المقدمة :
كانت هناك علاقة قوية وعميقة بين الأمام علي و رسول الأسلام محمد قبل وبعد الدعوة ، هذه العلاقة ليست بالنسب / حيث كان الأثنين أولاد عمومة ، وليست هي علاقة مصاهرة فقط / زواج علي من فاطمة بنت محمد ، ولكن زد على كل ذلك ما قاله الفقهاء والمفسرين والمحدثين ، في أن عليا ذكر في الكثير من الآيات القرآنية وحتى بالأحاديث النبوية . ولكن بعد موت محمد ، لم يكن لعلي نفس التأثير والفعالية في الحراك كما كان عليه في حياة محمد ، هذا ما أود بحثه في هذا المقال .
الموضوع : * يمكن القول أن من أوائل الشواهد على المواقف الشجاعة لعلي تجاه محمد ، هو فدائه بروحه ، وذلك حين بات علي في فراش محمد ، ودعيت تلك الليلة ” بليلة المبيت ” ، فقد جاء في موقع / العتبة الحسينية المقدسة ، أنقله بأختصار ( وعليه أن مبيت علي في فراش النبيّ محمد ، لم يكن أمراً يسيراً من الممكن أن يؤدّيه أيّ انسان اعتيادي ، بل كان أمراً يتطلب شجاعة كبيرة ، ولاسيما حين يعلم أنّه سيُقْتَل لا محالة ، ذلك لأنّ مشركين قريش اتخذوا قراراً لقمع الدين وأنهاء وجود النبيّ في تلك الليلة ، غير أنّ النبيّ استطاع الخروج في ذلك الليل من دون أنْ يراه أحد ، وبمساعدة علي ، تصديقا لقوله تعالى ” وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ / 207 سورة البقرة ” ) ، وهذه الآية كان المقصود بها علي ، علما أن عليا كان لا زال شابا يافعا ، ” وكان عمره أنذاك 23 سنة / نقل من موقع الموسوعة نت ” .
* وقد نزلت الكثير من الأيات بحق علي التي تبين دوره في دعوة محمد في أيام السلم أو الحرب ، وقد جاء في / شبكة الأمام علي ، بهذا الصدد (( أختصّ الأمام عليّ بالكثيرة من الآيات التي بيّنت فضله ومنزلته وخصائصه ومكارم أخلاقه ووجوب طاعته ، وهي كثيرة ، عبّر عنها حبر الاُمّة عبد الله ابن عباس بقوله : ما نزل في أحدٍ من كتاب الله تعالى ما نزل في عليّ . وبقوله : ليست آية في كتاب الله ﴿ يا أيُّها الَّذينَ آمَنُوا ﴾ إلاّ وعليّ أولها وأميرها وشريفها .. ومن هذه الأيات : 1. سورة «هل أتى» نزلت في عليّ وفاطمة والحسن والحسين. ۲. قوله تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) [المائدة: ٥٥] ، وقد أجمع المفسّرون واستفاضت الروايات من طرق الشيعة والسنّة انّ الآية نزلت في حقّ عليّ .۳. قوله تعالى: ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عليّهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) [ الشورى: ۲۳ ]، هم عليّ وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة من ولد الحسين . ٤. قوله تعالى: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ…) [النجم: ۱]، روى أهل السنّة والشيعة انّ النبي قال:«من سقط ذلك الكوكب في داره فهو خليفتي من بعدي» وقد سقط النجم بدارعليّ)).
* وقد أهتم المحدثين والمفسرين بما أنزل بحق علي من آيات ، فقد ذكر هذا الأمر في موقع / أنصار الحسين ( وبالنظر لكثرة الآيات النازلة فيه علي بن أبي طالب ، فقد اهتمّ قدامى المحدثين والمفسرين بإفراد موضوع ما نزل من القرآن في علي بالتصنيف والتأليف ، كالجلودي والطبراني وأبي نعيم ومحمد بن مؤمن الشيرازي والحسكاني وأبي الفرج الاصفهاني والحبري والمرزباني وأبي إسحاق الثقفي وأبي جعفر القمي والمجاشعي وأبي عبدالله الخراساني .. وغيرهم ) . وتقول المصادر أن الآيات التي نزلت بحق علي تبلغ المئات ، فقد جاء بموقع / مركز الأبحاث العقائدية ، التالي ( وفي تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ج 42 ص 364: أخبرنا أبو الحسن بن قبيس وأبو منصور بن خيرون .. عن إسماعيل بن محمد بن عبد الرحمن المدائني عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال نزلت في علي ثلاثمائة آية ) .
