صلاح الدين الأيوبي
مقدمة :
كعادتهم دوما ، ينهج المهتمين بالموروث الأسلامي ، من شيوخ وفقهاء وأئمة ودعاة ، بتعظيم القادة المسلمين ، تعظيما أعمى ، دون البحث والتدقيق بالجوانب المظلمة لهذه الشخصية أو تلك ، واضعين نصب أعينهم معتقد أو دين الشخصية كمحرك رئيسي وأدات تقييم محورية للبحث ، غافلين دموية ووحشية هذه الشخصيات في معالجة بعض الاحداث والوقائع ، وبذات الوقت ، صانعين منهم أيقونة ، لا يمكن المساس بها بأي شكل من الأشكال ، وصلاح الدين الأيوبي – موضوع البحث ، هو أحد هذه الشخصيات ، التي سأتعرض لها في هذا المقال ، وسأسرد أولا نبذة مختصرة جدا عن سيرته / ونحن لسنا بصددها التفصيلي لأنها معروفة ومتداولة في الكثير من المصادر والمراجع ، ومن ثم سأعرض قراءتي الخاصة للبحث ، الذي شكل أزمة ، خاصة من قبل مفكري ومثقفي مصر .
النص : هو المظفر صلاح الدين الأيوبي ( (532 – 589 هجري ( 1138 – 1193 ) ميلادي ، قائد عسكري أسس الدولة الأيوبية التي وحدت مصر والشام والحجاز وتهامة واليمن في ظل الراية العباسية ، بعد أن قضى على الخلافة الفاطمية التي استمرت 262 سنة ، قاد صلاح الدين عدّة حملات ومعارك ضد الفرنجة وغيرهم من الصليبيين الأوروبيين في سبيل استعادة الأراضي المقدسة التي كان الصليبيون قد استولوا عليها في أواخرالقرن الحادي عشر ، وقد تمكن في نهاية المطاف من استعادة معظم أراضي فلسطين ولبنان بما فيها مدينة القدس ، بعد أن هزم جيش بيت المقدس في معركة حطين ، كان صلاح الدين يقول بمذهب أهل السنة والجماعة ، وروي أن عبد القادر الجيلاني دعا له ، وهذا يفسر أتباعه الطريقة القادرية فيما بعد ، وبعض العلماء كالمقريزي ، وبعض المؤرخين المتأخرين قالوا : إنه كان أشعريًا ، وإنه كان يصحب علماء الصوفية الأشاعرة لأخذ الرأي والمشورة ، وأظهر العقيدة الأشعرية ، ” يشتهر صلاح الدين بتسامحه ومعاملته الإنسانية لأعدائه ” ، لذا فهو من أكثر الأشخاص تقديرًا في العالمين الشرقي الإسلامي والأوروبي المسيحي ، حيث كتب المؤرخون الصليبيون عن بسالته في عدد من المواقف ، منها عند حصاره لقلعة الكرك في مؤاب ، وكنتيجة لهذا حظي صلاح الدين باحترام خصومه لا سيما ملك إنگلترا ريتشارد الأول ” قلب الأسد ” .. / نقل بتصرف وأختصار من موقع الويكيبيديا . ولكن أين الحقيقة من كل ما كتب عنه ! هذا هو السؤال ! .
