الصفارة والصفارون
ظهرت مهنة الصفارة منذ أضحى الصفر من الضرورات المنزلية في استعمالات شتى، وكان لهم سوق يجمع الصفارين ومنتجاتهم، وقبلا كانوا في سوق الكبير، وكان “صالح حمام” قائممقام النجف (28 تشرين الثاني 1936 – 30 آب 1938) قد منع ممارسة حرفة الصفارة في السوق الكبير، وعليه- مثلا- أتخذ الحاج عباس الصفار محلا للشغل في فضوة المشراق، في ملك علوان شمسة، وبقي محل السوق لعرض المنتوجات؛ ومن ثم زحفت عليهم الأصناف التجارية المعاصرة فأزاحتهم الى سوق الصفافير، والسوق يربط بين سوق الكبير، وهو الفرع الاول على يمين الداخل من الميدان، وبين شارع زين العابدين.
تعنى مهنة الصفارة بانتاج ما يسد حاجة المنزل من أدوات الطبخ والمستلزمات الاخرى، وأشهر المصنوعات: الماعون بأنواعه، ماعون الأكل؛ ومنه صحن البدو، فيه عراوي (جمع عروة)، من اثنتين الى ثلاث بحسب حجمه؛ مصخنه للماء، منتفخة البطن ورقبة رفيعة بعروة للحمل؛ مصلخ فيه مزملة، للماء الحار، ويوضع على النار؛ الكتلي بأنواعه (من الانكليزية kettle) الذي يحضر فيه الماء الحار للشاي وغيره؛ دلال القهوة بأنواعها؛ الصينية بأنواعها؛ الطشت بأنواعه؛ ابريگ ولِگنْ، لغسل أيدي الضيوف؛ الأباريق بأناعها: العباسي شكله مصفح؛ الملاعق بأنواعها؛ الجمجة للمرق؛ الجفجير للتمن؛ ركية للحمام (منقوشة) تحمل مستلزمات الحمام؛ لكنجة حمام للنساء؛ الطوس بأنواعها، الديزي(يوضع بالتنور وفيه اللحم والبصل والحمص والماي)؛ القدور بأنواعها: “كمجدون” فيه عروتان، والقبق (الغطاء) يدة (عروة) ؛ قدر “خوش خانه” بدون يدات؛ بستوكة صفر (جرة) للدهن، فيها سلاسل تعلق في السقف؛ جرة ماء، تستعمل للحمامات (بيضوية فيها فتحة لتنظيف خزانة الماء؛ فضلا عن التحفيات المنقوشة بالصفر؛ أو اللوحات الفنية، والزخرفة على الماعون والصينية التي يطلبها السياح في الغالب.
لعل من المنتجات الصفرية المهمة، هية الأدوات التي تعد من متطلبات الزواج وتجهيزاته، مثل: مصخنة، وابريك، لكن، طشت؛ ويكون التأكيد على طلبها أكبر في الأرياف المحيطة بالنجف، لما يضفى عليها من اعتقاد ببركات الإمام علي ومجاورته تصاحبها.
كان ثمة صفارون يعملون خارج سوق الصفافير، في أطراف المدينة، إما لضعف امكانيتهم المالية لشراء محل في المركز التجاري، وإما لأنهم يفتحون محلات كبيرة أشبه بالمعمل، رخيصة في إيجارها، ويبيعون الى الصفارين في السوق منتجاتهم، بصيغة الجملة، ويطلق عليهم “الشغيلة”، وإما لأنه ينتج نوعا واحدا مثل الأباريق أو الصواني؛ ومن هؤلاء الصفارين اتخذ أطراف محلة البراق- قرب بنات الحسن- محلات لهم، وهم: صالح الصفار، أبو مهدي؛ مرزا علي (بياض صفر)، عبد الحر علوان الصفار، أقارب حاج حمزة الصفار، وأخوه حسين علوان الصفار. ومنهم من اتخذ المناخة محلا له، مثل: الصفار عبد علي فلوجي (دلال الصفر بأنواعه)؛ الصفار حسين الشريس، الذي يختص بإنتاج أباريق الصفرفقط؛ ومنهم من كان محله في عكد اليهودي: محل صغير لبيع أباريق صفر يعود الى محمد الشريس، أبو عبد النبي، تحول أخيرا الى بيع الأقمشة بإدارة أبنائهم. ومنهم من زحف بهم تعدد المهن وكثرة الطلب عليها في سوق الكبير وباب السيف، فاتخذوا من “وكفة المشراك” محلا لعملهم، مثل: طوسي الصفار القرغولي، أبو: نوري وعلي وسعد وأموري. ومقابل مدرسة الغري الأهلية الصفار كاظم عبد الحسين، في خان مكشوف، مختص بصناعة القدور الصفر الكبيرة للمناسبات، وأتذكر ذهبت بمعية والدي الشيخ شاكر اليه لشراء قدر نذرته عمتي للثواب، ونقش اسمها “صفية الشيخ محمود” عليه، وكان يعمل معه عامل صفار اسمه جدوع لعمل المصاخن (مسخنة).
