23 ديسمبر، 2024 1:00 ص

الأمير كاميران بدرخان مهندس العلاقات الكردية – اليَهودية/ج5

الأمير كاميران بدرخان مهندس العلاقات الكردية – اليَهودية/ج5

المعلومات المتوفرة عن نشاط اليهود أو الوكالة اليهودية في كردستان قليلة ويشوبها الغموض، لأنها جاءت من جانب واحد فقط من جانب الباحثين والاكاديميين اليهودوالاسرائيليين، أما بخصوص النشاط الصهيوني وتأسيس الاحزاب والحركات الصهيونية في كردستان العراق، فقد كان لمدن اربيل و كركوك وخانقين القدح المعلى في هذا المضمار، ففي مدينة أربيل كان ( نوريئيل) رئيس الطائفة اليهودية فيها هو مسؤول النشاط الصهيوني فيها وقد ارسل مبالغ مالية كبيرة الى الكيرن كيمث (الصندوق التأسيسي اليهودي الذي تأسس عام1901م)، ونظراً لذلك فقد دعي لحضور المؤتمر الصهيوني الخامس عشر(المنعقد في سنة 1927م)، إلا أن معرفة السلطات الملكية العراقية آنذاك وتحريض بعض رؤوساء الطائفة اليهودية في بغداد من المعارضين للصهيونية حال دون سفره، اذ منع من السفر .
ومن نشطاء الحركة الصهيونية في مدينة كركوك (اسحاق داينيل) الذي كان نائباً في البرلمان العراقي اعتباراً من سنة 1924م وقد جبى التبرعات لصالح منظمة الكيرن كيمث ايضاً .
اما في مدينة خانقين فقد نصب (ابراهيم ساسون نسيم) الملقب بابراهام نفسه وكيلاً للكيرن كيمث وكان مهووساً بالصهيونية، ورغم خلافه مع رئيس الطائفة اليهودية في خانقين، فقد تمكن من ارسال كمية كبيرة من المال، فضلاً عن ارسال بعض المهاجرين الى فلسطين في عام 1935م
و كانت هناك عدة جمعيات صهيونية تم تأسيسها في العراق، كانت حصة كردستان منها كما يلي:
1- منظمة بني يهوذا في أربيل.
2- منظمة بني يهوذا في خانقين.
3- منظمة الهاجاناه (الدفاع) في كركوك عام 1946م.
4- حركة حالوتس (الطلائع) في كركوك تحت اسم (قعوروت) عام 1944م.
5- حركة حالوتس في أربيل تحت اسم (طبريا) في شهر آذار عام 1947م.
6- حركة حالوتس في حلبجة تحت اسم (تل حاي) في شهر آذار عام 1947م.
ومن جانب آخر فقد كان (موشي بارزاني) أحد أعضاء منظمة شتيرن اليهودية الصهيونية من أصل يهودي عراقي، قام بعدة عمليات ضد قوات الاحتلال البريطاني، وبعد القاء القبض عليه، انتحر مع رفيقه قبل تنفيذ حكم الاعدام بهما عام1947م، قبل إنشاء دولة اسرائيل في 15 أيار/مايس عام1948م، تعتبره الحركة الصهيونية إحدى رموزها، ودفن فيما بعد في جبل الزيتون في القدس وله نصب في متحف سجناء تحت الأرض هناك في إسرائيل، وقد كان مناحيم بيجن رئيس وزراء إسرائيل الأسبق أحد المتأثرين به .
أما الوكالة اليهودية لأجل إسرائيل، فهي الجهاز التنفيذي للحركة الصهيونية، أنشأ في 1908م بإسم (مكتب فلسطين) في يافا كفرع للعمليات للمنظمة الصهيونية في فلسطين تحت الحكم العثماني، يقوم بمهمة تمثيل اليهود أمام السلطان العثماني والسلطات الأجنبية الأخرى وشراء الأراضي لليهود بمساعدة الصندوق القومي اليهودي لغرض الاستيطان وبعد صدور وعد بلفور، وهي الرسالة التي ارسلها وزير الخارجية البريطاني البروتستانتي آرثر جيمس بلفور بتاريخ 2 نوفمبر 1917 الى المصرفي البريطاني وأحد قادة الحركة الصهيونية في بريطانيا (اللورد ليونيل والتر دى روتشيلد) يشير فيها لتأييد حكومة بريطانيا لإنشاء وطن قومي لليهود فى فلسطين. وبدأ الإنتداب البريطاني على فلسطين، شارك قادة من المنظمة الصهيونية بصياغة قرارالإنتداب.
