23 ديسمبر، 2024 3:35 ص

الأمير كاميران بدرخان مهندس العلاقات الكردية – اليهودية/ج15

الأمير كاميران بدرخان مهندس العلاقات الكردية – اليهودية/ج15

في بداية سنة1959م وصل الى باريس ملحق عسكري اسرائيلي جديد، هو العقيد عوزي نركيس[(1925-1997م)، والذي عمل نائباً لرئيس شعبة الاركان في الجيش الاسرائيلي، ونائباً لرئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، وكان نركيس قد قضى عدة سنوات في فرنسا خلال السنوات التكوينية لإسرائيل ، وانتدب للدراسة في مدرسة الجيش الفرنسي (الأكاديمية العسكرية الفرنسية) وبعد ذلك بصفته الملحق العسكري الإسرائيلي، بعد أن تم منحه وسام الشرف من الحكومة الفرنسية. وفي عام 1965م أصبح أول مدير لكلية الدفاع الوطني الإسرائيلية، و فيما بعد قائداً للقيادة الوسطى للجيش الاسرائيلي في حرب حزيران عام1967م، وأعطى موشيه ديان الأمر لنركيس الذي استغل بسرعة فرصة الاستيلاء على مدينة القدس قبل أن يمنع أي وقف لإطلاق النار ذلك كخيار، وتحت قيادته تم الاستيلاء عليها في 7 يونيو/حزيران]، وكان من البديهي أن يتوجه الضابط الاسرائيلي نركيس في بداية طريقه الى (المسافر) وهو الاسم المستعار الذي كان الموساد يطلقه على كاميران بدرخان في تلك الحقبة، كي يتعرف على ما يجري في العراق، فقد عاد بدرخان قبل فترة وجيزة من هناك، وبناءً على المعلومات التي نقلها، اتضح أنه كان على علاقة وادراك شامل لما يدور في العراق، وكان الامير بدرخان في تلك الاونة في افضل أوضاعه، وكان يقوم بدور الرسول بين الزعيم الكردي البارزاني والعالم الخارجي.
وفي الرسالة السرية والخاصة التي بعث بها نركيس في الاول من أيار/مايس عام1959م الى رؤوبين شيلواح المستشار الامني في وزارة الخارجية في القدس، أطرى فيها المدح والثناء للامير الكردي بدرخان، فقال:” إنه شخص شديد الذكاء، وذو تأثير جدي، ويؤيد عبدالكريم قاسم، نظراً لأنه يعتقد أن أبناء شعبه في العراق أكثر حريةً منهم في إيران أو تركيا أو سوريا. وقبل أن يحدث تغيير ما في مواقف عبدالكريم قاسم، تجاه الاكراد أو الايرانيين مع الاكراد، فإن المسافر سيتمسك بالثورة العراقية ورمزها عبدالكريم قاسم، وهو يكن كراهية عميقة لعبدالناصر، ويقول أن عبدالناصر لا يحارب الشيوعيين، بل يحارب كل من لا يبدي استعداداً للانحناء تحت سلطته ، إن بدرخان يحمل نفس وجهات النظر والآراء التي نحملها”. ويستطرد نركيس القول بأن بدرخان لم يخف امتعاضه من السفارة الامريكية في باريس قائلاً:” إنها تتعامل معي كعميل، وتسمح لي في أفضل الاحوال بالاجتماع بالنائب الثالث للسفير. إن الغرب يخطىء خطأً جسيماً حينما يدير ظهره لما حدث للاكراد، ويتركهم لقمة سائغة للسوفييت. وقد وافق على أن الحماية الاميركية قد تؤدي الى تعقيد العلاقات الغربية مع ايران وتركيا، بيد أنه أكد أن هذا التعقيد أفضل من التدخل السوفييتي لصالح القضية الكردية. فليأت الامريكيون، ليس محبةً في الاكراد، بل لتعميق سيطرتهم على المنطقة”. ينظر، الموساد في العراق، المرجع السابق، ص63 -64.
