احسست وانا اشرع بكتابة هذا المقال اني احد المغامرين الذين قرروا ركوب الاسنة وامتطاء صهوة البحر الهائج والمضي نحو المجهول !
والمشكلة ليست في مضمون المقال ولكنها حصراً في ثقافة التلقي ذلك ان التلقي المشوش للخطاب الهادف يقلب الطاولة على الكاتب ويجعله عرضة لمواجهة وابل من النبال والنعوت التي تصل الى حد التكفير .
يرتفع الآن نداء يجوب اروقة دور العبادة والمآتم يردد عبارات التعجيل بظهور الأمام المخلص عليــه السلام ولا ضير في ذلك فنحن امة احوج ما تكون الى الاصلاح على وجه العجالة ولسنا هنا ضد ثقافة الدعاء والله جل في علاه يقول : (ادعوني استجب لكم) .
والعجيب ظهور تيار غرائبي يدعوا الى التعجيل بنشر المعاصي بهدف توفير البيئة المناسبة لظهور المهدي المخلص (عليه السلام) ، فيما ظهر تيار آخر يدعو الى الاعتكاف في زوايا المساجد بانتظار الظهور الموعود والقاء الحبال على غواربها ولقد سمعت البعض منهم يهتف غير مرة (اطلع يا المهدي وصفيهه) .
وهكذا تترنح ثقافة انتظار المهدي المخلص بين السلب والايجاب والحقيقة ان المسألة معكوسة تماماً فالأمام المهدي هو الذي ينتظر الامة وليس العكس .
انه ينتظر الامة المهيأة لظهوره لانه لا يمكن ان يخوض حرباً ضد جحافل الطغيان بجيش من التنابل والكسالى ، أنه يريد امة (ديناميكية) حية حيوية ترفع معه بيارق الاصلاح ورايات التغيير .
أن ثقافة الانتظار السلبي للظهور هي حصة الطغاة لانها تنشر روح الاستكانة والاتكالية والرضوخ والتعويل على سيف يلوح من وراء سحب الغيب ليحصد الروس التي اعاثت بالارض فساداً ، اما ثقافة الانتظار الايجابي فهي حصة الامم المظلومة التي تستمد من فكرة الظهور عوامل الثورة والاقتحام والتصدي !!
اذن نحن بحاجة الى قراءة ثانية لاطروحة المنقذ المخلص لقد قذف الله بنا نحن بني البشر من عليين الى سطح هذا الكوكب المعتم بسبب خطيئة جدنا آدم (عليه السلام) لانه اقترب من الشجرةالملعونة والتي نهاه الله عنها واكل التفاحة المحظورة بغواية من ابليس وبسبب المساجلات الساخنة التي حدثت بين هذا الشيطان وبين رب العزة بسبب اعتراضه على السجود لآدم
(عليه السلام) فهل يعقل ان هذه الويلات التي حلت بنا هي بسبب (تفاحة) لا غير ؟ وهل كانت هذه (التفاحة) هي السبب في هبوط الثلاثة الكبار آدم وحواء وابليس الى سطح هذا الكوكب .
اعتقد ان الشجرة المنهي عنها هي ترميز غيبي للنفس الامارة بالسوء وان التفاحة المحظورة هي الأخرى ترميز غيبي للخطيئة وأن (ابليس) هو ترميز لهزيمة العقل أمام وساوس النفس كما أن المخلص الموعود
( عليه السلام ) هو رمزا ليقظة الظمير الجمعي والنزوع نحو الاصلاح .
أمام قصة (الأعور الدجال) الذي يسبق ظهور المخلص والذي يوزع الاموال لشراء الذمم وتعطيل عمليــة الظهور فهو ترميز غيبي لظهور الحضارة الماديــة العوراء التي تنظر الى الحياة بعين المادة مع تعطيل منظومة الروح.
لقد أمر الانبياء بمخاطبة الانبياء على قدر عقولهم فلما سئل النبي (ص) هل توجد خلف ارضنا ارض اخرى ؟ اجاب يوجد خلف ارضنا هذه جبل اسمه (قاف) وهو اشارة الى الظل المخروطي الذي يشبه الجبل والذي يظهر انعكاساً لضوء الشمس عندما يسقط على الارض والذي اطلق عليه النبي (قاف) لانه يقفو او يقتفي حركة الارض ومن اراد ان يتحقق من صحة هذه الرواية فليرجع الى كتاب (اصل الهيئة) الذائع الصيت .
انني اتساءل هنا لماذا ننحي باللائمة على جدنا آدم (عليه السلام) ؟ الم يخلق الله قبل جدنا آدم جيلا من الآدميين ؟
نعم ! حدث ذلك فعندما قال الله تعالى للملائكة (أني جاعل في الارض خليفة قالوا اتجعل فيها من يسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك) .
اذن من أين للملائكة وصف الدماء اذ لم يكونوا راوها من قبل ؟ وأن آدما اغير آدمنا هذا قد سفك الدماء عندما سكن هذه الارض فالنفس البشرية غرفة حركات مظلمة حد النصف (الفجور والتقوى) .
ابليس ليس مخلوقا يتوعد رب العزة وهو يرى جبروته وقوته وجنته وناره بمثل هذه العنفوان ونحن ترتعد فرائصنا هلعا من وصف النار الأخروية التي لم نشاهدها والتي ورد ذكرها قبل الف او يزيد من الاعوام فكيف لإبليس الذي يراها بأم عينه ان يهدد ويتوعد بالقعود على الصراط وممارسة الغواية ورفد النار اللواحة بطوابير من البشر !!
وهل كان الشاعر على حق عندما قال :-
ابوكم آدم سنَّ المعاصي وعلمكم مغادرة الجنان