة لحقوق اكرم مخلوق على وجه البسيطة و ان المجتمع الدولي بكياناته و منظماته مسؤول عن ما يشهده العالم حتى يومنا هذا فما زالت الحروب مستمرة و قتل الاطفال و النساء و هدم المدن و اللجوء و النزوح مشاهد يومية يعيشها و تنزف الدموع من العيون و ترهق القلوب و ان هذه الاعلانات باتت وسائل و ادوات في ايدي الدول لتحقيق مصالحها و تأمينها دون المبالات بحياة الابرياء العزل و ان كل الحقوق المنصوص عليها في هذا الاعلان تنتهك و ان كان بشكل نسبي و الجميع يتحمل المسؤولية ايضاً بشكل نسبي … لذا نشيد بالمجتمع الدولي وهو مطالب بمراجعة آلياته في حماية الانسان و حقوقه في الارجاء المعمورة و اعادة تشريع القوانين و اصدار القرارات الملزمة للاشخاص القانون الدولي بضرورة الاستجابة و ان الموجود منها باتت دون جدوى و نفع و الا سيكون الاتي من الحروب و الدمار و الانتهاكات اكثر و علاجها صعباً وسط مصالح الدول في تأمين مصادر الطاقة وبسط النفوذ و ربما نكون على ابواب حرب عالمية ثالثة تأكل الاخضر و اليابس اعاذنا الله من ويلاتها و شرورها لأننا اكثر الناس احساساً بها لما لاقيناه على مر التاريخ .