لا يوجد نظام حكم في تأريخ الأمة لم يكرم أبواقه , ويعادي ويفتك بأي معارض مهما كان نوع إبداعه , وتأريخنا يحفل بضحاياه الأبرياء من الشعراء والكتاب والمفكرين وأصحاب الرأي , في سالف الأزمان وحاضرها , وهناك الكثير من الأدلة والبراهين المحتشدة في القرن العشرين , فمنذ قيام دول الأمة , وحتى اليوم , لا يُكرّم إلا البوق , ولهذا قيل “بوق مرزوق” كما تعلمنا في القراءة الخلدونية للصف الأول إبتدائي , فكل ما فيها من كلمات وعبارات , ذات دلالة , من “كرسي مكسور ” , حتى ” إلى متى يبقى البعير على التل”!!
فلعبة تكريم الأبواق ليست بجديدة على أنظمة حُكم بلاد العُرب أوطاني , وإياك إياك أن تقول ما ترى , بل قل ما يجب أن تقول لإرضاء رغبات الكراسي , وكن مدّاحا همّه المال والمكرمات , كما فعلها البحتري في زمانه , حتى أصابته تخمة الثراء.
فلا تقل أن هذه الحكومة أو تلك تكرّم أصحاب الأقلام الناطقة بالحقيقة والحق , بل التي تتعبد في محراب الكراسي , وتزيّن للمتسلطين مظالمهم ومآثمهم وخطاياهم , وتلك بغيتهم , فهم يريدون مَن يساندهم نفسيا ويعزز سلوكهم الإجرامي , لكي لا تستيقظ ضمائرهم ويشعرون بالذنب.
فهل وجدتم مُكرَّما ناطق بحق؟
إنها لعبة خسيسة تُباع تُشترى فيها الذمم , والحاضرون في مراتعها يضعون على صدورهم لافتات تقول أنا للبيع , أقدّم خدماتي لمن يدفع أكثر.
إن التكريم يكون للذين يعتاشون على أقلامهم , وبموجب ذلك تفقد الأقلام مصداقيتها , وتستهين بإبداعيتها , فتكذب وتداهن , وتماري وتتقرب إلى الآخرين على سكة الدجل والمحاباة والتضليل , وتحسب أن الناس في عصرنا التكنولوجي الفتاك , كما كانت في عصور القبض على عقولهم , وتدجينهم بالأبواق الرسمية التي تكمم أفواهم , وتخمد أنفاسهم.
الواقع في دول الأمة مضطرب , بسبب إنصياعية الأقلام لإرادات الكراسي ومغريات السلطان , فما أسهل أن يكون الكاتب والشاعر والمبدع بوقا للحكام , فيرفل بالرفاهية ويغنم عالي المقام , حتى يهون يوم يحين وقت حساب الظالمين.
فهل تُكرَّم أصوات الحق والحقيقة , والذين ينتقدون سوء السلوك؟!!
و” إذا المرء لم يَمدحه حُسن فِعاله…فمادحه يَهذي وإن كان مُفصحا”!!