بالرغم من أهميته في حياة المجتمع ، وهو من يسهم في أمنه وإستقراره ، لكن مفهوم الأمن الوطني لم يجد هذا الإهتمام من قبل المعنيين بشؤون التربية والتعليم، منذ سنوات طوال ، وليس هناك تفكير جدي من أجل التفكير فعليا بإدخال مادة الأمن الوطني ، كإحدى المواد التي نتمنى أن تنال الإهتمام الذي يستحق ، كي تدرس كمادة في مرحلتي الاعدادية والجامعات، إنطلاقا من مفهوم ونظرية مؤداها : أن ” الأمن الوطني مسؤولية الجميع”.
ومفهوم ” الأمن الوطني” ليس إستنساخا لدرس ” التربية الوطنية” الذي كان شائعا قبل عقود، وإن كانت لهذه المادة أهميتها ودورها الكبير في التربية الوطنية، إلا أن التعددية السياسية ، وتطور مفاهيم العصر، ألغت كثيرا من مفاهيم الوطنية في أيام زمان، وأصبحت لها مفاهيم إجتماعية أكثر تطورا، وما نسعى اليه هو ثقافة ” أمن وطني” يسهم فيه أبناء المجتمع والأجيال المقبلة ليكون لديهم ثقافة وإلمام به، لا أن يبقى تناوله ” شبحا” يرعب الآخرين، وكأن “الأمن” يقترن بمفهوم ” التجسس” على الآخرين او كتابة التقارير التي كانت تسبب متاعب لكثير من أبناء المجتمع في سنوات خلت، وإستمرت بعض مفاهيمه الخاطئة ، في مرحلة التعددية السياسية، لتتخذ منه بعض القوى أجندة لخدمة توجهاتها هي، وليس إسهامة وطنية تقدم خدمة للجميع.
إن لدى المجتمع بصورة عامة نفور من مفهوم “الأمن” ، ويجده الكثيرون أنه يدخل في مجالات “التجسس” على حياة الأفراد والمجتمعات، بالرغم من أن مفهوم الأمن الوطني ، مفهوم شامل ويدخل في جانب الإهتمام بالوازع الوطني والولاء الوطني، من أجل تعريف المجتمع والأجيال بمفهوم الأمن الوطني والقومي ، وانه يهم حياتهم وحياة أجيالهم من التهديدات التي يتعرضون لها، وهو موضوع دفاعي عن القيم والأعراف ومفهوم المواطنة، وليس لأغراض التجسس على الآخرين ، أو إستهدافهم، الا بالقدر الذي يحفظ أمن الدولة وأمن مواطنيها ، مما تواجهه من حالات تآمر وتحديات، تتطلب تكاتف كل أبناء المجتمع للمشاركة في هذا الجهد الوطني البناء.
وبإمكان ضباط محترفين في وزارة الداخلية ومستشارية الأمن الوطني وحتى جهاز المخابرات وباحثين محترفين ، الإشتراك في تلك الحملة ، بإلقاء محاضرات مختصرة عن بعض المهام الامنية المبسطة ، في مراحلها الأولى قبل أن يتم إعداد مناهج وكتب لحين توفرها في مستقل قريب.
وتقوم وزارة الداخلية ، ومن خلال اللواء الدكتور سعد معن مدير العلاقات والإعلام بالوزارة وضباط آخرين متمرسين ، بعرض محاضرات عن بعض تلك المهام في المدارس والكليات ، وبخاصة عن موضوع الشائعات والحرب النفسية وأضرار ومخاطر المخدارات على المجتمع والشباب بوجه خاص ، وأساليب الإستهداف الألكتروني الشائعة حاليا ، والجرائم التي ترافقها، وتتسبب بتعريض حياة شباب وشابات للتهديدات الواسعة النطاق ، التي يتم الإعلان عنها بين فترة وأخرى ، للتثقيف بمخاطر تلك الحالات، وما تتركه من آثار خطيرة على كثير من العوائل العراقية هذه الأيام، وهو ما نبغيه في عرض هذا الموضوع ضمن إستعراضنا لهذا الموضوع الحيوي والمهم.
