لقد اختلف مفهوم الامن عن سابقه في مضمونه وطبيعة ادواته وخصائصه ومحدداته الزمانية والمكانية، فلم يعد يقتصر على الوسائل المادية في تنفيذ مهامه، لان الثورة المعلوماتية انتجت عالم افتراضي مغاير للعالم الواقعي، يعمل بالبيانات الرقمية الافتراضية، ويتطلب امناً تقنياً يعتمد على برامجيات الكترونية يمكن تسميته بالامن السيبراني (الالكتروني) الذي يستند على مجموعة من البرامج التقنية التي تقوم على توفير شبكة حماية افتراضية للبيانات، وذلك للحد من الهجمات الالكترونية التي تتعرض لها.
اما عن الاسباب التي دعت الى الاتجاه الى العالم الافتراضي بشكلٍ كبير من قبل الدول والمؤسسات والافراد مع وجود هذا التحدي الامني، فيعود الى انه استطاع اختزال الكثير من انشطة العالمي الواقعي من خلال انظمة الكترونية تقوم على الاتصال وتوفير ونقل المعلومات بشكل سريع وسهل ودقيق، وهذا ما جعل العالم في حالة تقارب وتفاعل مستمر في مختلف المجلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وجراء ذلك الدور الذي يقوم به هذا العالم اتجهت الدول الى وضع الضوابط والمحددات لاستخداماته، وانشأت المؤسسات المعنية على متابعته، والا من دون ذلك تحول العالم الى فوضى بسبب سوء استخداماته المتمثلة في عمليات التجسس او السرقة للدول والمؤسسات المالية والعلمية وعمليات الابتزاز وغيرهاً، وكذلك للحد من جعله ساحة للصراع بين الدول او المؤسسات في تخريب اقتصاديات وامن بعضها.
وفي السياق ذاته نلاحظ ان العراق بدأ يحذو حذوه بأتجاه مواكبة ذلك، الا انه مال زال يعاني الكثير من التحديات التي تقف امامه في ترصين عمله في هذا المجال، ابرزها عدم تشريع قانون ينظم عملية استخدام الشبكة الالكترونية لوضع الاليات والمعالجات المناسبة للخروقات التي تهدد امن واستقرار البلد، ولم يقدم على انشاء مؤسسة مستقلة ومختصة تقوم بواجبات ذلك الامن، وان هذا التحدي سيظهر بشكلٍ كبير في انتخابات عام (2021) ويكاد ان يكون التحدي الابرز من بين تحديات اخرى اذا لم يأخذ على محل الجد، كون عملية التصويت الانتخابي ستعتمد على الحوكمة الالكترونية في اغلب تفاصيلها وهو ما يجعلها عرضة للهجوم السيبراني، ولا سيما في المفصلية المتعلقة بأرسال النتائج بواسطة الوسط الناقل (VSAT) من مراكز الاقتراع الى المكتب الوطني في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، والذي سيكون عن طريق الاقمار الصناعية وليس عن طريق الانترنت وذلك لحمايتها من الهجوم السيبراني، الا ان ذلك لا يمنع من تعرضها الى الهجوم السيبراني من اصحاب المصلحة في سبيل تغيير نتائج التصويت لصالح جهة معينة، الامر الذي يؤدي الى تزوير العملية الانتخابية، مما يتطلب من الجهات المسؤولة عن ذلك الامر والمتمثلة بمفوضية الانتخابات وجهاز الامن الوطني تهيئة المستلزمات الكافية في الحد من اي هجوم الكتروني يقوم على تغيير نتائج الانتخابات، ولا سيما في ظل التقدم العلمي في مجال الهجمات السيبرانية، فان الامر يتطلب تهيئة البنى التحية المطلوبة من الحواسيب والبرامجيات المسؤولة عن منع اي اختراق الكتروني للنتائج، فضلاً عن الكوادر المؤهلة، وبما ان العراق يعاني من حداثة التجربة في التعاطي مع هذا النوع من الامن، فلابد من الاستعانة بالخبرات الدولية سواء كانت بالتقنية البرامجية او الكوادر الفنية للحد من اي هجوم الكتروني تتعرض له النتائج في هذا المجال من اجل الحفاظ على نزاهة وشفافية العملية الانتخابية.
وبذلك يبقى هذا التحدي قائماً في العراق اذا ما اخذ بنظر الاعتبار، مما يستلزم تأسيس مراكز بحثية وورش عمل مستمرة تساهم في تقديم الدراسات والتوصيات للجهات المعنية، ومواكبة عالم البرامجيات في سبيل تطوير القدرات العاملة في هذا المجال وتخصيص المبالغ المالية الكافية لسداد تكاليفه، وذلك من اجل الحفاظ على امن البلاد من الهجمات الالكترونية.