وكانت الرسالة التي تعرف حاليا بوعد بلفور أوضح تعبير عن تعاطف بريطانيا مع مساعي الحركة الصهيونية لإقامة وطن لليهود في فلسطين حيث طلب فيها بلفور من روتشليد إبلاغ زعماء الحركة الصهيونية في المملكة المتحدة وايرلندا بموقف الحكومة البريطانية من مساعي الحركة.
غير أن موقع بي ، بي، سي البريطاني يذكر:” رغم أن الرسالة لا تتحدث صراحة عن تأييد الحكومة البريطانية لإقامة دولة لليهود في فلسطين، لكنها أدت دوراً أساسياً في اقامة دولة اسرائيل بعد 31 عاما من تاريخ الرسالة، أي عام 1948. كما ساهمت الرسالة في تشجيع يهود القارة الاوروبية على الهجرة الى فلسطين خلال الفترة ما بين الحرب العالمية الأولى والثانية، في وقت كانت القارة تشهد صعودا للتيارات القومية المعادية للسامية”.
إن نقل السلطة في المنطقة من قبل عصبة الأمم إلى بريطانيا وفرنسا تم في اطار جديد – طريقة الانتداب – التي بحسبها تعهدت الدول العظمى أن تساعد الدول الجديدة التي تشكلت (سوريا، لبنان، العراق وفلسطين) على الاستقلال. ولكن بالنسبة لفاسطين، قررت عصبة الامم ترتيبات خاصة: مبادئ تصريح بلفور تم تضمينها في صك الانتداب: في المادة 2 جاء أن حكومة بريطانيا ملزمة بالمساعدة في اقامة وطن قومي للشعب اليهودي، والمادة 4 جاء فيها أنه سيتم إنشاء (وكالة يهودية) تمثل الحركة الصهيونية.
وفي نيسان/ابريل 1920م منح مؤتمر روما لندن الانتداب على فلسطين. وبحسب نص الانتداب الذي أقر نهائيا في عام 1922م في عصبة الامم، تتولى المملكة المتحدة “مسؤولية ان ترسي في هذا البلد (فلسطين) وضعا سياسيا وإداريا واقتصاديا من شانه ان يضمن اقامة وطن قومي للشعب اليهودي”. وشكل ذلك نجاحا ضخما للحركة الصهيونية.
وفي عام 1921م غير إسم المكتب إلى (التنفيذية الصهيونية لفلسطين) وذلك لتلعب دور (الوكالة اليهودية) المحددة في المادة الرابعة من صك الإنتداب البريطاني؛ وقامت بتنسيق الهجرة اليهودية لفلسطين أثناء فترة الإنتداب، وشراء الاراضي وتخطيط السياسات العامة للمنظمة الصهيونية، وشكلت مدارس ومستشفيات وقوات مسلحة (=الهاجاناه)، وظل حاييم وايزمان رئيسا للوكالة اليهودية والمنظمة الصهيونية حتى عام 1929م .
في عام 1929م أعيد تنظيم وتسمية (التنفيذية الصهيونية لفلسطين) لتصبح (الوكالة اليهودية لفلسطين)، وفي المؤتمر الصهيوني السادس عشر المنعقد في مدينة زيوريخ السويسرية في شهر آب/ اغسطس 1929م، حصلت على إعتراف من الإنتداب البريطاني للعب دور (الوكالة اليهودية) المذكور في صك الإنتداب، وبعد قيام دولة إسرائيل عام 1948م، أصبح إسمها (الوكالة اليهودية لأجل إسرائيل).
كان للوكالة اليهودية دور كبير في ارسال العديد من الشخصيات اليهودية الى كردستان العراق للاتصال باليهود الكرد من جهة، ومحاولة اقامة علاقات مع العديد من الشخصيات الكردية المتنفذة آنذاك، وكان لها مندوب في بغداد تحت غطاء العمل الصحفي واسمه (روفين شيلواح)، وقد زار كردستان العراق عام1931م، وطور صلاته مع بعض الكرد في العراق في تلك الحقبة .
ففي سنة 1934م أرسلت الشعبة السياسية للوكالة اليهودية وهو الجهاز التنفيذي للحركة الصهيونية أحد مندوبيها تحت اسم روبين(=اسم حركي مستعار) الى العراق في مهمة سرية، وقدم نفسه على مدى ثلاث سنوات متتالية على انه استاذ مدرسة وصحافي يعمل بدوام جزئي، وعلى هذا الاساس تجول في مختلف مناطق العراق، وأقام علاقات واسعة مع الكرد وسائر الأقليات غير العربية، بحجة تجميع المواد الضرورية لكتابة مقالات مزعومة لم تنشر ابداً، وقد كشف اسمه الحقيقي الباحث اليهودي من أصلٍ كُردي- مدينة زاخو(مُردخاي زاكن) في كتابه (يهود كردستان ورؤسائهم القبليون) أن ذلك المبعوث هو(بنزيون اسرائيلي Benzoin Israeli ) الذي زار قرية صندور أيضاً، ومما قاله أن رئيس الوزراء العراقي كان يتفاخر بها آثناء لقاءاته مع الوفود في الخارج، لانها كانت قرية يهودية خالصة تضم حوالي 800 يهودي .
