18 ديسمبر، 2024 10:55 م

الأنتربول وملاحقة المطلوبين للعدالة : ضبابية الفهم لمهام الأنتربول

الأنتربول وملاحقة المطلوبين للعدالة : ضبابية الفهم لمهام الأنتربول

جاء في خبر نشره موقع “السومرية نيوز” أن وزارة الداخلية العراقية غاضبة من منظمة الأنتربول (منظمة الشرطة الجنائية الدولية) لعدم تعاونها مع السلطات العراقية في تسليم المطلوبين للقضاء العراقي.
وقالت الداخلية على لسان مسؤول كبير فيها “إن الأجهزة الأمنية العراقية تحدّد للأنتربول أماكن تواجد المطلوبين… ولكن برغم ذلك فلم يتم تسليمهم للآن”.. وقال أيضاً: “إن الانتربول الدولي منذ العام 2005 لم يتعاون معنا في إرجاع أي مطلوب أو متهم أو محكوم من قبل القضاء العراقي”، مستدركاً أن “الذين تم إرجاعهم يخص قضايا جنائية بسيطة كالقتل وسرقة آثار باعتبارها قضية دولية”. وقال: أن “هناك اتفاقيات بين العراق والشرطة العربية والدولية ولكن لم يسلم أي مطلوب”، وأضاف بأن بعض الدول ينفون وجود المطلوبين لديهم وأحياناً يفتعلون لهؤلاء قضية حادث مروري لكي يدانون وفق القانون ويبقون في تلك الدول”.
مما تقدم يبدو أن هناك نوعا من (الضبابية) في فهم معنى الأنتربول “منظمة الشرطة الجنائية الدولية”، ودورها أو حدود مسؤولياتها في التعاون الدولي لمتابعة المطلوبين للعدالة.
الوظائف الرئيسية للأنتربول:
“الأنتربول” هو الأسم المختصر للمنظمة الدولية للشرطة الجنائية، تأسست عام 1923 بهدف حشد الجهد الدولي في مكافحة الجريمة الدولية، وكان معظم أعضائها عند التأسيس من دول أوربا، لكنها اليوم تضم 186 دولة من جميع قارات العالم، وإن للأنتربول الدولي ثلاثة وظائف رئيسية وهي:
أولا: خدمات إتصال شُرَطي عالمي مأمون من خلال شبكة أمينة لتمكين الإتصال بين جميع الدول الأعضاء بالمنظمة.
ثانيا: خدمات بيانات وقواعد بيانات للشرطة، تفيدها في إجراء التحقيقات ومنع الإجرام. وقد قام الأنتربول بتطوير وإدامة مجموعات من قواعد البيانات تشمل: أسماء، وبصمات، وصور، والبصمة الوراثيمة الوراثية (دي أن أي) للأفراد ووثائق السفر والهويات وبيانات عن المطلوبين لأجهزة العدالة.
ثالثا: خدمات إسناد شرطي في مجالات (المخدرات، الجريمة المنظمة، الجرائم المالية، الهاربون من وجه العدالة، الأرهاب، الأتجار بالبشر، الإجرام البيئي)، من خلال خبراء يشكلون فرق عمل للمعاونة وتشجيع أفضل الممارسات والتدريب على تقنيات التحقيق والتحليل الحديثة. ومن خلال مركز العمليات والتنسيق التابع للأنتربول، وهو الذي يربط الأمانة العامة بالمكاتب الأقليمية وجميع المكاتب المركزية الوطنية فيما بينها، ويشكل أول نقطة إتصال لأي بلد عضو عندما يواجه أزمة فينسق تبادل المعلومات مع البلد المعني.
الأنتربول ليس سلطة فوق الدول:
إن منظمة الأنتربول ليست سلطة تعلو على إرادة الدول الأعضاء بمعنى أنه لا يمكنها إلزام دولة ما على أداء إجراء شرطي معين أو الإمتناع عنه، كما أن العاملين بالمنظمة ليست لهم أية سلطات تمكنهم من ممارسة أية أعمال داخل أقاليم الدول الأعضاء، كالحق في تتبع مجرم دولي هارب وضبطه أو اقتفاء أثر جريمة دولية في بلد ما وإنما هذا متروك لكل دولة وفق ما تقرره قوانينها الداخلية. كما أن المنظمة هي جهاز فني لخدمة الأمن العالمي وذلك بإسداء النصح والمشورة للدول الأعضاء حيال المكافحة الصحيحة للجرائم والدولية منها خاصة ، كما أنها معنية أيضاً بتشجيع الدول الأعضاء وحثهم على التعاون فيما بينهم. والدور الأكثر وضوحاً لها هو ما تقوم به لمد الدول الأعضاء بالمعلومات الجنائية المتوفرة لديها والتي ما من شك في أنها تساعد أجهزة الشرطة المحلية في توقي حدوث الجرائم أو أثناء إجراء التحريات بشأن جريمة وقعت بالفعل والأمثلة في هذا الصدد كثيرة لا تحصى.
إن هذه الأهداف المشار اليها آنفاً واردة بنص الفقرة الأولى من دستور منظمة الإنتربول التي تعطيها الحق في مطالبة الدول الأعضاء بموافاتها بكافة المعلومات والوثائق عن الأجانب الذين يضبطون بإقليمها أو عن الجرائم الدولية التي تقع داخل حدودها الإقليمية ويحتمل امتداد أثرها إلى دول أخرى، كما من حقها أيضاِ أن تطالب الدول الأعضاء بموافاتها بالإحصائيات السنوية عن جرائم معينة على سبيل المثال جرائم الاتجار غير المشروع بالمخدرات أو المواد المؤثرة على الحالة النفسية «المهدئات» وجرائم تزييف وتزوير النقد ووثائق السفر وذلك لإعداد تصور شامل لتطور حركة هذه الجرائم الذي �رائم الذي يتضمن تحديد الدول المصدرة لهذه الجرائم والدول التي تنتقل خلال أراضيها أو مياهها الإقليمية والدول التي يتم ترويجها بها مستهدفة من ذلك إعداد خطط شاملة للمكافحة بالإشتراك بين الدول المعنية.
ومن أجل كل ذلك فقد أنشأت منظمة الإنت�اسلكية ضخمة تربط فيما بين الأعضاء بالإخطار السريع عن الجرائم الدولية والمعلومات المرتبطة بها عن تنقل المجرمين كما وضعت نظاماً للنشرات الدولية يمكنها بمقتضاه التعميم عن أنشطة المجرمين الدوليين وعن المسروقات المهمة والأثرية المهربة خارج الحدود الإقليمية للدول المسروقة منها وعن الجثث المجهولة ويشتبه أنها لأجانب. ومن المفيد هنا الإشارة إلى أن هذه النشرات تلعب دوراً كبيراً في التحذير من الطرق المستخدمة لارتكاب الجرائم وخاصة تهريب المخدرات وتزييف النقد وطوابع البريد الأثرية. فالنشرات الحمراء هي للمطلوبين للعدالة، والخضراء للمفقودين، والصفراء للجثث مجهولة الهوية التي يعثر عليها.
دور الأنتربول في ملاحقة المطلوبين للعدالة:
يوجد في كل بلد عضو بالأنتربول من الأعضاء الـ 186 بلداً (مكتب إتصال وطني) يتولى القيام بإجراءات المتابعة والمهام التنفيذية المتعلقة بمسألة استرداد المطلوبين أمنياً. وتقوم بتنظيم التعاون وتفعيل التواصل مع نظيراتها بالدول الأخرى في مجال العمل المشترك والمتعلق بمسألة استرداد «استلام وتسليم» المتهمين المطلوبين والفارين من دولة إلى أخرى. ويعمل مكتب الانتربول أو شعبة الاتصال في البلد المعني باسترداد المتهم المطلوب على مخاطبة نظيره المقابل له في البلد الذي يتواجد فيه الشخص المطلوب بشأن القبض عليه، وفقاً لملف الاسترداد المعد بموجب أمر قبض صادر عن السلطة القضائية في الدولة التي تطالب بالمتهم، ويكون ذلك في ظل وجود اتفاقية تعاون قضائي أو أمني مبرمة بين الطرفين تنظم مسألة تبادل تسليم واستلام المتهمين بين هذه الدولة وتلك. وفي حالة عدم وجود اتفاق بهذا الشأن، يتم طلب استرداد المتهم عبر (الأنتربول)، أما بالنسبة للطلبات بين الدول العربية فيفترض أن تتم من خلال المكتب العربي للشرطة الجنائية ومقره في دمشق (ويسمى الأنتربول العربي)، بشأن إسترداد المطلوبين للعدالة الفارين من دولة عربية والمتواجدين في دولة عربية أخرى. وإذا لم يتحقق للجهات المختصة المعنية بالموضوع معرفة مكان تواجد المتهم المطلوب أو البلد الذي فيه محل إقامته الحالية.. يتم تعميم أمر القبض القضائي الصادر بحقه في جميع الدول حتى يقبض عليه في أي دولة.
وعند تفعيل أمر القبض العربي أو الدولي، تقوم الدولة التي يسكن أو يقيم أو يمر فيها (الشخص المطلوب)، باحتجازه وعرض أمره على القضاء الوطني، ويستطيع جهازا الشرطة في الدولتين (إن كان مبرما بينهما إتفاقية لتسليم المجرمين)، تسليم المطلوب بعد موافقة القضاء (غالبا الإدعاء العام أو النيابة العامة)، إلى البلد الطالب لمحاكمته إن توفرت شروط التسليم. وتتجه دساتير أغلب الدول إلى عدم جواز تسليم المواطن، أي رعاياها، وعدم جواز تسليم اللاجئ السياسي، وعدم جواز التسليم في القضايا ذات الصبغة السياسية، ومبدأ عدم تسليم الدولة لمواطنيها يكاد يكون مبدأ مستقراً وعادة ما ينص عليه في اتفاقيات تسليم المجرمين وسواء كانت اتفاقيات ثنائية أو جماعية، بل ينص عليه في الدساتير.
الأنتربول جهة إبلاغ وليست جهة تنفيذ:
إن منظمة الشرطة الجنائية الدولية (الأنتربول) هي ليست جهة إصدار أوامر قبض وإنما هي (تقوم بتعميم ونشر) أوامر القبض التي تأتيها من الدول الأعضاء، وليس للأنتربول أية مفارز شرطية ولا مجندين ولا قوات خاصة !!!! وليس لها جنود ، بل إنها مجرد جهة تنسيقية بين الدول الأعضاء تعمم أوامر القبض وتبقى مسؤولية القبض والتسليم شأنا وطنيا بحتا يخص الدولة التي يقيم فيها المطلوب ، كما أن الدول جميعا غير ملزمة بتسليم أي شخص أجنبي موجود على أراضيها وإنما القرار يكون لقضائها الوطني بعد دراسة الملف الذي يجب ان يعده البلد الطالب ويتضمن التهم والأدلة ليقرر في ضوءها التسليم من عدمه ولا يمكن لأي بلد أن يسلم مطلوبا ما لم تكن هناك إتفاقية تسليم مجرمين نافذة ومعتبرة موقعة بين البلد الطالب والبلد المطلوب منه. وكما قلنا فإن الأنتربول يختص بالقضايا الجنائية والمجرمين الجنائيين ولا صلة له البتة بالمطلوبين السياسيين، خاصة وأن دساتير معظم دول العالم تنص على عدم جواز تسليم اللاجئ السياسي إلى بلده مهما كانت التهم الموجهة اليه.
إن معظم دساتير العالم ومنها (دستور العراق) تنص علي عدم جواز تسليم اللاجيء السياسي الي بلده مهما كانت التهم الموجهة اليه. فالدستور العراقي ينص على انه ” لا يجوز تسليم اللاجئ السياسي إلى جهةٍ أجنبية، أو إعادته قسراً إلى البلد الذي فرّ منه” وثمة دول لا تجيز تسليم الشخص اذا كانت العقوبة المتوقعة عليه هي (الإعدام)..
التسليم قرار سيادي ولاسلطة لدولة على أخرى:
المعلوم قانونا أن الدول غير مُلزمة بتسليم أي شخص أجنبي موجود علي أراضيها، وإنما القرار يكون سيادياً، لقضائها الوطني بعد دراسة ملف الاسترداد الذي يجب أن يعدّه البلد الطالب ويتضمن التهم والأدلة ليقرر في ضوئها التسليم أو رفض التسليم، كما لا يمكن لأي بلد أن يُسلم مطلوباً ما لم تكن هناك (اتفاقية تسليم) نافذة ومعتبرة وموقعة بين البلد الطالب والبلد المطلوب منه التسليم.

* خبير قانوني وأمني