يعيش العراقي من حيث يدري ولا يدري تحت وطئة الكثيرمن الأشاعات والأخبار الكاذبة والمدسوسة، حيث يستمع ويشاهد يوميا عشرات الأخبار والحوادث المتنوعة سياسية، أقتصادية ، أجتماعية، صحية ، وغيرها من أخبار عبر العديد من الفضائيات ووسائل الأعلام المختلفة، والأهم والأخطر في ذلك هو فيما يصل أليه عبر مواقع التواصل الأجتماعي والفيس بوك من تلك الأخبار والحوادث، حيث أصبح هذا المواطن أسير هذا المحيط والجو الأعلامي المشحون والمضطرب والمتناقض، فالخبر الذي تسمعه عبر فضائية ما يمكن أن تقرأ تكذيب له في فضائية أخرى! أو حتى على نفس الفضائية في أسفل شريط الأخبار(التايتل!). وصار من الصعب على المواطن الهروب من هذه الأجواء والأخبار التي أرهقته نفسيا وفكريا وحتى جسديا!، فهو يدور مع هذه الأخبار وهي تدور معه منذ الأحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 ولحد الآن دون أن يلمس أي تغيير في ذلك عبر كل الحكومات التي قادت العراق من بعد الأحتلال ولحد الآن . بل هو يشعر أن قيد أسره الفكري والنفسي يزداد قسوة من حكومة الى أخرى!. نعود بالقول بأن المواطن صار من الصعب عليه الهروب والتخلص من ذلك، وأن أستطاع الهرب، لأيام ولأسابيع كما يفعل البعض ويبعد نفسه عن سماع ومتابعة الأخبار، ألا أنه في الأخير لا يستطيع الهروب بشكل نهائي!، لأنه يعيش وسط هذا المجتمع وهذه البيئة وهذا المحيط سواء في البيت أو الشارع وفي العمل، وفي أي مكان آخر، وكل هذه الأماكن تحوطها وتلوكها نفس الأخبار والتعليقات وكلها تدور ضمن حالة الفوضى واللاأستقرار، يغذيها وجود هذا العدد الكبير من الفضائيات التي تنقل الأخبار رغم الشكوك بأن الكثير من هذه الفضائيات تعمل بأجندة خارجية وتعرف كيف تدس السم بالعسل في عقل المواطن ، للتأثيرعليه وتشويش فكره الى حد تدميره!. لقد بات واضحا أن الأعلام العراقي هو أعلام منفلت وغير مراقب حكوميا وبعيد عن سيطرتها ولا يخلوا من الدس كما أشرنا الى ذلك. وكثيرا ما تم طرح موضوع الأعلام العراقي ومحاولة وضع الضوابط والأسس الأعلامية والمهنية له، بعيدا عن موضوع حرية الأعلام التي أسيء لها وأستغلت بشكل سلبي، ولكن بلا نتيجة فظل الأعلام سائبا منفلتا حاله حال الكثير من الأمور المنفلتة والغير مسيطر عليها في البلاد من قبل الحكومة!. ومما لا شك فيه أن هذه الأجواء غير الطبيعية والشاذة أنتجت حالة من عدم الثقة بين المواطن والدولة والتشكيك في كل ما يقال ويبث من أخبار، لا سيما ونحن نعيش حالة اللادولة واللاقانون، وسقوط هيبة الحكومات التي توالت على حكم العراق من بعد الأحتلال الأمريكي للعراق بسبب الفساد الذي أصبح عنوانا بارزا لها بلا عيب ولا خجل ومع الأسف!. فعلى سبيل المثال يمكن لزعيم عشيرة أن يرعب الحكومة ويفرض عليها ما يريد لأنه يمتلك القوة والسلطة والجاه والأفراد والسلاح بكل أنواعه!. ومما لا شك فيه أن مثل هذه الأجواء من التردي والتخلف الأجتماعي وأنتشار الأمية والتراجع الثقافي والمعرفي بل التراجع في كل شيء، خلقت أرضية خصبة لأنتشار الشائعات وخلقها وأختلاق الأخبار الكاذبة والملفقة لأسباب وغايات مغرضة كلها تدخل ضمن سياسة ( الفوضى الخلاقة)!، التي أنتهجتها السياسة الأمريكية في العراق، وأستمرت على تغذية هذه الفوضى عبر كل الحكومات التي قادت البلاد منذ أحتلالها للعراق بدأ من حكومة علاوي في 2005 وأنتهاء بالحكومة الكاظمية الحالية!. التي يحاول رئيسها السيد (مصطفى الكاظمي) واهما أن يظهر للناس أو يوحي لهم بأنه يريد الخروج من عباءة وجلباب المحاصصة الذي أرتدته كل الحكومات التي سبقته!، ولكنه نسى بل وتناسى، بأنه جاء أصلا من رحم المحاصصة منذ تبوأه لمنصب مدير المخابرات في حكومة الرئيس الاسبق (حيدرالعبادي)، فكيف سيخرج منها؟. نعود الى الأنفلات الأعلامي فهو لا يقل خطرا عن الأنفلات الأمني، بل هو أكثر خطورة منه!، فالأعلام المشوش والمدسوس والمسيس والمليء بالأخبار الكاذبة هو قاتل بدون سلاح!، فكم من مواطنين يصابون بأرتفاع ضغط الدم والسكر وأزدياد ضربات القلب بسبب الأعلام وما يبثه من أخبار غالبيتها مزعجة ومملة ومخيفة ومكررة وخاصة اللقاءات والندوات ووجوه الضيوف من السياسيين والنواب الذين لا يجيدون ألا فن الكذب! فطالما نسمع العراقيين يرددون عبارة ( يمعود ملينه من الأخبار كلها كذب بكذب طلعوا روحنه!، ياخي ما اريد أسمع أخبار تحترك أعصابي ويرتفع ضغطي راح أنجلط من وره الأخبار) وغيرها الكثير من العبارات والتعليقات!. أن أهم سبب لكل هذه الفوضى والأنفلات وغياب هيبة الدولة وأنتشار الشائعات هو لأن الغالبية ممن أساؤا الأدب ونهبوا وسرقوا وأفسدوا وقتلوا وأجرموا أمنوا العقاب! لا سيما (وأن النفس أمارة بالسوء، ألا ما رحم ربي) كما قال الله عز وعلا، فممن يخاف؟ أيخاف الدولة وأين هي الدولة أصلا؟ أم يخاف الله وهو يعرف بأنه الرحيم والغفور وذو الحلم والصبر الطويل على البشروأخطائهم؟ أم يخاف الضمير الذي لا وجود له أصلا في تكوين ونفوس هؤلاء المسيئين؟. أخيرا وكأن لسان العراقيين بسبب بؤس هذه الحياة وآلامها يقول: نحن نموت موت بطيء فلم يبق من العمر أكثر من الذي مضى فنحن ومنذ عقود نعيش الهم والألم والحسرة والأماني الضالة والضائعة، حتى صار يقينا لدينا بأن أمسنا أحسن من يومنا ويومنا أحسن من غدنا. ولا حول ولا قوة ألا بالله.