المعضلة التي تواجه الأنظمة العربية أنها مركزية مشحونة بالروح التسلطية , مما يمنعها من تحقيق البناء وتشييد منارات الأمل والرجاء.
فالواقع العربي يشير إلى أنه أبوي إعتمادي يجرد الفرد من طاقاته ودوره وإبدعاته وإسهاماته في الحياة على جميع المستويات الإدارية والإجتماعية , حتى ليتحول إلى آلة منفذة لما يخطر على بال الكراسي المتسلطة على مصيره والمتحكمة بأيامه.
فعلى سبيل المثال في الدول المتقدمة , يمتلك المواطن إرادة متفاعلة مع غيره للوصول بالحالة التي هو فيها إلى أفضل ما يمكن تحقيقه , ففي حيّه ومحلته وزقاقه وقريته ومدينته هناك آليات تفاعلية لتلبية الحاجات الإنسانية , إنطلاقا من رؤاه ونشاطاته وجده وإجتهاده.
فتجد في كل وحدة إدارية جمعيات ومجالس تمثل أبناء المنطقة أو القرية أو أي محلة أصغر أو أكبر , ويتم فيها تدارس الإحتياجات وتوفير الموارد والقدرات الكفيلة بالإنجاز.
قبل أعوام وفي مدينة صغيرة إرتأى مجلسها المحلي أنها بحاجة لنادي رياضي عصري , لأن النادي الرياضي الذي فيها قد أصبح قديما ولا يفي بالحاجات المعاصرة , فما كان من أبناء المدينة إلا أن تدارسوا المشروع في المجلس وبعد عرضه على الناس وإقراره , بدأ أبناء المدينة بالتبرع لإنجاز المشروع , وقد تم بالفعل التنفيذ والإنجاز في أقل من عام واحد.
وهذا قد تحقق بعيدا عن الحكومة المركزية أو حكومة المقاطعة أو الإقليم أو الولاية , إنه نشاط أبناء المكان أيا كانت توصيفاته الإدارية.
وفي مدينة صغيرة أخرى يمكن توصيفها بالقرية , وكانت تعاني من قلة الموارد , فإجتمع مجلسها وتدارس المقترحات , وكيف يتم تحقيق نقلة إقتصادية نوعية فيها , وما كان منهم إلا أن فكروا بإنشاء كازينو , وتكاتفت جهود أبناء القرية وجمعوا ما جمعوه من المال , وبنيت الكازينو , وصارت ذات نشاط متواصل , فتطورت حولها المشاريع , من مطاعم وأسواق وفنادق , فازدهر الوضع المالي في القرية , وهذا النشاط أيضا بعيد عن السلطات بدرجاتها المتفاوتة , لكن القائمين بالعمل تمكنوا فقط من الحصول على موافقة للشروع بالمشروع وفقا للقانون.
وما أريد قوله , أن المجتمعات العربية ربما تكون مجردة من المسؤولية الفردية والجماعية , وتحسب كل شيئ يجب أن توفره الحكومة المركزية , وهذا الإقتراب يتسبب بتداعيات متواصلة وخرابات متنامية , تقضي على روح البناء والتقدم والرقاء.
فلو أن أبناء كل محلة يفكرون بما يمكنهم أن يقوموا به لتطوير محلتهم بجهودهم المتظافرة المتكاتفة , لإزدهرت القرى والمدن وتطورت , وبتقدمها جميعا تزدهر البلاد وتتقدم وتكون أقوى وأجمل.
إن الأوطان لا تبينها الكراسي خصوصا عندما تكون ذات نزعات أنانية سلطوية فئوية وتحزبية , وإنما يبنيها الأبناء الذين بجهودهم المتفاعلة يتمكنون من التحكم بالكراسي وتوجيه نشاطاتها نحو الصالح العام والوطن المقتدر العصام.
وهكذا فأن النشاطات الإيجابية الصغيرة أو المحلية ستؤدي إلى بناء وطني شامخ وراسخ , وعليه فأن المطلوب أن تتحفز القدرات والطاقات وينمو الشعور بالدور والمساهمة لدى المواطن العربي , لكي يخرج من محنة الإنصفاد بالعجز والإتكال على الحكومات المتكلة على الآخرين.