26 ديسمبر، 2024 12:39 ص

حب الذات هي أحد الغرائز التي جعلها الله عز وعلا في النفس البشرية فلا أحد منا ينكر رغبته وحبه في أن يكون الأول والأحسن في كل شيء! ، وحب الذات يمكن أن تكون رديف للنرجسية ، وحب الذات هذه أو ( الأنا ) كما يطلق عليها في علم الأجتماع أو علم النفس أذا تحولت الى الأنانية عند ذلك يكون خطرها كبير وتأثيرها عميق ومردودها سلبي ويلحق الأذى بالآخرين أن كانوا ( أفراد أو مجتمع) .والأنانية موجودة لدى الكثير من الأشخاص الذين نلتقيهم في كل مرافق ومفاصل الحياة وخاصة في دوائر الدولة ومؤسساتها العسكرية والمدنية ، وحتى في القطاع الخاص ، فكثيرما يصادفنا في حياتنا أشخاص يؤثرون أنفسهم على الأخرين بشتى الطرق والأساليب ، ويضعون مصالحهم الشخصية فوق مصالح الجميع ! . وبطبيعة الحال أن أمثال هؤلاء لا يحظون بأحترام المجتمع الذي يعيشون فيه ، ودائما ما يكونون عرضة للأنتقاد بشكل مباشر وغير مباشر من المحيطين بهم والعاملين معهم وطالما يكثر اللغط عليهم ويحاول الكثيرين الأبتعاد عنهم بسبب أنانيتهم تلك . أن أخطر صور الأنانية عندما تكون في عالم السياسة وتكون جزءا من شخصية رئيس الدولة والحكومة! ، فيتحول الى دكتاتور أعمى لا يرى ألا نفسه ولا يسمع ألا صوته! وبالتالي يجر الخراب على البلاد والعباد ، وهذا ما أبتلي به العراق بكل الرؤوساء! الذين قادوا الحكومات التي توالت على حكمه من ملكية الى جمهورية ، ولكنها تجلت وظهرت بشكلها المرعب والمخيف والمشوه ، حقبة النظام السابق وبشخص رئيس الحكومة الراحل ( صدام حسين) الذي عرف عنه حب النفس والنرجسية القاتلة ، فكان شعاره ( أنا الدولة والدولة أنا ، وأذا قال صدام قال العراق ، وأذا قال العراق قال صدام ) ، تلك النرجسية والأنانية والدكتاتورية العمياء التي جرت على البلاد كل الويلات والمآسي! ، بعد أن تخيل أن العراق كله صار ملكا عضوضا له ولأبنائه وأحفاده وعشيرته! . وبعد سقوط النظام السابق تصورنا بل أعتقدنا ، بأن قادة البلاد الجدد وسياسييها ، غير مصابين بحب الذات وملقحين ضدها! ، ولديهم مناعة تجاه حب الذات والنرجسية ، وبالأنانية في الأستئثار بالسلطة لكونهم كانوا معارضين للنظام السابق وطالما أنتقدوه على أنانيته ونرجسيته ودكتاتوريته! ، ولكن خيبتنا كانت كبيرة بذلك عندما وجدناهم نسخة أخرى وصورة مكربنة لمن سبقوهم في السلطة وبنرجسية وأنانية وأستئثار أكبر! . أن حب الذات والأنانية هذه تجد أرضها الخصبة في المجتمعات المتخلفة التي تفتقد للنظام والعدل والمساواة والكفاءة والحرية وتسودها الفوضى، فكان طبيعيا أن تنتشر هذه الغريزة بكل ما تحمل من أمراض أجتماعية وأنسانية ، في عراق اليوم الذي يعاني من فوضى عارمة في كل تفاصيل الحياة ومجالاتها حتى أنها صارت كفايروس قاتل يفتك ببنية المجتمع والدولة شيئا فشيئا حتى وصلنا الى حد الأنهيار الكامل وهذا ما نراه ونسمع عنه في الكثير من مؤسسات الدولة الحكومية ودوائرها. وعلى الرغم من أن حب الذات موجود في النفس البشرية أيا كانت تلك النفس شرقية أم غربية ، مسلمة أم مسيحية وغير ذلك ، ألا أننا لا نجد لهذه الغريزة الخطيرة ذلك الوجود القوي والمؤثر والطاغي لدى المواطن في المجتمعات الغربية والأوربية ، فحب الذات والأنانية والنرجسية لا وجود لها عندهم ، وأن وجدت فتكون على نطاق ضيق لا أحد يشعر بها ، وذلك بفعل دساتيرهم الأنسانية والموضوعية ، وبأشاعة روح العدل والمساواة والقانون والنظام الذي يحرص الجميع بالحفاظ عليه لأن أوربا وباقي دول الغرب تعي جيدا أن أنتشار مثل هذه الظاهرة يمكن أن تتحول الى وباء من شأنه ان يوقف ويعرقل عجلة التقدم والنجاح في الحياة التي يحرص الجميع على دفعها للأمام فلا مجال هناك لحب الذات وروح الأنانية بدأ من رأس الدولة وطاقمه السياسي وصولا الى الأنسان البسيط ، فالبقاء للأكفأ والأنزه والأكثر جدارة والذي لا يعجبه ذلك فليضرب رأسه بأقرب حائط وليشرب من البحر! ، لذا نراهم في تقدم مطرد ونحن في تراجع مستمر الى الوراء!. ومن المفارقات المضحكة عن حب الذات وروح الأنانية ومحاولة البروز والسيطرة بعيدا عن التفكير بالمصلحة العامة ، ما حدث لمنتخبنا العراقي قبل سنوات حيث كان يشارك بأحد البطولات الخليجية عندما وصل الخلاف بين اللاعبين بالعراك بالأيدي! على من يحمل (شارة الكابتن)! ، على الرغم من أن شارة الكابتن هي قطعة قماش ليس فيها مخصصات ومكاسب مالية! ، فلا لوم بعد ذلك على ما نسمعه ونراه من قادتنا السياسيين الذين لا يرون ألا أنفسهم ومصالحهم المالية والشخصية والحزبية والفئوية الضيقة في كل خطوة سياسية يقدمون عليها ، تلك المصالح الشخصية والحزبية والروح الأنانية التي أوصلت العراق الى منزلقات خطيرة ومفترق طرق لا احد يعرف نهاياتها ، كما في صورة المشهد السياسي الذي عشناه ونعيشه منذ الأنتخابات الأخيرة التي جرت في 10/10/2021 ولحد الآن . أخيرا نقول : أذا كانت مشكلة من يحمل شارة الكابتن ، مقدور حلها بوجود المدرب الذي يحسم الأمر بذلك ، فمن يقدر على سياسيينا وقادة أحزابنا السياسية الذين لايعترفون بدستور ولا يهمهم شعب أو وطن! ولا يرون غير أنفسهم ومصالحهم ومصالح أحزابهم ولا يسمعون ألا أصواتهم . حقا أن الرعية بالراعي أن صلح الراعي صلحت الرعية وأن فسد فسدت الرعية!.
خارج المقال : يقول الدكتور علي الوردي رحمه الله ( كلما أزداد الأنسان غباوة ، أزداد يقينا بأنه أفضل من غيره في كل شيء).

أحدث المقالات

أحدث المقالات