القراءة :
ليس من المتداول السهل والمقبول أن يتم أنتقاد الشخصيات الأسلامية ، وخاصة أذا كان الكاتب المنتقد يعيش ضمن حدود الدول العربية ، ولكن القامات الفكرية الجريئة ضربت الأمر عرض الحائط / بما به من خطورة ، في سبيل طرح الحقائق التاريخية المؤكدة وفق المراجع والمصادر المعتمدة ، وسأتناول في الأتي عرضا لبعضها : أولا – أرى أن طروحات المفكر يوسف زيدان ، كانت الأخطر والأجرأ في هذا الصدد ، حيث وصفه ب ” واحد من أحقر الشخصيات في التاريخ الإنساني ” ، ومن المؤكد هكذا قامة فكرية أن يوصف الأيوبي بهكذا وصف أن يقترن نعته بدليل ومراجع معتمدة ! ، فقد جاء في موقع / عربي 21 ، التالي أنقله بتصرف وبأختصار ( تهجم المفكر المصري زيدان على صلاح الدين الأيوبي قائلًا إنه ” واحد من أحقر الشخصيات في التاريخ الإنساني”. وفي مداخلة لزيدان ببرنامج “كل يوم” على فضائية “ONE” مع الاعلامي عمرو أديب قال : ” قصة وا إسلاماه ومعركة عين جالوت تزيد إحساس العنف عند الأطفال وكلها مغالطات تاريخية وقبل سنة 1950 مش هتلاقي صلاح الدين ده ولا قظز ده”. وتابع “صلاح الدين من أحقر الشخصيات في التاريخ الإنساني ، تعرف أن الفاطمي ظلوا في مصر 250 سنة وهم من نسل آل البيت ، لما جه صلاح الدين عمل فيهم جريمة ضد الانسانية ، عزل الرجال ابتداء من الرضع في مكان ، والنساء في مكان آخر حتى لا يتناسلوا وحرق مكتبة القصر الكبير التي كانت أهم مكتبة في العالم بدعوى سياسية معتادة تستعمل حتى الآن وهي مواجهة الفكر الشيعي”. ) .. ومن موقع مصر فايف أنقل تكملة لأحاديث د . يوسف زيدان ، ومن ناحية تضخيم معارك صلاح الدين قال ( قد شارك في 3 معارك ، خسر في اثنان منهم وانتصر في معركة واحدة وهي معركة حطين ، ليعلق عن ذلك قائلًا ” الناس دي بتضحك عليكم ” ) ، ( وبأن صلاح الدين لم يكن هو “محرر القدس والشام” كما يعتقد البعض ، بل من قام بتحرير القدس فعليًا هو “المنصور بن قلاوون”. ) ، ( وأضاف زيدان في تصريحاته والتي أثارت جدل كبير ، بأن صلاح الدين قد شارك في إبادة حي كامل من أحياء القاهرة كان يسمى “ حي المنصورة ” وذلك طبقًا لما ورد في “المقريزي” ، والذي أكد كذلك على كون عدد القتلى خلال تلك الإبادة كان 50 ألف ، عند مؤرخين آخرين كالمؤرخ الذهبي ، قال إن عدد القتلى وصل إلى 200 ألف من السنة ، وكلهم من المسلمين السنة !! ) .
* أضاءة : من الطرح أعلاه ، يظهر لنا أن مدى التغييب والتجهيل الذي وقع به الجمهور العربي / الأسلامي خاصة ، من قبل رجال الأسلام مفكرين وشيوخا ودعاة ، وذلك لأننا شعب لا يقرأ ، يتلقن فقط ، هكذا كان حالنا في المدارس ، فالمسوؤلون عن التعليم أجرموا بحق العملية العلمية التاريخية ، في بث موروث أسلامي مدلس مملوء بالأكاذيب والخرافات ، الحقائق مغيبة والوقائع مدلسة خدمة في أعلاء شأن الشخصية الأسلامية ، مهما ما كانت دموية ، والأيوبي هو أحد هذه الشخصيات غير انسانية واقعا وفعلا وحراكا ، أضافة الى أجرامه الثقافي والحضاري لحرقه مكتبة القصر الكبير في مصر ! .
ثانيا – أما المفكر د . سيد القمني ، فكان أنطلاقه حول نقد صلاح الدين الأيوبي من جهة أخرى وهي ” المقدس “، سأتي على ذكرها لاحقا ، حيث قال وفق / موقع وطن ، التالي ( شن المفكر والكاتب العلماني المصري ، د . سيد القمني ، هجوما غير مسبوق على القائد الإسلامي صلاح الدين الأيوبي ، زاعما بأنه ارتكب جرائم يندى لها الجبين ضد المصريين ، على حد قوله . وقال “ القمني ” في لقاء مع قناة “ الحرة ” الامريكية : “ عندنا حاجات كدا مقدسات ” ، متسائلا : “ هل صلاح الدين الأيوبي من ضمن المقدسات ؟ ”. وأضاف قائلا : “ صلاح الدين الأيوبي ليس هو احمد مظهر ” في إشارة لفيلم الناصر صلاح الدين ” للمخرج يوسف شاهين .. صلاح الدين الأيوبي ليس الفيلم الذي ظهر ليمجد جمال عبد الناصر .. صلاح الدين الأيوبي له جرائم يندى لها الجبين ”، وفق مزاعمه . وفي نفس المقابلة ، دعا “ القمني ” إلى تحييد الدين مشيرا إلى أن الحل من وجهة نظره هو تهميش الدين لدى المجتمع . وطالب “ القمني ” بأن يقتصر ممارسة الدين في دور العبادة فقط ، وان من يريد الدين يذهب إليه إلى المعبد ، مطالبا بعدم خروجه إلى المجتمع .
