23 ديسمبر، 2024 2:48 ص

الأفضل أن يذكر الفرق بين كربلاء والإرهاب

الأفضل أن يذكر الفرق بين كربلاء والإرهاب

أهم ما يميز حياة العرب في الجاهلية، أنها كانت حياة حربية تقوم على الغزو، والأخذ بالثأر، وفيها القوي يأكل الضعيف، وكأنها شريعة تصطبغ بصيغة دينية مقدسة في نظرهم، وعندما جاء النبي محمد (صلواته تعالى عليه وعلى آله) بدينه الجديد، ملأ قلوب الناس أدباً، وخلقاً، وتواضعاً، وصدقاً، ورحمة، وهذا ما لم ترتضيه النفوس الطاغية، التي تسيدت قريش بجبروتها وطغيانها، فما كان منهم إلا إستعمال إرهاب قبلي تجاه المستضعفين الأوائل، الذين وجدوا في الإسلام المساواة، والعدل، والإنسانية.

القرون تمضي وتضاريس الأرض تتبدل عقداً بعد آخر، ولكن هناك أرض خالدة، لم ولن يستطيع أحد تغييرها بترابها، وطقوسها، وشخصياتها، ومواقفهما، ومبادئها، ونتائجها، ولو علمت البشرية السر العظيم في خلود هذه الأرض، لغرقوا في الأجر جزاء المحن حين عاشها أصحاب قضية كربلاء المقدسة، نعم إنها أرض نينوى قديماً، قضية نكون أو لا نكون، مقابل إرهاب يزيدي فاسق وزمرته، التي لا تفقه من الإسلام إلا إسمه، ومن القرآن إلا رسمه، ولا تريد نسيان آفات مجتمعها الجاهلي.

ورد في الكافي للكليني(ج 1 ص 473) قول الإمام الصادق عليه السلام:(إني لأدعو لشيعتنا في اليوم والليلة ألف مرة، لأنما نحن فيما ينوبنا من الرزايا، نصبر على ما نعلم من الثواب، وهم يصبرون على ما لا يعلمون)،فكيف بمَنْ حمل قضية كربلاء، وسار في ركب الحسين (عليه السلام)، رغم معرفتهم بحجم الإرهاب الأموي الذي سيواجهونه، ومقدار العنف اللفظي، والإجتماعي، والجسدي، في محاولة بائسة للنيل من عزيمة الثلة المؤمنة المجاهدة، التي كتبت بدمائها قصة إنتصار الدم على السيف.

عندما يتجدد نداء محرم في كل عام، تتجدد معه حروف كربلاء التي ننطقها بصرخة مدوية، وغيرنا يكتبها بخبث ويفهمها بحقد، فنقدم خلال أيامه الطاهرة قرابين الشهادة، حيث يتلون سواد الغاضرية بدماء الموالين للقضية الحسينية، فوالله ما رأيت شيئاً يتعلق بكربلاء، إلا وكان الجمال الإلهي متركزاً فيها، لترسم أسباب ثورة الإمام الحسين (عليه السلام)، وفضح شخصية يزيد عليه اللعنة، وكشف القناع عن قبح أفعال العدو الإرهابية، والتي توضحت آثارها اليوم في الممارسات البشعة، لعصابات داعش التكفيرية.

شاءت الإرادة الإلهية أن يحمل البيت العلوي أمانة بقاء الدين ولو كره الكافرون، وإستطاعوا مع ذكرى كربلاء تغيير الواقع، وإفشال المخطط الأموي الإرهابي، لمحو وتشويه صورة الدين الإسلامي الحنيف، والمشروع الرسالي الذي يتجدد مع العاشر من محرم الحرام، يكمن في أن الأمة ستخسر إذا ولَّت أمرها مَنْ لا يستحق، فكربلاء صنعت بالدم نصراً آجلاً، وشاملاً، وخالداً، رغم أنها رحلة منوعة بشتى صنوف العذاب والقسوة، ضد رجل رأسه كان يريد طلب الإصلاح في أمة جده.

كربلاء يوماً بعد آخر تؤكد أنها ثورة إنسانية عالمية، تعلم الإجيال على مختلف مشاربهم، بأن يحسنوا الصنع في أوطانهم وبناء الإنسان، ويجعلوا من حريتهم هدفهم الأول، كما أنها وثيقة إدانة على همجية العدو، لذا نحن مدعوون لتغطية حقيقة ما يجري من مراسيم، وطقوس، وخدمات، ومنابر، ومواعظ، ورسائل سلام، لأننا نشعر بالثقة في صناعة المستقبل المفعم بالكرامة، حتى وإن حاول الأعداء وضع الإرهاب بمختلف مسمياته أمامنا، ونقول لهم: نحن كثيرون حول قضية الشعائر، لأننا حسينيون ونبقى.