في زمن الاحتلال البريطاني، طلبوا من إحدى بائعات الهوى، ان توقع برجل من رجال المقاومة، لاستدراجه الى كمين معد له سلفا، مقابل مبلغ كبير من المال، رفضت الغانية العرض، وعند سؤالها عن سبب الرفض، قالت ان ذلك يسيء الى المهنة التي تعتاش عليها الكثير من النساء.
غانية تخشى من الإساءة الى مهنتها، والتأثير على صنف عملها، من خلال قيامها بعمل تراه هو احقر من بيع الجسد، بالرغم من عرض مبلغ كبير من المال عليها، وهي تبيع جسدها من اجل المال.
ما بالنا لم تعد لدينا حدود واحترام لكل شيء؟! فلم نعد نحترم الزي الذي نلبسه! ولا المهنة التي نمتهنها! ولا حتى البلد الذي ننتمي اليه؟! كل همنا المال والشهرة(الطشة) فقط.
ربما يعتقد البعض ان هذه الصفات المذمومة فقط عند اغلب السياسيين، لكن لو دققنا قليلا من حولنا، لأدركنا انها أصبحت صفة لأغلب طبقات المجتمع، وما البرامج التي أصبحت تمتلئ بها صفحات التواصل وقنوات اليوتيوب، وغيرها من قنوات المرئي والمسموع الأ خير دليل، حيث نجد مقدم البرامج يصنع من نفسه قرقوز، ويتكلم بكلام تترفع عنه حتى عواهر باريس، من اجل اضحاك الجمهور، او النيل من بعض الشخصيات السياسية او المجتمعية، يمزقون وطنهم والإساءة اليه، من اجل حفنه دنانير.
البعض الاخر من مقدمي البرامج والممثلين، فانهم راحوا يهتكون الاعراض، من خلال وقاحة اسئلة المقدم وقبح أجوبة الممثل، بحجة الجرأة والصراحة، فهذا مقدم في أحد البرامج يخلع ثيابه، وأخر يلفظ كلمات تعكس بيئته المنحطة التي تربى فيها، في حين بعض الممثلات تقوم بعرض جسدها امام المذيع، لتريه جسدها بعد عملية النحت التي أجرتها، لم يعد هناك هدف من البرامج سوى الاثارة الجسدية والفضائح والابتزاز.
في حين ذهب الكثير من مقدمي البرامج السياسية، ليجمعوا ثروات كبيرة، مرة من خلال التشهير بالشخصيات المجتمعية، وأخرى من خلال ابتزاز الشخصيات الفاسدة، فصار منبر البرامج السياسية منبر للفساد بدلا من التقويم والمراقبة كما هو واجب الاعلام الحر.
الفوضى الإعلامية تجتاح البلاد تحت يافطة الحرية، في حين كل بلدان العالم هناك محددات للأعلام، يجب ان تخضع لها كل المؤسسات الإعلامية، بالإضافة لوجود اعلام هادف ولمختلف المستويات العمرية للبلد، يعمل على تعليم الجميع حب الوطن، وكيفية الحفاظ على القيم والمبادئ السامية للمجتمع.
كثير من الدول تخصص مبالغ كبيرة من موازناتها لغرض الرقابة على الإنتاج الإعلامي من جهة، وترسيخ حب الوطن، من جهة أخرى من خلال تقديم دراما هادفة.
منذ السقوط ولغاية الان الدولة تهمل جانب مهم من جوانب بناء المجتمع، وهو الجانب الإعلامي، فلم نجد برامج او مسلسلات تتناول حياة الفرد العراقي، تاركة الحبل على الغارب، لبعض الطارئين على الفن، والذي في الغالب يكون هدفهم جمع الأموال باي شكل.
نحتاج في المرحلة القادمة ان تهتم الدولة ببناء المجتمع وتوعيته، بل وحمايته من كل الحالات الشاذة التي دخلت اليه، مرة من خلال المناهج الدراسية وأخرى من خلال الدراما والاعلام، ومرة ثالثة من خلال الرقابة على المخرجات ومعالجة الحالات السلبية التي تطرأ عليه.
كلما كان المجتمع سليم خالي من الامراض، كلما كان النهوض والتقدم الى الامام أسرع.