أمتنا تجلد نفسها بأقسى الأساليب وتوفر الوسائل اللازمة لمواصلة الجلد المبرّح لوجودها , والمبعث آليات زرع تفاعلات الشعور بالذنب , التي تطورت وإتخذت لها سبلا متنوعة , ويأتي في مقدمتها المعنى الديني والطقوس المقدسة , التي أوهمت الناس بأنها الدين الحق , وتمنحهم علم اليقين بالغيوب , وفقا لأضاليل وطروحات بهتانية لا تتوافق مع العقل , ولا منطق السلوك القويم الصالح للأمة والدين.
وبموجب ذلك أصبح الإبداع المسوق بقوة هو الذي يندب ويتناول منطوق ” قفا نبكي…” , فالإبداع الرائج بكائي الطباع , حزائني , تأبيني , تدميري لوجود أمة.
وهكذا تتوارد إليك النصوص البكائية بلا إنقطاع , وهذا أسلوب تكراري لترسيخ الإنفعالات اللازمة لجذب الأفكار السوداوية , والأفعال السلبية اللازمة لتحطيم أمة , يتلاحق إيهام أجيالها , بأنها الوحيدة التي لديها حضارة ودين , وتأريخها أسود , وتأريخ الأمم الأخرى ناصع البياض , وعليها أن تولول وتنوح , وتنحني وتهون , وتنكر العزة والكرامة وقيمة الإنسان.
ويلعب تجار الدين دورهم المشين بإستثمار العواطف والإنفعالات السيئة , وربطها بحالات غابرة إندرست مع القرون , وتساندهم الكراسي الأمية الفارغة الرؤوس , بتقريبها الجهلة الذين يبوّقون لها , ويعادون الطاقات الواعدة والعقول المنوَّرة.
ولهذا تجد في مجتمعات الأمة طوابير من العقول المؤهلة لصناعة الحياة الحرة الكريمة , لكنها تُحارَب ويُنال منها بالقهر والحرمان , وتولية الجهلة عليها , لإضطهادها وتخميدها.
وبموجب ذلك لا توجد أمة يعاني فيها الأذكياء والنوابغ مثل أمتنا , التي تقتل الطاقات وتدفعها لمغادرة الأوطان , فالكراسي تفضل الجهلاء والأغبياء , وتجيد تولية باقل على آل سحبان.
“وما استعصى على قومٍ منالٌ…إذا الإقدام كان لهم ركابا”
وكراسينا الإنهزام والتبعية والخنوع لها ركابا!!
فلابد من نشر ثقافة البكاء والندب , وتعزيز اللطم وجلد الذات بقسوة متزايدة , لأن في ذلك محو للذنوب وتقرّب من الرب البعيد فعلا والقريب قولا , لأن الدموع تقود , وبها الخير الموعود , فلنبكي ونشقى فهو الفوز العظيم.
وأدعياء الدين في جنات الدنيا , والفساد وخيم , ولكم التراب ولهم العسجد الغنيم!!
فهل لنا أن نتحدى لنكون؟!!