في عام 2008 كنت ممثلا لرئاسة الجمهورية في اجتماعات خطة فرض القانون والتي كان يرؤسها آنذاك المالكي ويحضرها كل الوزراء المعنيين والقادة العسكريين وسفراء الدول الكبرى وكبار القادة الأمريكان وغيرهم من قيادات البلد السياسية وكنا نستمع ونناقش أسبوعيا الخطط الأمنية الكفيلة بإنهاء الحالة المتردية للأمن وخاصة في بغداد..
لماذا لم تستطع أي حكومة منذ 2003 وحتى اليوم أن تضبط الأمن في العراق عموما وفي بغداد خصوصا؟.
ولنناقش هذا التساؤل بهدوء وروية رغم الغضب الكامن فينا تجاه من كان سببا في هذا القتل اليومي والترويع المستمر لأبناء شعبنا المكلوم..
أولا.. صرفت هذه الحكومات على المؤسسات الأمنية مالايقل عن 250 مليار دولار فقد كانت حصة الأسد دائما في الموازنة لوزارتي الدفاع والداخلية والمؤسسات الأمنية الأخرى..ومن الواضح جدا اليوم أن هذه الأموال لم تستطع حتى أن تهيء منظومة أمنية حقيقية لكشف السيارات المفخخة وغيرها وهي أيضا لم تبن لنا جهازا استخباريا يعتمد المهنية والتكنلوجيا الحديثة في رصد الأخطار والوقاية منها..ناهيك عن بناء المنظومة الأمنية والدفاعية كلها..
ثانيا.. اذا كان المال متوفرا فإن الرجال في هذه الأجهزة الأمنية يتجاوزون المليون عنصرا أمنيا مما يعني أن كل 35 عراقيا بينهم عنصر أمني.. وهو عدد ليس موجودا بنسبته في كل الأمم ..ولكننا مع هذا العدد من الرجال لم نستطع أن نبني أجهزة أمنية ملتزمة وكفوءة فكان الفضائيون الذين تحدث عن قسم منهم السيد العبادي وسيلة للتندر والسخرية ولم تظهر لنا بعدها الحقيقة..
ثالثا.. العدة والتجهيزات والتسليح كانت على أعلى المستويات وكانت من مختلف المناشئ وكانت تصرف أموال هائلة على هذه الصفقات برغم الفساد الذي يزكم الأنوف في عقودها والذي افتضح قسما منه في الإعلام ثم خبا وضاع ذكره..
رابعا.. التدريب واكتساب الخبرات من الدول الكبرى وخاصة الأمريكان والبريطانيين الذين مافتئا يتكلمون عن قواتهم التي مهمتها تدريب القوات الأمنية في العراق..ولكن تدريبهم فشل في إيجاد نخبة تسهم في كشف الخلايا التي تفجر وتغتال ..
خامسا..تعدد الخطط الأمنية وتضخم السيطرات سواء داخل المدينة أو في مداخلها أو على الطرق الخارجية.. وهذه الخطط العقيمة كانت دوما تجد أعذارها بعد كل خرق أمني ..وهي في الوقت نفسه تقوم بعد كل عملية انتحارية إرهابية باعتقالات تعسفية أو وهمية نتيجتها الاف المظلومين في السجون يخرجون بعد حين لعدم وجود الأدلة ..وأما السيطرات فلم تكن يوما الا طبقا من ذهب لكل إرهابي يحاول أن يجد أكبر قدر ممكن من السيارات والأهالي لتفجيرها وهي فضلا عن إخفاقها للمهمة التي كلفت بها أعطت لنفسها مهام أخرى خارج صلاحياتها ناهيك عن خلق الزحامات وتشويه الطرق وتأخير الناس..
لانريد أن نتكلم عن المنظومة الأمنية كأفراد ففيهم الأبطال المضحون والذين يحبون شعبهم ووطنهم فجسدوا في أمثلة كثيرة وكبيرة صورا وقصصا عظيمة لتضحياتهم وهؤلاء هم أفضل منا حتما والذين كانوا أيضا ضحية لنظام أمني مخترق ومتهرئ ويكتنف بعض قادته الأمنيين ورموزه فسادا وسوء إدارة وقلة خبرة ونزوعا غير وطني وولاء حزبيا وهؤلاء لاغيرهم هم سبب البلوى وأس البلاء الذين سالت بسببهم دماء أبنائنا وفلذات أكبادنا ودمرت مدننا وروع أهلنا الآمنون وقاموا بعقد الصفقات المشبوهة لنهب أموالنا وبناء قصورهم وتقديم الرشى لأحزابهم المتغولة في السلطة أو لمريدهم وقادتهم السياسيين الذي أوصلوهم لمناصبهم الكبرى ..هؤلاء هم السبب الرئيس في أمننا المفقود..فهل من ثورة ضد هؤلاء الفاسدين ؟!