* أضاءة : في هذه الأشارة نرى أن ” السيد القمني ” يفصل في نظرته للأمر ، بين المقدس وبين غير المقدس ، ولأن صلاح الدين الأيوبي فردا عاديا ، قتل وذبح وظلم وخان و.. ، فأنه يخضع للأنتقاد والتقييم ، حاله ووضعه كأي فرد عاد غير معصوم وغير مقدس ، فقط أن منصبه أو وضعه كان قياديا ، أنه ليس برسول أو نبي ، وليس أفعاله وتصرفاته منزهة عن التعرض لها ! ، وأرى أن تحييد الدين في عملية النقد أساس موضوعي لكي يكون أي عمل تام ونزيه وقويم في نفس الوقت ، أخيرا أن سيرة صلاح الدين الأيوبي ليست سنة نبوية ! .
ثالثا – أما مذهبيا فسأتناول ما تطرق أليه د . أحمد راسم النفيس / من رواد شيعة مصر ، بمقاله : صلاح الدين الأيوبى دمر مصر ، أنقله بتصرف ( حيث أكد أن صلاح الدين الأيوبى دمر مصر كلها ولم يقم بتدمير تاريخ الفاطميين والشيعة فقط ، حيث إن تدميره لمكتبة دار الحكمة والتى كانت تحوى أكثر من 2 مليون كتاب ، والتي تعد بمثابة جريمة حضارية فى حق المصريين جميعاً ، وأوضح النفيس أن صلاح الدين كان يريد محو تاريخ من سبقوه ، حيث قام كذلك بهدم أهرامات الجيزة ، والتى كان عددها 18 هرما بجوار الأهرامات الثلاثة الموجودة حالياً والتى لم يتمكن من هدمها ، مضيفاً أن صلاح الدين قام بتسريح الجيش المصرى والإبقاء على فرق الحرس الجمهورى الخاص به . وفجر النفيس مفاجأة جديدة بقوله : « إن دولة إسرائيل تأسست على يد صلاح الدين ، حيث إن الاستيطان اليهودى بدأ فى فلسطين على يد صلاح الدين ».. مشيراً إلى أنه لم يكن هناك أى يهودى على أرض فلسطين قبل الاحتلال الصليبى للقدس وتابع النفيس : « إن صلاح الدين كان مرتزقاً تابعاً للسلاجقة الأتراك الذين حكموا بغداد ، وكانت قبائلهم قائمة على السلب والنهب ».. مضيفاً أن المقريزى قال إن صلاح الدين هو الذى قام بتحويل الفلاح المصرى إلى «عبد قرار» أى لا يملك بيع أو شراء نفسه .
وبنفس الصدد قال محمد الدرينى : « إن صلاح الدين تعمد أن يحدث نوعاً من التجهيل للمذهب الشيعى لدى الشعب المصرى ، حيث هاجم هذا المذهب بشتى الطرق ، وحرق كتب الفاطميين وطاردهم فى مصر حتى هرب عدد كبير منهم إلى خارج البلاد ، حيث هربت مجموعة من الشيعة للهند وأطلقوا على أنفسهم طائفة البهرة ».
* أضاءة : في هذه الفقرة يظهر وجه صلاح الدين الأيوبي الطائفي المذهبي ، متمركزا ضد مذهب آل البيت / الشيعة ، وعمله على أنهاء معتقدهم وطمس ثقافتهم كليا ، هذا من جانب ، ومن جانب ثان انه سلك دورا في أنهاء حضارة ما قبله ، وترسيخ وجوده الحالي ، وفي هذا تحطيم للحضارات المتتالية ووقف لتعاقب الثقافات ، وما هدم الأهرامات .
كلمة :
لقد آن الأوان لكسر الأيقونات وتحطيم الأصنام للشخصيات الأسلامية المشبوهة ، صلاح الدين الأيوبي أحد هذه النماذج ، فلا قداسة لفرد ، ولا عصمة لبشر ، الكل يجب وضعه تحت المجهر ، ليعرف الجمع ما مخبأ وراء الزوايا المغلقة المظلمة ، المحجوبة خفاياها قسرا عن العامة ، وحان الوقت لتحييد وأبعاد شيوخ ودعاة وفقهاء الأسلام عن البحث العلمي الحر ! .