18 ديسمبر، 2024 6:16 م

الأمــــــــــــــــــانة

الأمــــــــــــــــــانة

الأمانة سلوك:
هي تعبير سلوكي منبثق عن الشخصية أي العقلية والنفسية في الأنسان الأمين، وقد تكون معبرة عن وسيلة لجذب الثقة وهي مطلب النفعية والمصلحة، وان كانت الأمانة لهذا الغرض فلا يعني أنها سلبية بل هي تدل على تطور مدني وسيادة القانون في الدولة الحديثة التي لا تأخذ السلوك كقيم أخلاقية تعتمد على مدى رسوخ القيمة عند الفرد وفهمه وإنما تضعها وفق معايير النفعية في خلق نمط في المعاملات التي لابد أن تكون الثقة سمة من سمات الاستقرار والمعاملات المريحة، إن لم تك مخلصا في عملك أمينا، لا تغش في بضاعتك وإنما تخبر الزبون بنوعيتها وان لم تك من النوعية الجيدة، فان الزبائن سيشعرون بان التاجر هذا أو البائع غشهم وليس له مصداقية فيبتعدون عنه وهذ يسبب خلل في النمط الحياتي.
نلاحظ أن الأمانة هنا سلوك، ربما ضعف في مجتمعنا الذي لا تعمل به الدولة الحديثة مع ضعف القيم وتشويه العقائد وتبديد الهوية نتيجة صراع الأطماع وتجهيل الناس لتمرير مخططات من التخلف واحتقار الآدمية.
سطحية الفهم:
في منظومة تنمية التخلف التي نعيش فيها ونشكل بيئتها ننظر إلى الأمور بسطحية، تعجبنا كلمة ليبرالية، فنزعم إننا ليبراليون لكن الحقيقة إننا مستبدون نرفض الآخر وان الكلمة محض حاوية عليها عنوان لكن فارغة، تحولت الأفكار التي نستوردها إلى عناوين لا محتوى لها ولا فهم حتى لمعناها الحقيقي لكن نجد اغلب زاعميها نموذجا يمثل الهزيمة والجهل في مجتمع يتكبرون عليه للتيه وعنفوان الأنانية، الليبرالية والعلمانية وغيرها في الغرب ليست قيم أخلاقية وإنما آليات لإدارة الدولة الحديثة والناس وفيها اجتهادات لكن لابد أن تكون النتيجة تطبيق القانون واتباع اللوائح في العلاقات لتكون الحياة أو نمط الحياة المستقرة التي يعيشها الناس فهم يعتنقون الليبرالية ليس ليضحوا من أجلها ولا العلمانية، وإنما هم يدافعون عن نمط حياتهم لهذا ترى تراجع الحريات عندما تكون قوانينها تحمي من يؤثر على نمط الحياة فيقيد ويهجر ويوصف بأوصاف بها خطورة وانطباع خوف كالإرعاب وغيرها، أو توجه لتسيس الدين (إضافة صبغة دينية على دعواهم وما يبرر أفعالهم) كالإنجيليين الجدد، لكن هنالك ما هو خطر أيضا ومختلف عليه مثل الليبرالية الحديثة التي تزيد من تفكك النظام وتضرب اهم ما فيه وهو سيادة القانون والاستقرار وتزيد التفكك الأسري الهش أصلا وتعظم من تفاهة الحياة.
آليات بلا اطر:
وجدنا جميلا أن نسلك أسلوب التجارة والتوصيل، والمطاعم مثلا قدمت نموذجا ناجحا نوعا ما لكن ليس متكاملا، فهو يعمل ضمن سيطرته على الأمور ولا يعتني بتدريب نفسه وعماله على نوع من الالتزام، ناهيك إن استغلت مجهولية المكان، في مخاطبة الحاجات لبلا علمية، كإرسال أدوية مزعومة لا تدري كم ضررها، أو انك ترى صورة لنظارات ما مثلا، وعندما تأتيك ويكون من أوصلها قد غادر تجد أنها ليست بذات المواصفات بل امر لا تستفيد منه، فهذا النوع من الغش ليس من آليات تضبطه وغالبا الناس تسكت عنه، فلا حصلنا القيم ولا حصلنا الدولة الحديثة، عندما تتعامل بيئة منظومة تنمية التخلف مع المدنية وهي لا وسائل لها قانونية أو تقنية أو إدارية كما في الغرب الذي بناها عبر قرون ومازال يعاني نتيجة التقلبات، فإننا سنجد إن التقنيات والوسائل المتطورة كالتواصل الاجتماعي أو المجتمعي عبرة عن لهو وبذاءة ومشاحنات والتشهير ونقل القمع بدل الحرية في فضاء وهمي، وليس لما أنشئ له كحاجة عند الغرب لتقليل اثر البعد وانشغال حياة الإنسان بالعمل لتحصيل رزقه، أو الاستفادة منها لتطوير الأعمال الصغيرة والترويج.
الأمانة مغنم:
المتولي لأمر الناس يستلم أمانة ولعل التراث يخبرنا كيف يهرب الورعين من تقلد الأمانة خوف ألّا يفون بحقها، ونجد في عصرنا الحالي مباركة لمن يوضع في هذا الاختبار وترشيح للذات لها وصراع عليها والغاية ليست الخدمة العامة غالبا والا لتقدمت الإنسانية وتطورت البشرية، واصطلح حال الناس بالإنتاج والإعمار، تجد بدل هذا ترصد لأخطاء ثم التشهير بها والمساومة على السكوت عليها وهنا نجد الخيانة المركبة للأمانة والتي يعتبرها البعض شطارة بينما هي لا يقبلها حتى عصر الجاهلية.
الأمانة عند المدرس أكبرها، والدروس الخصوصية لنفس طلابه إخلال بالأمانة، والطبيب، المهندس، الإداري في كل مكان، السعي للتطوير أمانة وترك المواطن في أذى للكرامة والوقت والحيرة خيانة للأمانة.
الأمانة في الكلمة والرأي والحكم على الرأي الآخر وعلى العلم وتطويره، ووضع الكفاءات موضعها من أكبر الأمانات لان إهمال الكفاءات أو تبديد جهدها بغير موضعها دمار ونخر في الدولة والمجتمع والمستقبل للبلد وأجياله.
الأمانة في التصرف بما لك حق فيه سواء كان سياسيا أو اقتصاديا، وكل قرار تتخذه وتؤثر به على المجتمع وأنت لا تحرص على ضبطه، ليس من الأمانة إبعاد الصالح وتقديم الطالح، فهذا مدخل إلى فساد المنظومات وإحباط الكفاءات وظلم الناس خيانة للإنسانية والمسؤولية التي أعطت الصلاحية.
الأمانة مع الذات:
لعل هذه من اهم مواطن السلوك الأمين، فالنفس معرضة لحاجات وغرائز، وتحتاج إلى معرفة وغربلة للمعرفة فالأمانة بالسلوك مع الذات ألا نخادع الناس ولا أنفسنا وإنما نتحرى الصواب، وان لا نبقي النفس في طفولتها أو تائهة فالمعلومة هي من ترتقي بعمر النفس والغربلة هي من تصوب الطريق وتحددها فلا يتيه الإنسان