وأرى أن هذا العدد من المحدثين والمفسرين والرواة يدل على أجماع تام على حقيقة ما أنزل من آيات بحق الأمام علي .
* ومن الأحاديث التي رويت عن رسول الأسلام بحق علي ، أذكر منها (( عن رسول الله انه قال لعلي : هذا اول من أمن بي وأول من يصافحني يوم القيامة وهذا الصديق الاكبر وهذا فاروق هذة الامة يفرق بين الحق والباطل وهذا يعسوب المؤمنين . / اخرجه الطبراني في الكبير واخرجه البيهقي في سننه وابن عدي في الكامل وهو الحديث ٢٦٠٨ من أحاديث الكنز ص ١٥٦ ج ٦ . عن رسول الله انه قال لعلي : انت أخي وصاحبي ورفيقي في الجنة وأنت اخي وابو ولدي ومني والي / راجع الحديث رقم ٦١٠٥ من احاديث الكنز ج٦ ص ٤٠٢ . قال رسول الله لعلي : أنت ولي كل مؤمن بعدي . / اخرجه النسائي في خصائصه واحمد بن حنبل في مسنده ص ٤٣٨ ج ٤ والحاكم في مستدركه ص ١١١ ج ٣ والذهبي في تلخيص المستدرك واخرجه ابن ابي شيبة وابن جرير والمتقي الهندي في ص ٤٠٠ ج ٦ من الكنز والترمذي باسناد قوي . قال رسول الله لرجل اشتكى عليا : لا تقع في علي فانه مني وانا منه وهو وليكم بعدي . / راجع مسند الامام احمد ص ٢٥٦ وص ٣٤٧ ج ٥ وص ١١٠ ج ٣ من المستدرك وص ٤٣٨ ج ٢ من مسند الامام احمد / نقل من موقع نهج البلاغة )) .
القراءة :
1 . يمكن القول ، أن أول حق سلب من علي ، كان في أجتماع سقيفة بني ساعدة سنة 11 هجرية ، والرسول مسجى لم يدفن بعد ، حيث ( أجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة لملئ فراغ القيادة بعد النبي ، ثم التحق بهم نفر من المهاجرين فأنقسم الصحابة إلى فريقين : الأول وهم من الأنصار ، يطالبون بـخلافة سعد بن عبادة ، والآخر وهم من المهاجرين – بينهم عمر وأبو بكر .. وأنتهت بتولية أبي بكر الخلافة . / نقل من موقع ويكي شيعة ) . هذا دليل واضح وتام على أبعاد متعمد للأمام علي عن الخلافة – وهو مشغولا مع بني هاشم بترتيب دفن محمد ، أما الصحابة فكانوا يرتبون أمور السلطة والحكم دون أستشارة علي ، وأرى أن هذه الواقعة هي بمثابة أول أنقلاب على علي في شان الخلافة لمرحلة ما بعد محمد!.
2 . وفي خلافة أبي بكر الصديق ، بدأت الضغوطات على الأمام علي ، منها في الشأن المالي ، ك ” سهم فدك وسهم ذوي القربى ” ، ( قال أبو بكر : وأخبرنا أبو زيد قال : حدثنا أحمد بن معاوية عن هيثم عن جويبر عن أبي الضحاك عن الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب أن أبا بكر منع فاطمة وبنى هاشم سهم ذوي القربى وجعله في سبيل الله في السلاح والكراع .. / نقل من شرح نهج البلاغة – ابن أبي الحديد – ج ١٦ – الصفحة ٢٣١ – المكتبة الشيعية ) .
