مع قرب موعد الأنتخابات البرلمانية المقررة في شهر 12/أيار القادم/ 2018 لا تزال صورة المشهد الأنتخابي والتحالفات السياسية يكتنفها الكثير من الغموض والمفاجأت بنفس الوقت!. والحقيقة أن الأنتخابات القادمة تختلف عن أنتخابات عام (2005 ،و 2010 ،و 2014) ولربما ستكون الأصعب على جميع الأحزاب السياسية وقادتها وتحديدا الأسلامية منها!، والتي تربعت على عرش السلطة وقيادة البلاد من بعد سقوط النظام السابق عام 2003 ولحد الآن، وتكمن صعوبتها على هذه الأحزاب هو لأن كل عوراتها أنكشفت تماما أمام الشعب طيلة فترة (15) سنة التي مضت!،حيث فقدت كل جسور الثقة بينها وبين الشعب، ولم يعد الشعب يصدق بأي شيء،وفي كل شيء تقوله وتوعد به، بعد أن كشف زيف وخداع كل الشعارات والوعود التي نادت ووعدت بها تلك الأحزاب. فلن تحظ الأحزاب الكردية وقادتها برضا الشعب الكردي وقبوله وأحترامه، ونفس الشيء يقال على الجماهير الشيعية والسنية بل هم أكثر حقدا على قادتهم، لأنهم أوصلوهم الى أرذل صور الحياة وأرذل العمر!. فكل قادة الأحزاب السياسية باتوا يعرفون حجمهم المخجل والمخزي أمام جماهيرهم!. وعليه من الصعب التكهن، أي القوائم ستحظى بقبول الجماهير عند صناديق الأقتراع، لا سيما وأن الجماهير قررت بأنها سوف لن تسمح للأحزاب السياسية التي قادتها طيلة السنوات (15) التي مضت والتي فشلت أن تقدم لها الحياة الحرة الكريمة والعيش الرغيد أن تلدغها مرة أخرى في هذه الأنتخابات!. ولكن يبقى السؤال قائما: كيف ستحقق الجماهير ذلك وأمامها عقبة القانون الأنتخابي (سانت ليغو) المفصل على قياس الأحزاب الكبيرة المتنفذة، والذي يصب لصالح مرشحيها في نهاية الأمر!!؟. الجانب الآخر في موضوع الأنتخابات، هو ان الكثير من المراقبين والمحللين السياسيين يرون بأن المشاركة في هذه الأنتخابات ستكون ضعيفة بالمقارنة مع الأنتخابات السابقة بسبب اليأس الذي أصاب الجماهير من عدم الفائدة سواء أن ذهبت للأنتخابات أم لم تذهب وتنتخب، فالنتيجة واحدة! وهو عودة نفس الوجوه الى قبة البرلمان!!،ليس بسبب من القانون الأنتخابي المسمى (سانت ليغو) حسب بل أيضا بسبب من التزوير الذي يتوقع الكثيرمن المحللين السياسيين والمتابعين للشأن العراقي بأنه سيكون الأكثر من كل انتخابات جرت!، وهذا هو في الحقيقة التحدي الآخر والأكبر الذي سيواجه المشاركين بالأنتخابات؟!. بعد هذه المقدمة ندخل الى صلب الموضوع: حيث كان بأمكان رئيس الحكومة (العبادي)، أن يكون في منأى عن كل ذلك وأن يطيح بجميع مرشحي الأحزاب السياسية وبكتسح كل القوائم الأنتخابية ويحصل على أعلى واكثر الأصوات ومن وضع مستريح!!، ويدخل التاريخ السياسي للعراق من أوسع أبوابه الوطنية ويجعل العراقيين كلهم يحتمون تحت مظلته الأنتخابية، لو أحسن التصرف وأستغل ظروف الدعم الجماهيري وكذلك دعم المرجعية في النجف الأشرف له في أكثر من مناسبة وموقف مر به منذ تسنمه منصب رئاسة الحكومة عام 2014، لا سيما وأن الكل يعلم بأن مرجعية النجف الأشرف لا زالت تمثل الرقم الصعب، وهي قطب الرحى في دولاب الحياة السياسية في العراق منذ سقوط النظام السابق عام 2003 ،( رغم أن بعض المحللين السياسيين والمتابعين للشأن العراقي وكذلك الكثير من الجماهير يطالبون ويتمنون من المرجعية الرشيدة في النجف الأشرف ان تقول كلمتها وتصرح بموقفها وبوضوح من هذه الأنتخابات المهمة جدا بسبب ما وصل أليه العراق من وضع مزري في كافة الأصعدة ، كما فعلت ذلك في انتخابات عام 2005 عندما أعلنت دعمها الواضح لبعض القوائم الأنتخابية حينها (قائمة الشمعة!!). نعود الى (العبادي) فقد يرى غالبية العراقيين بأنه كانت امامه فرصة أكثر من ذهبية لأعتلاء قمة الهرم الأنتخابي والفوز برئاسة الحكومة لدورة ثانية، لو أعلن خروجه من حزب الدعوة؟!، والذي طالما طالبته الجماهير بذلك!، للتخلص من سطوة الحزب عليه، والأرتماء في أحضان الجماهير التي وضعت الكثير من الأمال عليه، ولكن (العبادي) خذل الجماهير التي طالبته بذلك وظل أسير للحزب ولأمينه العام(نوري المالكي) الذي يعتبر بنفس الوقت غريمه ومنافسه الأول في الأنتخابات؟!. الورقة الثانية التي خسرها العبادي والتي كانت تمثل(ورقة الجوكر)! كما يقال بيده في الأنتخابات، وهي محاربة الفساد والقضاء على الفاسدين، والكل يتذكر دعم الجماهير والمرجعية في النجف له وتفويضه بالعمل بما يراه مناسبا في موضوع محاربة الفاسدين عندما توعدهم بأقصى العقوبات!. ولكنه خذل الجماهير في هذه الورقة أيضا!،حيث أنتظرت الجماهير منه أن يقوم بصولة وطنية صادقة في تنفيذ تهديداته بالقضاء على الفاسدين، ولكن لم يحدث أي شيء من كل تهديداته التي كان يطلقها في مؤتمراته الأسبوعية ولم يتأثر فساد الفاسدين بأي شيء بل أزدادوا قوة وفسادا! وتبين للشعب أن كل تهديداته وتوعده بمحاربة الفاسدين كانت فقط للأستهلاك الأعلامي!، كما أنه لم يخرج من صورة الزعماء العرب الموصوفين بكونهم ظاهرة صوتية فقط!. وعاد (العبادي) ليخذل الجماهير هذه المرة عندما أعلن قائمته الأنتخابية وتحالفاته السياسية التي ضمت شخصيات وأحزاب لا تحظى برضى وقبول الجماهير لها!، والتي ولربما كانت السبب وراء أنسحاب قائمة (الفتح المبين) برئاسة (هادي العامري) بعد 24 ساعة من التحالف معه!، ثم أعقبها أنسحاب قائمة (عمار الحكيم) المسماة (تيار الحكمة) منه أيضا!، هذه الأنسحابات شكلت ضربة كبرى للعبادي وتحالفاته السياسية وقللت الى حد كبير من فرص فوزه في الأنتخابات القادمة!.(من مجموع 47 تحالف سياسي معه بقي معه قرابة 27 فقط!). أخيرا نقول أن سياسة مسك العصى من قبل (العبادي) بتوازن كما يريد ويعتقد! والتي حاول أتباعها مع كل الأطراف الدولية والأقليمية والعربية والداخلية ذات الصلة بالشأن العراقي ومحاولة أرضاء الجميع، لم ولن تنجح أبدا، فالوضع العراقي المأزوم بالمشاكل والتدخلات الخارجية والتي تتجاذبه أطراف دولية وأقليمية كثيرة، يتحتم على من يحكمه أن يكون أكثر وضوحا وقوة في أختيار ما يراه مناسبا لمصلحة الوطن والشعب. يقول السياسي البريطاني المعروف (ونستون تشرشل): انا على أستعداد للتعاون مع الشيطان في سبيل مصلحة بريطانيا. ونسأل هنا: هل فكر العبادي بذلك وهل فكر من سبقوه من الرؤوساء ومن سيأتون من بعده بأن مصلحة العراق هي في الأعتبار الأول والأخير؟.