الأصلاح نقيض الأفساد، والصلاح ضد الفساد،والصالح هو المصلح في أعماله وأموره ،والاستصلاح نقيض الاستفساد.وقيل ان الصلح هو السلم او السلام بين المتصالحين،شرط ان يكون صادقا ملتزماً به .حتى سمَت العرب مكة المكرمة به.لكونها مكاناً مقدساً لا يجوز اختراق مواثيق الصلح الذي تعقد فيها،لان ذلك يُعد خروجا على استقامتها وقدسيتها لدى المسلمين.
.لذا نرى ان العرب يتصالحون ويحلفون القسم بينهم في اماكن التقديس التي لا يجوز أختراقها أو التنصل منها،كما في قسم الصلح عند العراقيين في حضرة الامام العباس بن ابي طالب (ع) لمكانته المقدسة عندهم، سُنة وشيعة، ولصلاحه عند الرأي والمشورة. ولمن يقسم في حضرته ويخون القسم يُعد خارجاً على المواثيق الاسلامية،لكون ان الامام العباس قد اقسم أمام اخية الاكبر الحسين بن علي بن أبي طالب(ع)سوف يكون أمينا له في دعوته نحو الصلاح ونفذ القسم حتى الاستشهاد.
ووردت كلمة الصلاح في القرأن الكريم في سبعة أوجه ،ففي الايمان ،جاءت الكلمة في سورة يوسف ( وألحقني بالصالحين). والصلاح يعني جودت المنزلة ،كما في سورة البقرة( وأنه في الأخرة لمن الصالحين). وجاءت الكلمة بمعنى الرفق،كما في قوله تعالى في سورة القصص(أخلفني في قومي وأصلح).وجاءت الكلمة بمعنى تسوية الخلُق كما في قوله تعالى (لتكونن من الصالحين،فلما أتاهما صالحاً). وجاءت الكلمة بمعنى الأحسان كما في قوله تعالى (أن أريدُ الا الأصلاح ). وجاءت الكلمة بمعنى الطاعة كما في سورة العنكبوت، كما في قوله تعالى ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات). وجاءت الكلمة بمعنى الامانة ،كما في قوله تعالى في سورة الكهف (وكان أبوهما صالحاً).
فالتعددية في اوجه الصلاح تعني قدسية الكلمة وواجبية الالزام ، فالايات الكريمة التي وردت فيها الكلمة، منها الحدية الملزمة والواجبة التنفيذ ومنها،
2
الحدودية التي يجب ان تكون واجبة التنفيذ على القدر والاستطاعة ،ومنها النصح والارشاد لتعليم الناس طرق الصلاح والفلاح لتسود المحبة بينهم. وعلى الجملة فالكلمة ذات مغزً قرآني عظيم ،ومنها ومن مصطلحات اخرى شكل المنهج التربوي الرباني للانسان الذي يجب عليه ان لا يخرقه بكل حال من الاحوال لا طمعاً في مال او جاه أو منصب. منهج جديد سبق منهجية المعرفة التربوية الحديثة بسنين.
وفي مجال صلاح حال الرعية ،تركز الكلمة على الاهتمام بشؤون الامن والثقافة والصحة ووظائف الدولة والخدمات الاجتماعية.ولا يمكن لهذه الكلمة ان تؤدي واجباتها الانسانية مالم تكون العلاقة بين الراعي والرعية مبنية على الصدق والاخلاص والتعاون المتبادل ،ضمن اطار مصلحة الوطن والمواطن.وبهذا الخصوص يقول الامام علي(ع) ( أيها الناس ، ان لي عليكم حقاً ولكم عليَ حق.فاما حقكم علي ،فالنصيحة لكم وتوفير فيئكم ،وتعليمكم كي لا تجهلوا ،وتأديبكم كيما تعلموا. وأما حقي عليكم فالوفاء في الحقوق والواجبات ومصلحة الامة والصدق في القول ومحاربة الفساد والحرص على اموال المسلمين فهي مال الله المصون).لذا جاءت الكلمة لتعني التأكيد على وضع الرجل المناسب في المكان المناسب ،على ان تكون الكفاءة شرطاً للاختيار والتوظيف لا القرابة او الصداقة.
لذا فالشريعة وضعت مواصفات معينة لمن يكون حاكما لادارة شؤون الرعية ،ممن هم اكثر كفاءة واستقامة ،ومن اهل الورع والصدق الذين لا تستميلهم الأهواء ولا تأسرهم المطامع والشهوات أو تطربهم المدائح ،لانها من الامور التي تبعدهم عن جادة الحق. لذا فللخلافة شروط وللوالي شروط وللوزير شروط وللسفير شروط في الشخصية والولاء والامانة والعفة ،واردفت الشروط شروطاً اخرى، مثل مقياس الصلاح والتزكية والتجربة ،لان التربية في اخلاق الرجال لها من الاثر ما للشروط الاخرى حرصا على مكارم الاخلاق ومحاسن الامور ،لان هؤلاء وفق مواصفات الشريعة أقل طمعا باشياء الناس وممتلكاتهم. فلا يولى فاسد، ولا يولى طامع، ولا يولى حاقد، ولا يولى جاهل، ولا يولى كاذب، ولا يولى كافر بالقيم والمثل العليا ،فهؤلاء بنظر نظرية المصلحة اشد خطرا على الدولة والامة.