3 . أما من المعارك التي خاضها الصحابة ضد علي ، ناسين من أن عليا ، هو أبن عم الرسول وصهره ، وقد نزلت بحقه أكثر من 300 آية ، وتعج بذكره الأحاديث .. ومن أهم هذه المعارك : (أ) معركة الجمل ، وجاء في موقع المعرفة ، بصددها (( معركة الجمل هي معركة وقعت في البصرة ، في سنة 36 للهجرة بين قوات علي والجيش الذي يقوده الصحابيان طلحة والزبير بالإضافة إلى السيدة عائشة ، التي ذهبت مع جيش المدينة في هودج على ظهر جمل ، وسميت المعركة بالجمل نسبة إلى هذا الجمل . سبب المعركة هو تأخر علي في القصاص من قتلة سلفه عثمان . وأن مجموع ما قتل من الطرفين 17 ألفا – من بينهما طلحة والزبير )) . (ب) معركة صفين سنة 37 للهجرة ، (( جهّز معاوية جيشاً عدده (۱۳۰) ألف مقاتل من الشاميين ، وجهّز الإمام علي جيشاً عدده (۱۳۵) ألف مقاتل من الكوفيين .. فقام عمرو بن العاص بخدعة ، حيث دعا جيش معاوية إلى رفع المصاحف على أسنّة الرماح ، ومعنى ذلك أنّ القرآن حكماً بيننا ، أراد من ذلك أن يخدع أصحاب الإمام علي ، ليقفون عن القتال ويحتكموا لحكم القرآن ، بعد تقهقر جيش معاوية . وفعلاً جاء زهاء 20 ألف مقاتل من جيش الإمام علي حاملين سيوفهم على عواتقهم ، فنادوه باسمه لا بإمرة المؤمنين : يا علي ، اجب القوم إلى كتاب الله إذا دُعيت ، وإلاّ قتلناك كما قتلنا ابن عفّان ، فو الله لنفعلنّها إن لم تجبهم .. وتوقف القتال )) . ويذكر موقع صوت السلف ، أن عدد قتلى الموقعة كان 70 ألفا ( 25 ألفا من أهل العراق ، 45 ألفا من أهل الشام ) وقد أكد العدد أبن القيم .
الخاتمة : أولا – لابد لنا من القول أنه هناك شعور أو أحساس بعدم الرضا أو القبول تجاه علي بن أبي طالب ، بغض النظر من دوره العقائدي والمجتعي وصلة القربى من الرسول ! ، وهذا التوجه بالتأكيد ، لم يتولد عند وفاة الرسول ، بل أراه كان مختزنا في صدور الصحابة والسيدة عائشة ، وظهر للعلن جهرا عندما فقد علي من كان يستند عليه – أي محمد ، وهذا التوجه كان من كبار الصحابة ، كأبو بكر الصديق وعمر ومعاوية وعمرو بن العاص وطلحة والزبير وغيرهم .
ثانيا – أن الأنقلاب الذي قاده أبو بكرالصديق وعمر بن الخطاب في سقيفة بني ساعدة 11 هجرية / والرسول مسجى بدار عائشة ، لا أراه جاء أعتباطا ، بل أراه جاء مبيتا / بأبعاد علي وبنو هاشم عن السلطة ، وتساؤلي الأعمق ، أني أرى أن الأمر بدأ قبل ذلك – عند أشتداد وجع محمد قبل وفاته بأيام ، والصحابة أنقلبوا على الرسول نفسه ، فكيف لا ينقلبون على علي ، فقد جاء في صحيح البخاري – كتاب العلم – باب كتابة العلم (114 حدثنا : يحيى بن سليمان قال : حدثني : إبن وهب قال : أخبرني : يونس .. عن إبن عباس ، قال : لما إشتد بالنبي وجعه قال : إئتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً ، لا تضلوا بعده ، قال عمر : أن النبي غلبه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا فإختلفوا وكثر اللغط ، فقال : قوموا عني ولا ينبغي عندي التنازع فخرج إبن عباس يقول : إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين كتابه. / نقل من موقع منتدى الكفيل هذا دليل دامغ على عدم أطاعة الصحابة للرسول ، وهذا خلاف النص القرآني ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ / 59 سورة النساء ) . ولكن الصحابة كان جل أهتمامهم السلطة والحكم ، ومن المؤكد أنهم تحسبوا من أن محمدا سيكتب وصية قد لا تروق لهم ، لذا حسم الأمر عمر ، دون أكتراث بالرسول وهوعلى فراش الموت . * وخلاصة الأمر ، لا زالت علاقة الأمام علي بالرسول ، وعلاقة علي بالمعتقد ذاته ، ودور علي وأستحقاقه ، بل حقه بخلافة محمد ، وعلاقة الصحابة المتوترة مع علي – بعد وفاة محمد ، ونظرة وتعامل الصحابة الى آل بيت علي وبنوهاشم بالعموم ، لا زال كل هذا وغيره موضع جدل ونقاش وأشكال بين الفقهاء والمفسرين ، يحتاج الى بحث أعمق وأدق .. لأن كل هذه المحاور قادت ، بشكل أو بأخر ، الى شرخ المعتقد الى فريقين هما ما يعرف الأن بمذهبي ” السنة والشيعة ” .