ويتضح من التقرير الذي قدمة الامير للعقيد الاسرائيلي عوزي نركيس، أن تركيا أحبطت امكانية التوصل الى نهاية إيجابية مع الايرانيين، فقد حذر الاتراك الايرانيين بقولهم:” أنتم تلعبون بالنار، لا تمنحوا الاكراد شيئاً، مما جعلهم يتراجعون عن الاتفاق”، وفي هذا إشارة الى المباحثات التي أجراها الامير بدرخان مع الشاه الايراني محمد رضا بهلوي وقائد السافاك (تيمور بختياري) في حقبة سابقة بشأن منح بعض الحقوق الثقافية لكرد ايران، خوفاً من وصول المد القومي الى إيران، الذي كان واضحاً في كردستان العراق، لا سيما بعد اعتراف الدستور العراقي في المادة الثانية بالكرد كشركاء للعرب في العراق، وعودة الزعيم الكردي البارزاني من الاتحاد السوفييتي.
ويعترف الملحق العسكري الاسرائيلي، أن اسرائيل تواحه أزمة، ففي كفة الميزان الاولى هناك علاقاتها مع تركيا التي تشكل حجر الاساس في الحبهة الامريكية المناوئة للسوفييت، وكذلك علاقاتها مع ايرات التي تكتسب أهمية كبرى، رغم انها على حافة الهاوية جراء الفساد الداخلي، وفي كفة الميزان الثانية هناك أحد عشر مليون كردي، والذين إذا ما توفرت لديهم رغية حقيقية واتخذوا من اسرائيل قدوة لهم؛ فسوف يصلون الى شىء ما وفق وجهة نظره.
وفي الاخير أوصى نركيس حكومته بأن تواصل دعمها لبدرخان سراً وبهدوء وحذر، والعمل بصورة جدية على لفت انتباه أمريكا للقضية الكردية عامة، ولوضع كرد تركيا خاصة.
ومن جانب آخر فقد طلب وولتر إيتان[( 1910-2001م)، رئيس الوفد الإسرائيلي في مفاوضات الهدنة في رودس في شهر شباط/ فبراير عام 1949م، والمدير العام في وزارة الخارجية الاسرائيلية في 1948-1959م، وسفير إسرائيل إلى فرنسا في 1959-1970م] من السفيرالاسرائيلي في واشنطن أبا إيبان[(1915-2002م)، نائب رئيس الوزراء 1963-1966م، وزير الخارجية 1966-1974م، عضو الكنيست لعدة دورات انتخابية] في ربيع 1959م أن يحصل من الحكومة الامريكية ووكالة المخابرات المركزية الامريكية (السي، آي، إي) على معلومات حول الملا مصطفى البارزاني ونواياه، وفي التاسع من أيار/ مايس عام1959م، بعث أبا ايبان رده الذي أكد فيه شكوكاً اسرائيليةً، تقول أن بالامكان تسمية مصطفى البارزاني باسم (البارزاني الاحمر).
وكتب أبا إيبان في رسالته:” دون شك فإن البرزاني هو عميل سوفيياتي، وقاسم يضعه رئيساً على الاكراد، رغم عدم رغبتهم فيه، ورغم المخاوف التي تثيرها هذه الخطوة في تركيا وإيران، ولا يوجد لدينا أي سبب يجعلنا نتمنى النجاح لمثل هذه المؤامرة، كما أنه ليس بمقدورنا أن نؤثر هذا الجانب او ذاك، بالنسبة للمشكلة الكردية. إن الخطر الذي قد نتعرض له جراء (الهلال الخصيب) كان إيبان يقصد بالهلال الخصيب العراق وسورية ولبنان. والتي كانت تمني نفسهل بالوحة العربية فيما بينها وضم ( أرض اسرائيل إليه) “.
