المقدمة :
بموت محمد أنتهى الأسلام كرسالة ودعوة – وذلك بأجتماع ” سقيفة بني ساعدة ” / سنة 11 هجرية ، وتحول الأسلام من ذلك الوقت ، من كونه ” رسالة محمد ” ، تحول الى وسيلة للسلطة والحكم ، ومن ثم بدأت مرحلة تأسيس حقبة الأسلام كمفهوم أيدولوجي سلطوي – بسقف لاهوتي ، والذي يقوم على أساس : أن محمدا هو خاتم الأنبياء { مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَـٰكِن رَّسُولَ اللَّـهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا / 40 سورة الأحزاب } والذي أستخدم ” كغطاء فقط ” ، وأن كل ما جاء به الأسلام من موروث / قرآن وسنة وأحاديث .. ، هو أخر الحقائق ، وهذه أشكالية رئيسية خاصة أذا عرفنا أن الأسلام الأيدولوجي ، قد قسم العالم الى فسطاطين – في أول الأمر ، الى : – مسلم وكافر ، وكل كافر بالنار ( وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاَ يَسْمَعُ بِى أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِىٌّ وَلاَ نَصْرَانِىٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِى أُرْسِلْتُ بِهِ إِلاَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ / رواه مسلم ) ، ومن ثم بدأت مرحلة التكفير بين المسلمين أنفسهم ، وظهر التمذهب وبدأت الطوائف والفرق تأخذ دورها بين المسلمين ، وذلك عن طريق الأئمة والفقهاء والشيوخ ، وبرز مفهوم الفرقة الناجية ” فعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ : أَلَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَامَ فِينَا فَقَالَ : أَلَا إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ افْتَرَقُوا عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً ، وَإِنَّ هَذِهِ الْمِلَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ ، ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ ، وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ ، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ / رواه أبو داود ( 4597 ) وغيره وصححه الحاكم( 1 / 128 ) ” . * هذا ما كان بأختصار هو القاعدة الأساسية والمرجع الرئيسي لكل ما تشكل فيما بعد من دول وأفكار ومذاهب وطوائف ..
القراءة : بناءا على كل ما ذكر سأسرد بعض الأضاءات : 1 . وبعد أكثر من أربعة عشر قرنا من التطاحن الأسلامي الأسلامي ، ما هو وضع الدول العربية الأن / في القرن الواحد والعشرين ! ، أرى أن معظم الدول العربية و الأسلامية لم تحقق أي تقدما ملحوظا على مستوى الحضارة العالمية – وأختزل دورها الدولي : على أنها مصدرا للثروات / النفط والغاز ، الموقع الستراتيجي ، وبعض الأدوار السياسية الأقليمية ! . ولا زالت هذه الدول تعيش على هامش التقدم والتحضر الدولي ، لأنها دول مستهلكة غير منتجة ! .
2 . معظم الدول الأسلامية – دولا تعيش فراغا فكريا ، ولازال الدين شغلها الشاغل ، لأن الأسلام لا زال هو المهيمن على حراكهم المجتمعي ! ، ولا زالت دساتيرهم بمرجعية قرآنية ، ولازال الدين الرسمي للدولة هو الأسلام ، فكيف لهذه الدول أن تخرج من شرنقة الأسلام الى الفضاء الحر ، الى العالم الحضاري والأسلام مصدرها الحياتي والفكري ! .
3 . الدول الأسلامية على مفترق طرق ، أما أن تبقى في قاعها المظلم ، علما وفكرا وحياة ، وأما أن تبزغ من مخاضها الأليم ! ، لتتشكل بعيدا عن أيمانها بمعتقدات باتت خارج نطاق الزمان والمكان ! ، وهذا لا يمكن أن يكون ألا بنقض مفاهيم نامت على صدور شعوبها دهرا من الزمن ، كمفهوم ” أن الأسلام هو الحل ” .
4 . الأسلاميون لا زالوا يمارسون أنفصاما فكريا – خاصة الذين يعيشون في الغرب ، كلما تعافوا من هذا الأنفصام ، رجعوا وأصيبوا بأنفصام أكثر داءا من الأول ! . فهم يعيشون في مدن الكفار ، وينعمون بخيراتها – معيشة وسكنا وتطبيبا وتدريسا ، وبذات الوقت يمارسون الأرهاب على الدول التي تأويهم !! ، ويكفرون شعوبها ، ولكن لا يغادروها الى بلدانهم الأصلية ! .
5 . كان العالم ينتظر ربيعا عربيا – تحققه الجماهير العربية من أجل دولها ، ولكني شخصيا أرى ، أن التغيير لا يتم بتبديل أو بأسقاط الأوجه الرئيسية للأنظمة ، أن التغيير يتم بتغيير الموسسات التي تطبق القوانين ، فيجب أن تكون هناك ثورة داخل الأنظمة المؤسساتية ! ، أن البلدان الأسلامية تحتاج الى تغيير جذري للأنظمة بأيجاد نظام مدني علماني من أجل النهوض التام .
الخاتمة : أولا – أن العالم الأسلامي ، لم ولن ينهض من عزلته بخطاب أسلامي معتدل ، وذلك لعدم وجود أسلام معتدل أو أسلام متطرف ! ، يوجد أسلام ، والأسلام حزمة واحدة لا تتجزأ – القرآن والسنة والأحاديث .. ، بعد موت رسول الأسلام وتشكيل الخلافات والدول ! ، لم نخطو خطوة الى الأمام ، وأن تقدمنا خطوة تراجعنا خطوات ! ، أن سبب هذا التراجع ، هو مسار التاريخ الأسلامي ، الغارق في الدم والحروب والقتل ، فبعد العهود العربية جاءت الدولة العثمانية التي حطمت بعنفها وتوحشها ، ما بقى من أطلال العرب ! ، كل هذا أدى الى خلق هذه الدول العربية المتهالكة مع دول أسلامية أكثرها ظلامية .
ثانيا – رجال الدين ، شكلوا منذ القدم والى الآن دورا مخربا لكل المفاهيم المجتمعية ، فقد نصبوا من أنفسهم أوصياءا على الشعوب ، ولعبوا على حبل الدين بشكل مقيت ، حتى دفع بالكثيرين الى ترك الأسلام ، وهذا الأمر يجب أن يعالج من جذوره .
ثالثا – حاليا أرى وجود المؤسسات الدينية ، كالدولة العميقة داخل الدولة الرسمية ، وهي التي تقف سدا منيعا أمام أي أختراق لخنادق الظلام الذي وجدنا فيه ! ، فهدم هذه المؤسسات تحرر الفرد من تقديس الأفراد ، وتجعل من الدين أيمان فردي غير مسييس ، غير تابع لأي جهة ، حر الرأي ، غير مقيد الأرادة ، وهذا الذي نصبوا أليه في زمن يسوده التعصب وألغاء وتكفير الأخر .