وفي تشرين الأول/أكتوبر عام1942م قام (مائير مريدور) بزيارة كردستان العراق موفداً من قبل الموساد للهجرة الثانية (الشعبة السياسية للوكالة اليهودية) للعمل مع اليهودي الاخر(انزو سيريني-Enzo Serene 1905-1944-م) الذي زار كردستان العراق عام1942م، للعمل على إنشاء وحدات دفاع ذاتية في الاحياء اليهودية في العراق لمواجهة هجمات العراقيين (= يقصد بها حادثة الفرهود في بغداد عام1941م)، وأفاد في تقريره الذي قدمه الى مرجعه ان علاقات اليهود بجيرانهم في كردستان بصورة عامة جيدة، بيد أن العراقيين كانوا يقومون دائماً بمحاولات لإذكاء الخلافات والصراعات بينهم. وأضاف مريدور بقوله :” في قرى الشمال (= كردستان) صندور( قرية تقع على بعد حوالي عشرة كم شمال مدينة دهوك) وزاخو تقابلت مع يهود يحملون السلاح على غرار ما يفعله سكان المنطقة، وأضاف… لقد أصبح وضع اليهود الأمني في تلك المنطقة سيئاً جراء قيام العراقيين بتحريض الاكراد، ويمتنع يهود صندور في الآونة الاخيرة عن التوجه إلى الحقول لحراسة كرومهم، خشية توريط أنفسهم فيما لا تحمد عقباه”، وكان يهود قرية صندور (القرية اليهودية الوحيدة في كردستان العراق) قد تعرضوا الى حادثة قتل لعدد منهم على يد بعض الاغوات الكرد من عشيرة الدوسكي( تيلي كه ردي وابن عمه رشيد كِندَل) لاسباب عشائرية في شهر شباط عام 1941م، وقد أشارت الصحافة اليهودية في فلسطين إلى هذه الحادثة التي جرت لهولاء اليهود .
ويضيف مريدور في تقريره قائلاً:” تسكن مدينة اربيل اغلبية كردية ساحقة، والاكراد هم عناصر متمردة باحثة عن الحرية، والاكراد يتميزون في مظهرهم الخارجي بملابسهم الملونة، ومظهرهم الجسماني الممتليء بالقوة بعكس العراقيين. وكذلك اليهود الذين يسكنون تلك المدينة يبدون أصحاء،… ورئيس الجالية اليهودية يتكلم العبرية وقد زاره ميجور(رائد) انكليزي، وسأله حول موقف الجالية اليهودية تجاه الصهيونية ؟ فقال رئيس الجالية : إن كل يهودي صهيوني، وإن أعضاء جاليته هم أيضاً كذلك” .
وفي سنة 1945م جاء الى قرية صندور اليهودية مبعوث يهودي آخر من الحركة الصهيونية وإسمه المستعار(أفنارب)، ونشر تقريراً قال فيه أن تعداد السكان اليهود في قرية صندور قد إزداد نتيجة الهجرة الداخلية لليهود الكردستانيين القادمين من القرى المحيطة .
وفي عام 1946م ارسلت الوكالة اليهودية اثنين من أعضاء شبكتها السياسية الى العراق (موريس فيشر) و(يهودا هلمان) لتجنيد الكرد والاشوريين (المسيحيون النساطرة) ضد العرب، وفي أعقاب الزيارة التي قام بها الاثنان الى كردستان العراق، كتبت الوكالة اليهودية الى اللجنة الامريكية – البريطانية لدراسة مشكلة (ارض اسرائيل): ” يكفي أن نشير الى المصير الذي آل اليه الاكراد والآشوريين في العراق ( يقصد فشل ثورة بارزان الاولى والثانية في الاعوام-1931 1932، 1945- 1943م)، وحركة (النساطرة الاثوريين- الآشوريين في شهر أب 1933م)، كي ندرك مدى ضعف فرص قيام أي نظام عربي بالتعامل بروحية حكم ذاتي فدرالي، ووفقاً لمباديء مع أقلية ذات طابع سياسي وحضاري مختلف عن حضارته “.