23 ديسمبر، 2024 3:45 ص

الأمير كاميران بدرخان مهندس العلاقات الكُردية – اليهودية/ج7

الأمير كاميران بدرخان مهندس العلاقات الكُردية – اليهودية/ج7

كاميران بدرخان والعلاقة مع الوكالة اليهودية
بعد فشل الثورة الكردية الكبيرة في آكرى داغ التي قادها الجنرال احسان باشا ضد السلطات التركية الكمالية، تكونت لدى الدكتور كاميران قناعة بأنه لا مفر للكرد للنجاح في كفاحهم ونيل استقلالهم من الاعتماد على دعم قوى خارجية، وهذا ما وضحه الصحفي الامريكي (جوناثان راندل) بالقول: ” أن لبدرخان علاقات قديمة وسرية مع الوكالة اليهودية التي كانت بمثابة مخابرات يهودية قبل انشاء دولة اسرائيل. وكان ميل بدرخان الى العمل الاستخباراتي السري مع البريطانيين في البداية ومن ثم الفرنسيين وبعدها اليهود، وفقا لاصدقائه الفرنسيين؛ نشأ اثر القناعة الحزينة التي تكونت لديه بشأن استحالة القيام بأي حركة مسلحة، بعد الانهيار السريع للثورة الكردية (آكري داغ)عام 1930 -1931م ضد تركيا، والتي أعد لها الاكراد والارمن بعناية كبيرة، وكان هو احد قادتها” .ينظر: كتابه (أمة في شقاق دروب كردستان كما سلكتها) ، ترجمة بدر عقيلي، ص249-252.
لقد أصبحت بيروت عاصمة لبنان ومنذ نهاية الحرب العالمية الاولى، العاصمة السياسية والدولية للشرق الاوسط، وكان السياسيون من جميع انحاء العالم يرتادونها، وفي زحمة العمل السياسي كانوا يقضون اجازات الترويح في المنتجعات الكثيرة الواقعة في الجبال الواقعة في ضواحي بيروت والمدن الاخرى وعلى طول الساحل اللبناني، ومن البديهي أن تجذب هذه الدولة الصغيرة أيضاً كبار مسؤولي الوكالة اليهودية التي كانت تعد بمثابة حكومة منفى للدولة المرتقبة (= اسرائيل).
وقد تمكنت الوكالة اليهودية من تجنيد العديد منهم لخدمة مشروعها القاضي بإنشاء دولة اسرائيل على أرض فلسطين، وكان من أبرز هؤلاء: إلياهو ساسون المولود في دمشق سنة 1902، والذي درس في الجامعة القديس يوسف اليسوعية في بيروت، وله صداقاتٌ متشعبةٌ في دمشق وبيروت. والثاني: إلياهو أبشتاين (إيلات). ومع أن إيلات مهاجر روسي إلى فلسطين، إلا أنه درس بين 1931 و 1934م في الجامعة الأميركية في بيروت التي كانت تُدعى سابقاً الكلية الإنجيلية السورية، وتعرّف في أثناء دراسته إلى جورج نقاش مؤسس صحيفة الأوريان، والنصير القوي للمشروع الصهيوني في فلسطين. والمعضلة ليست في مبدأ تلك اللقاءات ومبتدئها ما دامت مقصورةً على عرض الأفكار والآراء، ومحصورةً في مناقشة التصورات والمقترحات، بل المعضلة في الاتفاقات التي تمخضت عنها، مثل اتفاق الكنيسة المارونية اللبنانية والوكالة اليهودية، ففي 30/5/1946 صاغ إلياهو ساسون ويعقوب شمعوني الاتفاق المذكور، ووقعه في القدس برنارد جوزف (صار اسمه دوف يوسف) عن الوكالة اليهودية، وتوفيق عواد عن البطريركية المارونية. ويعترف الاتفاق بحق اليهود في أن تكون لهم دولة مستقلة في فلسطين، على أن تقوم في لبنان دولة مستقلة ذات طابع مسيحي. وفي تلك الفترة، كان في لبنان تيار سياسي وفكري، يعتقد أن قيام دولة يهودية في فلسطين، إلى جوار لبنان، من شأنه أن يضمن بقاء لبنان المسيحي، ويحمي وجوده، ويقف حائلاً دون سيطرة سورية على لبنان والأردن، ويوجه ضربة لفكرتي الوحدة العربية والعروبة معاً.