كان البارزاني يواجه مشاكل عويصة جداً، على الصعيد الداخلي. فمعارضوه الاكراد كانوا يديرون حرباً ضده. يقول سفير إيران في أنقرة، لنظيره الاسرائيلي مردخاي الون:” منذ الحرب التي أشعلها الاكراد ضد سيطرة البرزاني، انتقل منهم سبعة عشر الف نسمة الى إيران، وثلاثة الاف الى تركيا، لقد انتهت الحرب بانتصار البرزاني، إن الانتصار الذي أحرزه هو في حقيقة الأمر انتصار للشيوعية”.
وقد أشار الى هذه الحوادث السيد مسعود البارزاني بقوله:” أول من تضررت مصالحهم بقيام ثورة 14 تموز هم الأغوات والاقطاعيون في كردستان، فلقد كانوا في العهد الملكي يستغلون الفلاحين دون رادع، بينما إندثرت سلطتهم أو كادت تندثر بعد ثورة تموز سيما في السنة الاولى، لذلك حاولت هذه الطبقة (طبقة الاقطاعيين) الوقوف بوجه تنفيذ قانون الاصلاح الزراعي بشتى الوسائل”. ينظر: البارزاني والحركة التحررية الكردية، دار كاوا، بيروت، 1997م، ج2، ص90.
ومن جانب تطرق السيد مسعود البارزاني الى بيان أسماء هذه العشائر المناوئة للبارزانيين بالقول:” في نهاية العام 1959 وبداية العام1960 بدأ الفتور يخيم على علاقة عبدالكريم والبارزاني، وأعطى عبدالكريم صلاحيات استثنائية الى بدر الدين علي محافظ أربيل وإسماعيل عباوي مدير شرطة الموصل، تحت ذريعة استعادة الامن والإستقرار في مناطق المحافظتين، وكان واضحاً أن هذين الموظفين منحازان الى جانب أعداء البارزانيين إنحيازاً تاماً، وباشر بتسليح العشائر المجاورة لبارزان كالزيباريين والبرادوستيين والسورجيين والريكانيين…”. ينظر: البارزاني والحركة التحررية الكردية، ج2، ص98.
كانت تلك تقديرات الاسرائيليين، فقد فضل يوسيف هداس أحد مسؤولي شعبة الشرق الاوسط في وزارة الخارجية، وصف البرزاني بالزعيم الكردي الموالي للسوفييت، وأنه يطمع لجعل كردستان مستقلة.
ويقول المستشرق الاسرائيلي الدكتور يعقوب شمعوني ( كان يشغل منصب نائب مدير قسم الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الإسرائيلية الذي كان يتولاه إلياهو ساسون)، أنه رغم الدعم والتأييد الذين يقدمانها الاتحاد السوفياتي الى الاكراد؛ إلا أنه حرص على عدم اطلاق التصريحات على علاقاته مع العراق. ومن الجدير بالذكر أن الاتحاد السوفياتي أوقف فيما بعد دعمه المادي للاكراد.
وفي التاسع من حزيران عام1959م كتب هدس رسالة الى الممثل الاسرائيلي في تركيا قال فيها:” إن عبدالكريم قاسم. لم يقدم أية مساعدات للاكراد بشأن كردستان المستقلة، والبرزاني يدرك ذلك تماماً، وقد سلم به، وجل ما يأمله هو أن يفي قاسم بالتزاماته بشأن احترام حقوق الاكراد، ومنحهم حكماً ذاتياً”.
وفي المؤتمر السري لجمعية للطلبة الاكراد في اوروبا والذي عقد في فيينا ما بين 23-25 من شهر تموز/ يوليو عام1959م، قريء على الحضور رسالة بعث بها البارزاني، ووصف نفسه بالجندي المخلص لعبدالكريم قاسم، والذي يناضل بالتعاون معه جل انشاء جمهورية العرب والكرد. وقد دعا المؤتمر نفسه الزعماء: السوريين والايرانيين والاتراك للسير وراء عبدالكريم قاسم، واتاحة الفرصة للاكراد الذين يعيشون على أراضيها لتقرير مصيرهم بأنفسهم.