Tahseen Imara : هناك مهنة اخرى تتبع مهنة الصفار وهي مهنة ( المبيضجي ) ولأن اغلب الأدوات المستعملة من النحاس وخاصة التي تستعمل للطعام والطبخ فلابد من تبيضها كل فترة وذلك خوفا من تراكم الأملاح النحاسية ( زنجار الصفر ) وتكون زرقاء اللون اذا كانت كمياتها قليلة وخضراء اذا زادت ,, لذلك يقوم المبيضجي بمهمته الشاقة بوجود حفرة داخل المحل ينزل فيها الأسطه ثم يجلب العامل القدر او الصينة بعد ان تنظف بالماء ثم توضع على النار ويقوم العامل باستعمال المنفاخ الذي يوجد في جانب الدكان لغرض زيادة لهب النار ,, بعد ذلك يضع الأسطة الكمية الكافية من القصدير ( القلاي ) في داخل الاناء وعند ذوبانها وسيلانها بفعل النار الحامية , وبقطعة قماش جافة تمسح الأواني ثم تبرد فتبدو فضية اللون براقة ,, وهي مهنة شاقة خاصة في فصل الصيف حيث تتصاعد الأبخرة ودخان الموقد ,,, واليك حكاية المبيضجي في عكد السلام والتي تشرتها في سلسلة حكايات عراقية بتاريخ 7 كانون الثاني 2017 والتي نقلتها بتصرف من كتاب قصص ذات انياب { في مدينة النجف وفي خمسينات القرن الماضي وفي رأس عكد السلام ( أزيل في الثمانينات من القرن الماضي حين تم هدم محلة العمارة ) كان هناك دكان (مبيضجي ) وهي مهنة طلاء قدور واواني النحاس ( الصفر ) بمادة لضمان عدم تفاعل اوكسيد النحاس مع الطعام . صاحب هذا الدكان الضعيف مالا والنحيف بدنا يرثى لحاله
وكان يتعطف عليه البعض بوجبة غذاء حيث كان دكانه محل سكنه أيضا فهو بلا أهل ولا زوجة ولا ولد ولا يفارق دكانه وآثار الفقر والمسكنة تتحرك بكل وجناته, كان ثمن تبيض القدر ( مواد زائد عمل ) بعشرين فلسا وربما يمر عليه الأسبوع فلا يراجعه أحد ..في أحد الأيام إختفى ذلك الرجل , مرت ايام وأسابيع والدكان مغلق , ولا أحد يعلم كيف يعرف ما جرى له … بعد مرور ستة أشهر ظهر فجأة بثياب فاخرة ثم بعد فترة وجيزة علم الناس انه يشيد بناية في شارع الصادق في النجف حيث العقار الأغلى في المدينة , ثم شوهد وهو يقود سيارة خاصة ايام لم يكن عدد السيارات الخاصة في النجف يتجاوز اصابع اليدين . ولكن كيف حدثت هذه النقلة ؟
كان للرجل عم ثري يسكن البصرة، ومات ولا وارث له وتبين للأجهزة الحكومية ان له أخ يسكن النجف والغريب انه لم يعلم ان له عم ثري على قيد الحياة يسكن البصرة وربما هو لم يترك النجف طيلة حياته . فوجيء الرجل وهو في دكانه برسالة من قاضي محكمة الأحوال الشخصية في البصرة يطلب حضوره وسافر فقيرا وعاد ثريا لكنه اصبح من الأثرياء ولا يرد السلام الا بمنة وتقتير ( من وراء انفه ) … صدق الله تعالى بقوله ( وتلك الأيام نداولها بين الناس ) }
شاكر الحمداني لم يذكر جميع من مارس المهنة، وهذا شئ عادي لا يمكن حتى لغيره ان يسد كل ثغرات اي موضوع، وعلى سبيل المثال اذكر ان جدي الأعلى ابراهيم (ت1947) والد جدي حسين (ت1965) كان عنده دكان في فرع شارع الصادق، الذي كان فيه بيت السباك مكان ستوديو فينوس، وكان حدادا صفارا يذهب للبادية، يجلب الاواني ويصلحها ويصفرها في النجف/طلاء/ ثم يعيدها، وكانت هذه مهنة والده في الجزيزة الشمالية، وبقي المحل لبداية الخمسين، إذ شغله جدي عبد الله عم والدي، ثم انتقل الى سوق العماره وظل حتى بداية الستين، فغير مهنته لتاسيس الماء، وهو معروف في طرف العماره، وكان يعمل معه المرحوم خضير الشريس واخرون.
Abdulsahib Merze من العادات و التقاليد النجفية المنسية، هي (الإبريق و السلبجه) حيث لم تتوفر سابقا المغاسل في المشتمل (البراني) مكان إستقبال الضيوف فكان من واجب المضيف توفير الماء و الصابون ليتمكن الضيف من غسل يديه و هو جالس في مكانه عند إتمام الأكل، و عادة كان يقوم بهذا الواجب إبن العائلة المضيفة الأصغر ليدور على جميع الضيوف بالتوالي و هو ماسك الإبريق في اليمنى و السلبجه باليسرى ليغسلوا أيديهم من الدسم في زمن ما قبل الملاعق إذ كان الناس يتناولون الطعام بأيديهم مباشرة (بدون ملعقة).
………………………
– مقابلة الحاج أحمد عباس يحيى محمود سلمان الصفار الأسدي (1944- …) في مكتبة الجواد 27/ 12/ 2018.
2- انظر بحث “سوق الصفافير” في المشراق كتابنا خطط النجف: الجغرافية الاجتماعية.