قال أحدهم قبل مايقرب من أربع سنوات:
– (إن ما شهدته الأيام الماضية من حراك سياسي واسع من قبلنا لجمع وجهات نظر الكتل الفائزة وصل الى مراحل متقدمة) .
وقال آخر:
– (يتساءل الكثير حول مساعينا في تشكيل تحالف عريض يضم عددا من الكتل الفائزة المنسجمة، للخروج من بودقة التكتلات الضيقة الى تحالف شامل واسع).
وقال ثالث:
– (مبادرتنا تهدف الى تقليل الجبهات المتفاوضة لتشكيل الحكومة القادمة عبر جمع العناوين والبرامج والرؤى المتعددة تحت عنوان ورؤية واحدة).
ورابع:
– (لا نسعى من خلال هذا الحراك الى زعامة او منصب او مكان متقدم وان كان هذا مشروعا، بل هدفنا انقاذ العراق من نفقه المظلم).
ماتقدم من سطور مقتطفات من روائع ماأتحفنا به سياسيون قبيل انتخابات المجلس التشريعي الأخيرة، وقد كان حدسي حين حفظتها أن الحاجة الى التذكير بها ستحين يوما ما، وهاهي قد حانت بالفعل، ولا أظنني أمتلك الملَكة الخارقة في التنبؤ، او القدرة الفائقة على التخمين الدقيق، كما أنني لست (فتاح فال) ولا أفقه في ضرب الـ (تخت رمل) إلا أنني أسوة بثلاثين مليون عراقي، بتنا نستقرئ الأحداث والنتائج قبل وقوعها، فنأتي بالتحليل الصائب والتشخيص الثاقب.
أقول، رائع جدا أن يعمل المرء من أجل خدمة الناس، فـ (خير الناس من نفع الناس)، والأكثر روعة حين يبادر الى هذا من يشغل منصب قائد جماعة، او رئيس قوم، كما هو الحال في رؤساء الأحزاب والكتل الذين استحدثوا مؤخرا تحالفات وائتلافات فيما بينهم، بغية فتح طريق يتسنى لهم من خلاله خدمة المواطن، واستحداث سبل لوضعه في مكانة هي في حقيقة الأمر استحقاق له في بلده، وكان حريا بهم أن يكونوا سباقين في تحقيقه له خلال السنين الماضيات من عمر العراق الديمقراطي الفيدرالي كما يدعون. ومعلوم ان القائمين بأمر المواطن والحاكمين بمصيره، انقسموا -قبل التحالفات- خلال تلك السنين الى فئتين؛ فمنهم من أتعب نفسه جادا وجاهدا في سبيل دفع عجلة العراق المتأخرة الى الأمام، ومنهم من سعى بكل جد وجهد الى وضع العراقيل أمام تلك العجلة، وتأخير سيرها لغاية (في نفس يعقوب).
أرى أن سؤالا يفرض طرحه علينا بعد تلك السنين والأحداث التي رافقتها؛ ما الجديد الذي سيأتي به رجالات الفئة الثانية بعد تحالفهم مع آخرين، إذا كان التاريخ قد سجل لهم في صفحاته الأولى مواقف لم تكن تخدم البلاد والعباد؟ فكثير منهم قدموا للبلاد ما ضره، وأساءوا للعباد أيما إساءة، وتشهد لهم قبة البرلمان بما سببوه من تلكؤات في قراءة او إقرار او تشريع، في العديد من القوانين، فضلا عن سعيهم الحثيث في تعويق كل مامن شأنه خدمة العملية السياسية، ناهيك عن تفضيل مصالحهم الخاصة والفئوية والحزبية، وإعلائها على المصلحة العامة. وباستطلاع سريع على مايدور من أخبار في هذا الجانب، يتضح جليا للناظر والسامع أول وهلة، ان جميع الكتل والأحزاب بأعضائها ورؤسائها، تروم خيرا للعراق والعراقيين، ولها من النيات أصفاها، ومن الغايات أنبلها، ومن المخططات أكثرها نفعا للبلاد، فهل هم حقيقة ماضون بما يدعون ويروجون له ويصرحون به؟ أم كعادة أسلافهم (وأجلافهم) مراؤون مخادعون كذابون!