ولا يشترط أن تدخل مادة الأمن الوطني في الإمتحانات النهائية ، بل في الفصلية لأغراض معرفة إستيعاب الطلبة لمفهومها ، وإجادتهم لعلوم الأمن الوطني ومتطلبات أنشطته، لكي يكون بمقدور أي مواطن بشكل عام والشباب بشكل خاص أن تكون لهم مشاركة في حماية أمن البلد ومؤسساته ومواطنيه، وهذا هو الهدف من التعريف بأنشطته وأهدافه، ولن يكون بتدريسه أي ضرر ، كونه لايتعلق بمفهوم حزب أو حركة سياسية بعينها، بل أنه مهمة وطنية شعبية ، يشترك فيها كل مواطن غيور في أن يكون له دور في حماية الوطن، وحماية نفسه قبل غيره، فهو ، أي المواطن، معرض هو الآخر لتهديدات كثيرة، وهو إن أحسن إستيعاب مفاهيم الأمن الوطني سوف تقلل كثيرا من تأثيرات من يستهدفه، عندما يمتلك القدرة والحصانة على مجابهة التحديات، أيا كانت، فردية أو جماعية ، ويكون المواطن في كل الأحوال هو المستفيد الأكبر من أن يكون لديه إلمام بهذا المفهوم الحيوي، الذي بقي لسنوات طوال يقتصر على العاملين في أجهزة الأمن الوطني ، ولم يتم تعميم تجربته، ليكون مجالا للفائدة لأغراض الدفاع الوطني ومجابهة التحديات المختلفة.
ومن الدروس أو المواد التي يمكن أن تدخل ضمن مادة الأمن الوطني في مرحلتي الاعدادية والجامعات ، هي تعريفات مبسطة بمفهوم الأمن الوطني، وأشكال تهديدات الأمن الوطني والقومي والتحديات التي تواجه المجتمع والبلد، وكيف يكون بإمكان المواطن الإسهام فيها، لتقليل الضرر الى حدوده الدنيا ، أو ردع الجهة أو الجهات التي تنوي القيام بعمليات تخريب أو إساءة للمجتمع ولقوانينه وأنظمته وأعرافه وقيمه العليا، والإبلاغ عن الحالات التي تسبب الضرر للعوائل ولمؤسسات الدولة وللمجتمع عموما..
وينبغي أن يدرك كل مواطن أو حتى نخب مثقفة، أن من يمتلك ثقافة أمنية يكون محصنا من أن يتعرض لأية محاولات ممن يسيئون للأفراد وللمجتمع، ويعرف كيف يواجههم أو كيف يتجنب شرور الإنغماس في أعمالهم الإجرامية والسلوكيات الضارة بالأمن المجتمعي، وبخاصة في حالات الإنقياد وراء مظاهر المخدرات والسرقة وعمليات التخريب الاقتصادي والتقني والجرائم الألكترونية التي إتسع نطاقها هذه الأيام، وبخاصة للفتيات ، والعمل على وأدها قبل أن تبلغ مدياتها الخطيرة على المجتمع عموما وعلى العائلة بوجه خاص.
وأنواع الأمن: سياسي وأمني وإقتصادي ومجتمعي وأمن عام ، وهي تدخل ضمن مهام مدرسي مواد الإجتماعيات والدروس الإنسانية ، كونها الأقرب الى إختصاصاتهم، ليكون بمقدورهم نقل تجارب بسيطة عن الأمن الوطني الى مدارك الطلبة ، لتكون لهم وللمجتمع معينا لأجهزة الدولة في الإسهام في الدفاع عن حياض الوطن، وليس لأغراض الدفاع عن طائفة أو مذهب أو قومية، بل أمن وطني عراقي أصيل، يشارك فيه الجميع، إنطلاقا من مفهوم أن ” الأمن الوطني مسؤولية الجميع” ..آملين أن تجد مقترحاتنا هذه الإستجابة من وزارات التربية والتعليم العالي والجهات الأمنية ذات الصلة بالموضوع لتكون سياقا مستقبليا يخدم توجهات الأمن الوطني والقومي ، ونسهم بالتالي في خلق ثقافة أمنية مجتمعية شاملة ..والله الموفق.