يبدو أن واشنطن أستوعبت الدرس متأخرا وقررت تصحيح الأخطاء في العراق من بوابة مصالحها بعيدا عن مناكفات السياسيين في العراق، قناعة منها بأن اطالة الحرب على داعش مجازفة بكل ثقلها الأعتباري في المنطقة، اضافة الى غياب أي مشروع ايراني روسي للحل باستثناء المزيد من القتل و الاحتقان النفسي و العرقي و الطائفي وهدر الثروات.
وتعرف واشنطن أن تأخر عودتها يعني ظهور قوى و مراكز نفوذ جديدة لا تنسجم و مشروعها في العراق، في اشارة الى رفض لارسال قوة خاصة لمقاتلة داعش في العراق، مقابل استعداد لدعم التحالف الروسي الايراني على حساب الدور الأمريكي، وهي معادلة جديدة لا تعزز ثقة واشنطن بقدراتها و حلفائها في العراق و المنطقة، وقد تمثل انكماشا للمسؤولية الأمريكية في العراق على وجه التحديد.
و تمتلك الادارة الأمريكية صك غفران يسمح لها بالعودة الى العراق وفق اتفاقية الاطار الاستراتيجي التي تعطيها الحق بالتدخل وفق تقديرات الموقف الأمني على الأرض، وبما أن حسم معركة داعش يحتاج الى القوة الأمريكية فان ذلك سيزيد من أوراق الضغط على الرافضين، وهو ما يبرر تعقيد عمليات الحسم ضد التنظيم و بما يجبر خصوم العبادي على القبول بالحل الوسط ، وهو قوة أمريكية محددة بسقف زمني و مهمة محددة يؤدي انجازها الى كسب شعبي و سياسي كبير في توقيتات انتخابية أمريكية حاسمة، وقبول عراقي على مستويات واسعة بدور امريكي لطرد داعش، بما في ذلك رئيس الوزراء حيدر العبادي و أغلبية برلمانية تعرف خطورة الاتكاء على كتف غير مرحب به اقليميا، في اشارة الى التحالف الروسي الايراني.
ويرى دبلوماسيون أن القوى العراقية ترتكب خطيئة كبرى اذا توهمت القدرة على حسم المعركة ضد داعش بدون تدخل أمريكي من باب المسؤولية عن كل ما جرى في العراق و دفع ثمن الفرقة الاجتماعية و التناحرات السياسية و الخراب الاقتصادي و الاعتباري في البلاد، مشددة على خطورة تقمص الأدوار بما لا يتوافق و المعطيات على الأرض، اضافة الى عدم الاستهانة بمشاعر لا تجد نفسها في الدور الروسي أو الايراني، مع ضرورة التأكيد على خطورة
غياب المشروع الوطني لصالح التكتلات الطائفية و العرقية التي عجلت بانهيار العراق على كل المستويات لاستحالة الالتقاء بين المذاهب
ولا تنطلق القراءة الأمريكية الجديدة من مفهوم أمني استراتيجي بالقضاء على داعش، بل ايضا استعادة هيبتها بشكل كامل باعتبارها صاحبة الفضل الأوحد في ايصال المسؤولين العراقيين الى سدة الحكم بعد غزو عام 2003، ما يستدعي، حسب العقلاء، عدم ركوب بعض السياسيين موجة الرفض الامريكي لنها ستبقى أعتى من غيرها بحكم الملفات و أسرار التحالفات و قياسات ضغط دم الجميع ، بحكم متابعات استخبارية و مغريات مالية لا يمكن التغطية عليها بادعاء فقدان السمع، أو ضعف النظر، فملفات الفضائح جاهزة و محاضر الاجتماعات السرية موثقة، وكل شاردة و واردة في مكان أمريكي آمين، ما يتطلب قدرا عاليا من الموضوعية و الولاء العراقي لأن تشتيت الأبصار لا يلغي خطورة كشف الاسرار!! بالمقابل ليس هناك أسوء من الاحتلال مهما كان شكله أو مصدره!!