3
لقد اهتمت الشريعة الاسلامية بانعاش مرافق البلاد وموظفيها لتثبيت مدى حرص الدولة على اموال الشعب ومستقبله ومدى اهتمامه بالرعية وازالة الفوارق الطبقية بينهم.
نظرية المصلحة والاصلاح نظرية قديمة وجدت عند الرومان واليونان وظلت دون تنفيذ ،لان القانون الروماني كان يخدم الامبراطور والحاشية دون عامة الشعب،لذا ظلت النظرية معطلة من حيث التنقيذ عندهم.
وعند مجيىء الاسلام جاء الدستور النبوي بمادته الثالثة التي ذكرت، ان(جميع أفراد الامة متساوون في الحقوق والواجبات ضمن المصلحة العامة)مؤيدا للنظرية ومحذرا من عدم تطبيقها.
وفي عهد الخلافة الراشة طرحت النظرية ففي عهد الخليفة ابي بكر(رض) الذي نادي بمالمساواة في الحقوق والواجبات (اني وليت عليكم ولست بخيركم،فان احسنت اعينوني وان اسئت فقوموني).وفي عهد عمر(رض) ،نادى الخليفة بنظرية المساواة حين قال ( كيف أستعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ) . وفي عهد الامام علي بن ابي طالب(ع) اعلن صراحة محاسبة الحاكم في نظرية المصلحة.حين قال ( لا حق يعلو على حقوق الناس في مصلحة امورهم وشئوون دنياهم).
وجاءت المعتزلة لتقول ان الحياة مشوبة بالنواقص فلا بد من الاصلاح .ونادت بحرية الارادةالمطلقة .
لكن النظرية ظلت معطلة في الدولة الاسلامية دون تنفيذ…؟
ان نظرية المصلحة بحق، تعد مفخرة عالمية للبشرية بدأ بها الانسان منذ ان احس بانسانيته المقدسة .لكن الذي يحز في النفس ان الشعوب الاخرى والاوربية خاصة التزمت بها بعد نضال شاق مرير، وبعد ان فصلت مؤسسة الدين عن مؤسسة الدولة وعملت وطبقت الدساتير . لكننا لازلنا نحبو نحوها رغم ان جذورنا الحضارية تدعو لها سواءً في قوانين الاقدمين ام في الوثائق النيوية المعتمدة .ولا زالت رسالات السماء تدعو اليها ،ونحن لازلنا نتقاتل
4
على مصالحنا والواحد منا سواءً على مستوى الدولة او الفرد بعيدا عنها ،فقد طغت المطامع المادية على المبادىء المعنوية والاخلاق. وهذه كارثة تلازمنا اليوم في حكومات فقدت الشرعية الدينية والدستورية من وجودها،فالرئاسات الثلاث خرجت على الدستور العراقي في المادة 18 رابعا دون اكتراث من محاسبة القانون ، حتى غرق الوطن في الفساد والمفسدين واصبح الانقاذ والاصلاح شبه مستحيل…؟
على علماء الاجتماع العراقيين ان يتجهوا لمعاضدة دعوات الأصلاح المخلصة للمواطنين ،لوضع حد لاختلال سلوك الفرد العراقي قي هذه الظروف الصعبة، ووضع الحلول لقوانين المعالجة الاجتماعية لهذه الظاهرة السيئة التي وصم بها شعبنا عارا وشنارا، والتي مارستها قلة من المنحرفين ،والا من المستحيل ان يعتدي شعب على بنيته التحتية او يسمح للغرباء بتدميره وقتله بحجة الطائفية المزعومة البغيضة التي اوجدها المحتل بمساعدة الخونة والمارقين ،على طريقة كوكس البريطاني المحتل في الحرب العالمية الاولى (فرق تسد).
لقد كانت العشائر العربية اول من رفضها في اجتماع البصرة عام 1918 بعد وصول الانجليز اليها وطرد العثمانيين منها.فهل يصح ان تقبل اليوم من القادمين الجدد؟ فتحية للمخلصين امل العراقيين في المعاضدة لكل العراقيين،وتحية لمن يحتضنهم من اجل الوطن والمواطنين.
فهل سنحقق ما حققه المخلصون لأوطانهم، ونطرح من عقولنا نظرية الخطأ، لنعود بالحمية والمعاضدة بيننا ، حتى لا نبقى في مذمة التاريخ من المقصرين؟
ايها العراقيون هبوا هبة رجل واحد لأنقاذ الوطن قبل ان يغرق كما يخطط لكم
اعداء الوطن وأنتم نائمون…؟
[email protected]