الشعر يمثل العمود الفقري للأمة , ولكي تكسر ظهرها عليك بالقضاء على عمود شعرها , ويبدو أن ما سمي بالتجديد والحداثة نزعة تحققَ تسويقها وتغليفها بما يساهم ببيعها للأجيال , وفقا لمعطيات التبعية والشعور بالإندحارية والذل والهوان , وبموجب فقه الإنتكاسات والإنكسارات والهزائم ومفردات الضلال والبهتان.
هجموا على عمود الشعر وما جاؤوا بما ينفع ويساهم في صناعة حياة أفضل , بل أشاعوا الإضطرابات , وسلخوا الأمة من ذاتها وهويتها وشوّهوا أفكارها , وخلعوا عنها معالم وجودها الأصيلة ومنطلقات كينونتها الأثيلة , فأحالوها إلى عصف مأكول.
قد يقول قائل أن ما تقوله تجني على حالة لا علاقة لها بما يتحقق في الواقع المنكود بما فيه , لكن وقائع المسيرة تؤكد العلاقة الزمنية ما بين نزعات التجديد والترقيد وما آلت إليه الأمور , فكل شيئ بدأ في العقد الخامس من القرن العشرين , ولا يزال هذا العقد يتحكم بمصير الأمة , وفيه مبتدءات إنحدارها إلى أسفل سافلين , ويمكن الربط ما بين مفردات ذلك العقد وما تمخض عنها في العقوداللاحقات وعلى جميع المستويات وحتى اليوم.
فالأمة مرهونة ومحكومة بالعقد الخامس من القرن العشرين , وسيمضي هذا العقد متسلط عليها إلى أن تنهار على أعقابها , وقد صار فيها من أبنائها المغفلين والمنومين أجيال وطوابير تسعى بها إلى حتفها الشديد.
لو نظرتم إلى أحوالها لوجتم أنها مولودة من رحم ذلك العقد المَريد , ولا تزال قدراتها مرهونة به ومتصلة بمنطلقاته التدميرية , التي أتت أوكلها وأوجدت قوانينها الإتلافية , وجعلتها تعتصم بالخراب والدمار والفئوية والطائفية والتحزبية والدمقراطية , والإنهماك بإستنزافات مروعة , حوّلت النعمة فيها إلى نقمة , وكل مصدر قوة إلى ضعف ووبال على وجودها.
ولا يزال المغفلون ينادون بالتجديد , وهم يخربون ويدمرون ويدوّرون عجلات الوعيد , في أمة يُراد لها أن تبيد!!
وتلك حقيقة من الصعب هضمها في زمن قعيد!!