يقول القرآن الكريم:( أفنجعلُ المسلمينَ كالمجرمينَ،مالكم كيف تحكمون ،القلم 35-36) . يقول الناشر لهذا الكتاب القَيم مع التصرف :
هناك دين واحد عندالله هو الاسلام ،بدأ بنوح(ع)، وتنامى متطوراً متراكماً على يد النذر والنبوات والرسالات ، الى أن خُتم َ متكاملاً بالرسول الأعظم محمد(ص). والأسلام هو دين الفطرة التي فطر الله الناس عليها،وهو منظومة المثل العليا،وهو العروة الوثقى ،وهو السراط المستقيم.
الاسلام فطرة .. والأيمان تكليف، الأسلام يتقدم على الأيمان،أذ لا أيمان بدون أسلام يسبقه ويأتي قبله.المسلمون هم معظم أهل الأرض،أما المؤمنون فه أتباع محمد(ص).فأبراهيم (ع) أبو المسلمين، ومحمد (ص) ابو المؤمنين.
من هذه الأسس ينطلق المؤلف في هذا الكتاب، لفهم الفرق بين تعاليم الاسلام وتكاليف الأيمان بدلالة الفرق بين الكتاب والفريضة والموعظة،وما يترتب عليه من قوانين الأرث وأنصبته.
ومن هذه القواعد ،وبدلالة الفرق بين العباد والعبيد،ينتهي المؤلف الى أن التنزيل الحكيم لم يعترف بالرق ولم يُجزه، ولم يلغيهِ ،وأن كان قد ذكره ذاماً لظروفه المعقدة يومذاك . وأن ملك اليمين لا يعني الرق البتة،وأنما يعني أسرى الحروب،لكن الدولة عجزت عن وضع قانون انساني يحميهم،وان العلاقة بين الله والناس علاقة عبادية وليست علاقة عبودية أستبدادية ،لم يفهمها الفقهاء ولم يضعوا لها قواعد سلوكية ثابتة ،فظلت عائمة الى اليوم.ويعتقد الكاتب ان العبادات تتحلى في كل حقول
2
الحياة،لكنها لم تدرك ولم يؤسس لها قانون ملزم للمسلمين والمؤمنين معاً .وأن قوة الاسلام يتمثل في مدى الألتزام بمادئه وتطبيقها فهي أمر لا أختيار.
من هذا المنطلق نقول ان تعريف الكفر والشرك والأجرام والألحاد بحاجة الى دراسة وتعريف بعد أن فقد الفقهاء السيطرة على تعريف محتواها ومقاصدها.
ويختم المؤلف رأيه في الاسلام والسياسة ، فيبين ان الاسلام ، من حيث هو توحيد ومثل عليا انسانية ، غير قابل للتسييس، وأن محاولة تسييس الاسلام ، ومحاولة البعض الأخر أسلمة السياسة ،أضاعت السياسة والأسلام معاً.
ان الدراسات الاسلامية والسياسية الحالية بحاجة ماسة جداً الى دراسة الخلل الكبير الذي حدث فيها منذ النشأة الأولى للدولة الاسلامية نتيجة خطأ تفسير النص الديني من قبل مفسري الفِرق الاسلامية المختلفة ،لذا فهي بحاجة الى اعادة نظر في العديد من المنطلقات الفكرية السائدة اليوم والتي أخذت شكل تيارات ثقافية حديثة كل منها يدافع عن نفسه ليبرهن انه الافضل ومنها:
التيار الذي يدعم سيطرة الثقافة الغربية و يعتقد انها الثقافة النهائية التي يتمحور حولها سير التاريخ.
ويمثل كتاب نهاية التاريخ لفوكو ياما هذا التيار .
وهناك التيار الماركسي بقسميه تيار الفكر الماركسي الفاشل والتيار الطوباوي ، وكليهما لم يوضحا لنا بعد نظريتهما فظلت تردد على ألسِنة معتقديهما دون تحليل حتى أصبح الفكر الشيوعي اليوم في تيه فكري تام.يفتش عن الوئام والاخر يريد التثبيت دون جدوى من المؤيدين .
وهناك التيار السلفي العالمي الذي يتمحور في السلفية الاسلامية والسلفية الاصولية الارذوذكسية والسلفية التقليدية الهندوكية .لكن الذي يهمنا هو تيار السلف الأسلامي في الوطن العربي الذي ظل متقوقعاً متشبثاً بالتراث واشبه بالميت دون حراك.
3
اما مشاريع الحداثة التي طرحت في الوطن العربي متمثلة بجمال الدين الافغاني ومحمد عبده ورشيد رضا كانت بداية لانطلاقة جديدة لكنها مع الاسف انطلقت من مسلمات وردت في التراث الديني فوقفت عاجزة عن التحرك الحضاري المطلوب،كما هو ابن خلدون.
لقد التقى اصحاب التيار السلفي وتيارالحداثة في أستبعاد الاخلاق والقانون من مشاريع التجديد والتحديث لديهم ،حين أستبعدوا الاحسان والعمل الصالح من أركان الاسلام واركان الأيمان التي تم تأسيسها على أيديهم.فأصحاب التيار السلفي حددوا أركان الاسلام :بالشهادة والصلاة والزكاة وصوم رمضان والحج من أستطاع اليه سبيلا.
أما أركان الأيمان فقد تمثل عندهم،بالأيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر خيره وشره. ووافقهما أصحاب تيار الحداثة في معظم ما طرحوا مع التحفظ.
هنا لم يحقق الأثنان اهدافهما المطروحة . بعد ان فسروا النص الديني والسيرة النبوية على هواهم،واعتقدوا بأنهم يملكون الحقيقة المطلقة فهما وتطبيقاً.ولكنهم مادروا أنهم أختزلوا التاريخ والجغرافيا وسكان العالم ومشاكله وحلولها في أرائهم.
هذه الاختزالات عكسها الامام الشافعي في كتابه (الرسالة)الذي حدد فيه اصول الفقه الاسلامي وأعتبرها القانون الذي يجب ان لا يخرق ، وما زالت هي المعتمدة الى اليوم.والتي ارتبطت بتقديس النص التراثي الذي اصبح منهجا في مدارسنا حتى بَلدَ افكار جيلنا الجديد جيلا بعد جيل. وبعد ان استبعدت العمل الصالح ووضعت القانون الاخلاقي في المرتبة الثانية من سلم الاولويات وهنا تكمن المآساة.وها ترى مدارسنا اليوم بعد ان سيطر عليها الفكر الديني معزولة عن الانفتاح الفكري تماما ولا يرجى منها التحديث.
4
نرجو ممن يطلع على هذا الفكر النيرالذي يحاول نزع الحقيقة أنتزاعا وبمشقه وصعوبة بالغة من النص لتداخل أراء الفرق المختلفة في تفسيره، عليه ان لا يحكم على الكتاب الا بعد متابعة كل فصوله ، لمعرفة مشكلة المعرفة والاخلاق والحرية والحداثة ،حتى نكون على الاقل ،مالكين لوعي معرفي واجتماعي وسياسي افضل،واسمى في تحديد الحقيقة التاريخية..
وعسى ان يكون هذا القرن قرن حرية العرب ووحدتهم كما ارادها الفكر الحر وجاءت نصاً في دستور المدينة (الصحيفة) كي يشغلوا موقعا أفضل في صنع الحضارة الانسانية ،ويشاركوا في صنع القرار السياسي العربي والعالمي بعد ان تأخرنا كثيراً عن الركب الحضاري العالمي…واصبحنا في هامش التاريخ..؟