وقد أجرى هؤلاء المسؤولون في بيروت لقاءات مع زعماء عرب، منهم: رؤوساء، رؤوساء حكومات، وزراء، سفراء، فضلاً عن العديد من الاعيان ورجال الدين من الاديان المختلفة من مسلمين من الطائفتين الشيعية والسنية، ومن المسيحيين منهم بعض البطاركة الكبار للطائفة المارونية، والى الاقل رتبة من المطارنة والاساقفة والكهنة من هذه الطائفة، أمثال: الرئيس إميل إدة، والرئيس بشارة الخوري، والرئيس كميل شمعون، وثلاثة من رؤوساء الوزارات: رياض الصلح، وخير الدين الأحدب، وخالد شهاب، والبطريرك أنطوان عريضة بطريرك الموارنة، والمطران أغناطيوس مبارك مطران بيروت للموارنة، ، والمطران عبدالله الخوري، ومحمد العبدالله، وجورج مشحور، والشيخ حسين حمادة، ومحمد علي حمادة، وراشد الريشاني، والصحافي إلياس حرفوش صاحب صحيفة الحديث اللبنانية، وتوفيق سمعان، وإميل الخوري حرب، وشارل مالك، وإلياس ربابي الذي تسلم من الوكالة اليهودية مبالغ نقدية، تافهة … وغيرهم كثير.
أما الثالث، فهو: موريس فيش (1903-1965م) فهو أول من اكتشف الامير الكردي كاميران بدرخان ، وفيشر من مؤسسي وزارة الخارجية الاسرائيلية، وقد ولد في بلجيكا، وأنهى دراسته في الكيمياء، وفي الزراعة، وتأثر بوالده في اعتناق فكرة الصهيونية الذي كان منزله بمثابة مقر للجنة الحركة الصهيونية، كما عمل فيما بعد في مجال شراء الاراضي من الملاك الفلسطينيين واللبنانيين لاغراض الاستيطان اليهودي، وقد وصل الى فلسطين عام1930م، وقد التحق فيشر منذ نعومة آظفاره بناءً على طلب من الحركة الصهيونية بجيش فرنسا الحرة عام1941م الذي كان يقوده شارل ديغول آثناء سنوات الحرب العالمية الثانية، وعكف في إطار هذا الجيش على شعبة الابحاث وخصوصاً موضوع الاقليات في الشرق الاوسط، وقد أبدى اهتماماً خاصاً بالعلاقات القائمة بين هذه الاقليات، والشعوب الكبيرة والصغيرة التي كانت تعيش في المنطقة (= المقصود العرب والكرد)، وأقام علاقات وطيدة مع زعمائها، ومن بينهم رئيس الطائفة الارمنية، والذي عرفه بدوره على الامير كاميران بدرخان، وبعد قيام دولة إسرائيل، عمل سفيرا في فرنسا ثم تركيا، ثم في ايطاليا عام 1961م، وأصبح فيما بعد وكيلاً لوزير الخارجية الاسرائيلية حتى وفاته في عام1965م.
وتضيف أرملة موريس فيشر( حيه فيشر) بأن الامير بدرخان كان يحل ضيفاً دائماً في بيتها في بيروت، وفيما بعد أيضاً في اسرائيل، وكان زوجها (= موريس فيشر) يسرد للامير بدرخان الكثير حول إحياء اللغة العبرية، على أيدي اليعيزر بن يهودا(1858-1922م)، ولد بن يهودا باسم إليعيزر إسحاق پرلمن في 7 كانون الثاني/ينايرعام 1858م في مدينة لوجكي التي كانت تقع في محافظة فيلنيوس بلتوانيا (أما اليوم فتقع داخل حدود روسيا البيضاء)، كان أهله يهود أشكناز متشددين بالدين ومن طائفة حسيدية (= التصوف اليهودي)، عندما كان في الخامس من عمره تيتم عن أبيه فأرسلته أمه ليتعلم في يشيفا (مدرسة يهودية دينية)، وعندما كان في العشرين من عمره سافر إلى باريس ليتعلم الطب، ولكنه ترك الدراسة بعد 3 أعوام قبل إتمامها.
