الأمن مسألة حساسة ومهمة وفوق جميع الاعتبارات الأخرى في واقع جميع الدول العظمى أو النامية ولا يمكن أن تكون مسألة عادية، ولذلك نسب إليها بقية جوانب الحياة ومتعلقاتها الاخرى من ضروريات، فقيل الامن الغذائي والامن الاقتصادي والامن الأجتماعي والامن التقني والامن البيئي والامن الدبلوماسي وهكذا. ولما للامن من أهمية عظمى، فبات من الواجب إن يكون له متخصصين يشرفون على وضع الخطط لانجاحه ورسم صورة واضحة لتنفيذ تلك الخطط ونقلها عبر مدخلات خاصة وقد تكون متعددة لتصبح جاهزة عند تطبيقها بمخرجات ثابتة على أرض الواقع، لانها تؤثر حتما فيه تأثيرا بالغا فتغير مجرى الامور نحو الافضل او للاسوأ.
وفي هذا السياق، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتدخل السياسي أو رجال الدولة في المؤسسات التشريعية والسيادية بعمل المتخصصين في المجال الأمني أو أن يقوموا برسم خريطة لعملهم، سواءا في مرحلة التخطيط أو التنفيذ، ويمكن فقط مناقشتهم أو محاسبتهم عند حصول اي تقصير او فشل ما. أما في مسألة الأمن في عراقنا، فهي لاتخضع لنظرية في هذا المجال ولا تحاكي عبقرية فرضت نفسها في تأريخ الأمم، بل الى مزاجيات واجتهادات هذا السياسي أو ذاك. ولذلك نرى تعثرا كبيرا في القضاء على الفوضى التي دمرت الأمن في البلاد، وأحالت العراق الى واقع متخلف سيبقى آثار الدمار فيه الى عشرات الاجيال. أتذكر يوم من الايام في اول حكومة ترأسها السيد نوري المالكي، وكان من بين الوزراء المهنيَين السيد محمد توفيق علاوي الذي رُشح قبل سنة ونيف، ليترأس حكومة بدلا عن الحكومة التي قدم استقالتها السيد عادل عبدالمهدي، وقد قدم مشروعا لحفظ الامن في العراق أمام رئيس مجلس الوزراء، تشرف عليه شركة أمنية فرنسية، وكان عبارة عن نصب كاميرات مراقبة في جميع شوارع بغداد وبقية المدن العراقية الأخرى، إلا أنه وَوجهَ بالرفض من قبل رئيس مجلس الوزراء الذي كان يفكر في كيفية استغلال حتى الامن لصالح بقاءه فترة اطول بالحكم، وفعلا قام بنصب الآلاف من السيطرات ليعيَن فيها مليون شرطي يقومون بإنتخابه في أي انتخابات عامة. نسمع هذه الأيام بعمليات قصف تطال المنطقة المحيطة في المطار الوحيد في بغداد و للمنطقة الخضراء، وهذه الاعمال تضر كثيرا بسمعة الدولة العراقية، بل تهينها لأن المطار وامنه يبقى مسألة مهمة والإخلال فيه اذا ما تعرض للتهديد يصبح عبئاً كبيرا، فهو شريان الحياة للبلد، وموقع مدني يقصده العراقيون للتوجه بالسفر الى الخارج او ضيوف العراق من القادمين إليه من مختلف دول العالم. الحل ليس بالاستنكار والشجب والوقوف كالمتفرجين، ولنكن واقعيين، ونبسط تحليل الامور، فالذي يقصف المطار لاتهمه سمعة العراق أو امنه، وعليه يجب على الحكومة التي خولها البرلمان بقراره الذي كان لابد أن يكون قانونا ملزما، أن تتقدم بطلب لانسحاب القوات الامريكية المتواجدة في المطار، أو تغيير مكان تواجدها في اضعف الايمان بعيداً عن نطاق منطقة المطار، لكي لاتعطي الحكومة مبرراً لتلك المجاميع التي تقصف المطار في تكرار عملها المرفوض قطعاً، وإنْ تكرر بعد انسحاب القوات الامريكية فعلى الحكومة ان تعاقب المتورطين بالتفريط بأمن البلد بأشد العقوبات لتحفظ أمن واستقرار العراق.