لقد قدم بن ديفيد(= الاسم المستعار لشاؤول أبيجور- رجل المهمات السرية الخاصة) الى هذا المؤتمر، لسحب الامير بدرخان منه، وكان يعلم بأنه عاد من مقابلة البارزاني في بغداد، وأن البارزاني أعلمه بأن الاسرائيليين على استعداد لتزويد الاكراد بمحطة ارسال ومساعدات طبية، وأنه غاضب جداً لأن الاسرائيليين أنفسهم لم يقولوا له ذلك بأنفسهم. وقدد برر بن ديفيد ذلك بالقول:” أن هناك العديد من الاسباب التي تستوجب العمل مع عدة جهات، وعدة محاور، وقرر مكافأة الامير بدرخان بترتيب لقاء له مع وزيرة الخارجية كولدا مائير، التي كانت تقوم بجولة في أوروبا تعرج خلالها على تسيريخ (= زيوريخ)، لم تكن العملية سهلة لأن الطلبة الكرد كانوا يحافظون على أقصى درجات السرية بالنسبة لمكان الاجتماع في العاصمة النمساوية، لكن بن ديفيد جند أحد معارفه من جهاز الامن العام الاسرائيلي وقد عثر الاثنان على مبتغاهما، بعد سلسلة طويلة من التنقل والبحث. وفي نفس الليلة اجتمع بن ديفيد وبدرخان في أحد مقاهي فيينا، وفي صبيحة اليوم التالي سافرا معاً في طائرة واحدة كل واحد على حدة الى تسيريخ (= زيوريخ) في سويسرا. ينظر، المرجع السابق، ص66.
ومن الجدير بالذكر أن جمعية الطلبة الاكراد في أوروبا تأسست في 10/16/1956م، في مدينة فيزبادن الألمانية الغربية، عندما اجتمع سبعة عشر طالباً كردياً من الموجودين في أوربا الغربية وقرروا تكوين جمعية ثقافية للطلبة الأكراد في أوربا وهي امتداد لجمعية الطلبة الأكراد في أوربا تحت (اسم جمعية الدارسين الكرد في أوربا التي تأسست عام 1949م، وعقد اجتماع أولي من قبل الطلبة: نورالدين زازا، وعصمت شريف وانلي، وعبدالله قادر، وشوكت عقراوي ، على أن تكون أهدافهم ثقافية بحتة بعيدة عن السياسة)، وان الطلاب الذين كان لهم دور كبير في هذا المجال هم: الدكتور نورالدين زازا، وعصمت شريف وانلي، وسعدي أمين دزه يي، وتحسين محمد أمين هورامي، وكان هدفهم عقد المؤتمرات ونشر الثقافة وأحياء المناسبات الوطنية مثل مناسبة عيد نوروز والقيام بالحفلات وتقديم المساعدات للطلبة، وإضافة إلى كل ذلك أصدروا مجلة باسم كردستان وصدر العدد الأول منها عام 1958م في إنكلترا شارك فيها كل من: عمر رمزي، وصلاح سعدالله، وفؤاد صالح ره ش، وزاهر حسين، وكمال فؤاد، وفي المؤتمر الثالث الذي انقد بين بين4 ـ8/8/1958م في مدينة(ميونيخ) والذي اشترك فيه سبعة عشر طالباً من الدارسين في إنكلترا وألمانيا الغربية وسويسرا، وصدر قرار بتغير اسم الجمعية من (الجمعية الثقافية للطلبة الأكراد في أوربا) إلى(جمعية الطلبة الأكراد في أوربا)، وتم تكليف الأمير الدكتور كاميران بدرخان بتأليف قاموس كردي مع إحدى اللغات الأوربية.