في شهر نيسان/ أبريل عام 1879م نشر مقالته الأولى حيث قال إن نهضة اليهود ستكون في فلسطين (إيرتس إسرائيل- أرض اسرائيل) وإن أساسها سيكون تبني اللغة العبرية في جميع مجالات الحياة اليهودية، لأن الشعب لا يتمكن من النهضة دون لغة مشتركة لأبنائه، في هذه المقالة استخدم اسم (بن يهودا) كاسم مستعار، ثم جعله اسمه الرسمي، في ذلك الحين تزوج من دڤورة يونس. في عام 1881م هاجر بن يهودا مع زوجته إلى القدس حيث عاش حتى آخر أيامه، في القدس بدأ يشتغل في هيئة تحرير جريدة (حاڤاتسيلت) التي كانت من أول الجرائد الصادرة بالعبرية، وفي عام 1884م أسس جريدة أخرى باللغة العبرية اسمها (هاتسڤي)، وفي المقالات التي نشرها دعا اليهود إلى تبني اللغة العبرية، وأبدع كلمات جديدة خاصة في مجالات الحياة اليومية إذ كان العبرية تستخدم حتى ذلك الحين في الكتابة الدينية أو في الأدب الراقي، كذلك عبر عن تأييده بنشطات الحركة الصهيونية الأولى وخاصة بإقامة تجمعات زراعية يهودية في فلسطين. أصر بن يهودا على التكلم بالعبرية فقط في بيته وطالب زوجته بأن يسمع أطفالهما العبرية لا غيرها، هذا أثار اتهمات ضده بأنه يسيء معاملة أطفاله. لم يبدأ ابنه الأكبر النطق إلا في الثالثة من عمره ولكنه كان فصيحا في العبرية وتعلم لاحقا لغات أخرى. كذلك عارض أبناء الطوائف اليهودية العريقة في القدس استخدام اللغة العبرية في الحياة اليومية لاعتبارها لغة مقدسة لا يمكن استعمالها إلا لغايات دينية. أدى الخلاف بين بن يهودا وقادة الطوائف اليهودية المقدسية إلى حبسه في السجن العثماني بعد أن اتهمه القادة اليهود بالتمرد ضد السلطات العثمانية. ثم أطلق صراحه بعد تدخل بعض القادة اليهود المعتدلين.
في عام1890م أسس بن يهودا (لجنة اللغة العبرية) التي جمعت كبار الأدباء واللغويين اليهود في فلسطين في ذلك الحين، حيث عملوا من أجل ترويج التعليم بالعبرية في المدارس اليهودية، واتخذوا قرارات بشأن الصيغة واللفظ المفضلة للغة العبرية في المدارس والمؤسسات، ومن أهم المشاريع التي عكف عليها بن يهودا هو تأليف قاموس شامل للغة العبرية يشمل على جميع كلمات اللغة عبر التاريخ وعلى التجديدات التي اقترحها بن يهودا، تمكن بن يهودا من إصدار 5 جلود قبل وفاته.
لذا يعد بن يهودا من أبرز منشئي المسار الذي أدى إلى تطور اللغة العبرية العصرية؛ وكان الامير بدرخان يبدو شديد الحماس لهذه القضية، لانها في اعتقادي تهمه، وخاصة وانه وشقيقه (= جلادت ) كانا لهما دور كبير في احياء اللغة الكردية – اللهجة الكرمانجية الشمالية، لاسيما اصدار المجلات والجرائد العديدة وعمل قواميس عديدة شاملة، وترجمة القرآن الكريم والاحاديث النبوية الى اللغة الكردية تم التطرق إليها في الاجزاء السابقة.
ومن جانب آخر فقد قام (موريس فيشر) باعداد بحث شامل عن الكرد، واستعان برهبان يسوعيين الذي كانوا يعملون في جامعة القديس يوسف في بيروت(= تأسست عام1875م) من أجل اعداد خارطة توضح جميع حدود كردستان (= كردستان الكبرى)، وكان الامير بدرخان يستخدم هذه الخارطة في دعم أقواله تجاه خصوم القضية الكردية على حدٍ سواء.