7 أبريل، 2024 4:21 م
Search
Close this search box.

الأمانة أم الطابقين

Facebook
Twitter
LinkedIn

لايزال هناك حنين الى الأمانة أم الطابقين، التي كانت خطوطها تصل الى حيث ما تريد، وكم كانت حاضرة في مخيلتنا، ونحن تلاميذ صغار، نرسمها مرات ومرات في إمتحانات مادة الفنية، وكأنها واحدة من معالم المدينة، بل هي كذلك، بكل توليفاتها، الأمانة، الباص، المصلحة، الـ ” AC ” أم الطابقين، أو الطابق الواحد، والسائق والجابي بزيه الرسمي، والمفتش بأناقة بزته، وهيبة مركزه، و” المنطقة” التي كانت تمثل محطات إنتظار الركاب، وواحدة من المظاهر الحضارية، التي نالت رعاية خاصة، مع تطور خدمات النقل، سواء بمقاعدها، وزجاجها المظلل، مع علامة بارزة لمصلحة نقل الركاب، وأرقام الباصات التي تمر من خلالها.
من نوادر الحافلات، وهو الإسم المعرب للأمانة، أني كنت أرقب جارنا الشيخ طه، وهو رجل ضرير، يركب الباص رقم 5 ، صباح كل يوم، من دون قائد يقوده، فيما أستأنف طريقي الى المدرسة، وينزل هو قرب مكتبة الصباح في الأعظمية، من دون أن يستعين بأحد، ما دفعني فضولي المبكر الى سؤاله : كيف تستدل على المكان الذي وصلت اليه ؟، فأجابني مع إبتسامة خفيفة : من عد المناطق، ويقصد محطات الوقوف.
كانت المصلحة، تشكل واسطة النقل الأولى، بإنتشارها، وحركتها الدؤوبة، ورخص اجورها، لذا كانت تعد منافساً قوياً لوسائط النقل الخاص، وتحد من إرتفاع إجوره.
هذا كله من الماضي، فيما لم تجد في الحاضر، الا القليل من الحافلات الحديثة، الموزعة بين خطوط مبعثرة، لايحكمها نظام، ولايحددها سياق عمل منضبط، فهي أقرب الى حركة النقل الخاص ” الكيات” منها الى ” أمانة” أيام زمان.
العراقيون في الخارج، أول مايلفت نظرهم، وسائط النقل العام المتعددة، المترو، والحافلات، والترمواي، وغيرها، فيما تراجعنا الى الوراء، وبقينا نراهن على الوعود، لكن ” أواعدك بالوعد وازكيك ياكمون”.
ما نخلص اليه، أن هناك علاقة قوية بين المستوى الحضاري، وأهمية النقل، فكلاهما وجه لعملة واحدة، لذا يلاحظ مثلا أن الولايات المتحدة ترصد مبالغ طائلة تقدر بنحو 25% من ربع دخلها القومي في تنمية وتطوير جهازها النقلي، كما أن مقومات الدولة تستند في قوتها على هيمنتها الكاملة على مرافق وحدتها السياسية كافة، ولا يتم ذلك الا بفضل ما تمتلكه هذه الدولة من شبكة عالية ومن أنماط متعددة لوسائط النقل كافة، وعكس ذلك، فالدول الضعيفة هي الدول التي يغيب فيها النشاط النقلي، وبالتالي فإن سيطرتها على وحدتها السياسية يكون هزيلاً وما يترتب على ذلك من نتائج في جسم الدولة، وعليه فإن الدورالذي يؤديه قطاع النقل على المستوى الإقتصادي، والإجتماعي، والعمراني، لكل دولة، لا يمكن تغافله أو التغاضي عنه، فالنمو والإزدهاراللذان يتحققان في هذا القطاع يمتد تأثيرهما ليشمل جميع القطاعات الأخرى، وبالتالي هناك ارتباط قوي بين النمو الذي يحصل في هذا القطاع وبين نمو النشاط الاقتصادي للبلد بمجمله، وينعكس هذا كله في الإسهامات الكبيرة التي يقدمها هذا القطاع في نمو الناتج المحلي الإجمالي وفي زيادة العوائد المالية للدولة سواء كان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب