تعرف السنة القمرية بأنها المدة التي يحتاجها القمر للدوران حول الأرض أثنى عشر مرة كل دورة يتكون شهراً قمرياً واحداً ونظراً لكون الدورة القمرية الواحدة حول الأرض تستغرق 29.530588 يوماً ( تحديداً 29 يوماً وأثنى عشر ساعة وأربع وأربعون دقيقة و2.8032 ثانية) فإن طول الشهر القمري يكون 29 يوماً او 30 يوماً ، أما الإثنى عشر دورة (السنة القمرية) تستغرق 354.367056 يوماً وهذا يعني أنها أقصر ب 10.875 يوماً تحديداً من السنة الشمسية والمعتمدة في التقويم الميلادي ، ونتيجة هذا الاختلاف ما بين السنة الشمسية والقمرية من ناحية عدد الأيام وهو (10.875 يوم) فهذا يدل على أن أشهر السنة القمرية تتقدم كل سنة 11 يوم على أشهر السنة الشمسية ، وبذلك تكون اشهر السنة القمرية متحركة غير ثابتة في كل سنة نتيجة هذا الاختلاف ، السؤال الذي يطرح نفسه هل بإمكاننا أن نجعل هذه الأشهر القمرية ثابتة ؟؟ نعم يمكن أن نجعل هذه الأشهر ثابتة كالأشهر الميلادية ( السنة الشمسية) من خلال جمع ايام الاختلاف (11 يوم) وبعد ثلاث سنين نضيف شهراً للسنة فيصبح عدد الشهور ثلاثة عشر شهراً في تلك السنة فتصبح السنة كبيسة كما يفعل اليهود في شهورهم ، حيث يقسم اليهود سنوات التقويم الى دورات ذات 19 سنة في كل دورة 12 سنة عادية و7 سنوات كبيسة (13 شهر) والسنوات الكبيسة هي الثالثة والسادسة والثامنة والحدية عشرة والرابعة عشرة والسابعة عشرة والتاسعة عشرة من كل دورة .
ولكن عملية تثبيت الاشهر القمرية احتاجت أن نضيف شهراً لكل ثلاثة سنوات أي في السنة الثالثة يصبح عدد الشهور ثلاثة عشر شهراً وهذا يناقض القرآن الكريم ( إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله ..)…( 1).
هل أسماء الأشهر القمرية تشير الى ثبات هذه الأشهر كربيع الأول والثاني وجمادي الأول والثاني وكذلك شهر رمضان وغيرها ؟؟ كانت كل قبيلة من القبائل العربية قبل الإسلام لها أسمائها الخاصة بالأشهر القمرية ( بعد الإسلام بالهجرية) كالمؤتمر بدلا من محرم ثم ناجر وخوّان وبصان والحنين وربّى والأصم وعاذل وناتق وعلو وهواع وبرك ..(2) وأما العرب الأعاربة فكان يسمونها موجب وموجز ومورد وملزج ومصدر وهوبر ومويل وموهب وذيمر وجيفل وملحس ومسبل… ( 3) وغيرها من الأسماء ، واختلاف اسماء الشهور قد يعرقل تجمع القبائل في التجمعات الكبرى كالحج مثلا لذا تطلب توحيد اسماء الأشهر القمرية فعقد اجتماع يضم رؤوساء القبائل العربية في مكة عام 412 ميلادي في زمن الجد الخامس لرسول الله (صلى الله عليه واله ) …(4) كلاب بن مرة فوحدت أسماء الأشهر العربية في هذه السنة ولكن تسميتها كانت قبل ذلك وكل شهر سمية في وقت ما فمثلاً سمية الشهر الثالث باسم ربيع الأول لأن وقت تسميته عندما كان الوقت ربيع وسمية الشهر الخامس بجمادي الأول لأن وقت تسميته صادفت في وقت الشتاء والبرد وسمية الشهر التاسع بشهر رمضان لأن وقت تسميته صادفت وقت الحر الشديد وهكذا ، لهذا السبب نلاحظ تقدم الربيع على الشتاء ( ربيع الأول وربيع الثاني وبعدها يأتي جمادي الأول وجمادي الثاني) والصيف صادف في الشهر التاسع ، ومن هذا ينتج أن تسميت الأشهر القمرية تثبت أن هذه الأشهر غير ثابتة بل متحركة نتيجة الاختلاف بالأيام (11 يوم) مع السنة الميلادية .
ومن خلال قول الله سبحانه وتعالى ( إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين)…(5) ، نستنتج أن الأشهر القمرية (الهجرية) تتحرك كل سنة 11 يوم لأنه سبحانه وتعالى يقول أن عدة الشهور ثابت ولا يتغير أي لا يمكن أن يكون ثلاثة عشر شهراً وهذا ينتج كل ثلاث سنوات عند تثبيت الاشهر القمرية كالميلادية ( السنة الشمسية) وهذا يخالف قول الله سبحانه وتعالى ( إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله ..)…( 6)، وعدم ترتيب اسماء الاشهر القمرية على فصول الأربعة بالشكل الصحيح ( ربيع الأول والثاني قبل جمادي الأول والثاني ) وهذا دليل آخر على عدم ثبات الاشهر القمرية بل تحركها كل عام 11 يوم حتى يصبح شهر رمضان (رمضاء الحر) في الشتاء والربيع والصيف والخريف نتيجة هذا الاختلاف في الايام مع السنة الميلادية ( الشمسية) ، وهذه الاشهر القمرية عدةً وترتيباً من الله سبحانه وتعالى وهذا ما تثبته الآية الكريمة أعلاه وكذلك حديث رسول الله ( صلى الله عليه واله) عندما أراد الحج في السنة العاشرة للهجرة حيث قال (صلى الله عليه واله)( وإنَّ الزمان قد أستدار كهيئة يوم خلق الله السماوات والأرض السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم ثلاثة متوالية ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مفرد بين جمادي وشعبان)…( 7) .
وعندما تبين لنا أن الأشهر القمرية (الهجرية) هي متحركة نتيجة الاختلاف في عدد الأيام مع السنة الميلادية (11 يوم) وهي تبين لنا مواقيت تعبدية كثيرة إن كانت مستحبة أو واجبة فعلينا أن نعطي الجهد الكافي لكي ندقق في تحديدها من خلال مراقبة الأهلة بشكل دقيق وشرعي طبقاً لفتاوى مراجعنا العظام قال الله سبحانه وتعالى ( يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج ….)….( 8) ونقوم بالعمل التعبدي كما أراد الله سبحانه وتعالى ولا يؤثر به تغير المواسم والفصول كما هو الحال مع الصيام في شهر رمضان المبارك ، لأن الله سبحانه وتعالى قال (وما خلقت الجن والأنس الا ليعبدون ) ….( 9) والعبودية هي الطاعة والاستجابة لأوامر الله سبحانه وتعالى وترك نواهيه .
(1) سورة التوبة آية 36(2) التفسير الحديث- محمد عزة دروزة ج9ص434 ، كتاب الشهور العربية قبل الإسلام ..أسمائها ومعانيها (3) الشهور العربية قبل الإسلام .. أسمائها ومعانيها(4)شهر رمضان فى الجاهلية والإسلام – أحمد المنزلاوي ص 194(5) سورة التوبة آية 36(6) سورة التوبة آية 36(7) رسائل آل طوق القطيفي – أحمد بن الشيخ صالح آل طوق القطيفي ج4ص42، بحار الأنوار ج15 ص252، فقه الحج بحوث إستلالية في الحج – الشيخ لطيف الله الصافي الكلبايكاني ج1ص 14(8) سورة البقرة آية 189(9) سورة الذاريات آية 56