18 ديسمبر، 2024 8:46 م

الأسفار الكونية: المدينة الثانية

الأسفار الكونية: المدينة الثانية

ألوادي ألثّانيّ من آلمحطات ألكونيّة – ألعشق
المقدمة: أسفارنا الكونية؛ هي السياحة المعنوية لبناء وجدان الأنسان او ضميره أو ما عبّرنا عنه بآلعقل الباطن, و قد أمرنا الله تعالى بذلك لأنها هي التي تفتح عقولنا على المعارف و توسع من نظرتنا للأنسان و الوجود, و الحقيقة التي يتمّ كشفها من الأسفار و السياحة؛ هي سرّ الجّمال في المخلوقات, و يتطلب معرفة المعايير الخاصة بقوانين و أبعاد الجمال كمقدمة لمعرفة سرّه ولا تعرف المعايير الخاصة إلا بعد معرفة المعايير العامة, لأنّ الله تعالى حين أمرنا بوجود هذه المعرفة؛ ألتي تنقلنا من الحالة البشرية – الحيوانية – الى الحالة الأنسانية ومن ثمّ الآدمية التي معها يندثر القبيح تماماً فنصبح من أجمل خلق الله ألجميل اللطيف,[إنّ الله جميل و يُحبّ الجّمال] كما أخبرنا الرسول الخاتم(ص), فيتطلب منا أن نتطبع بآلصّفات اللطيفة الخالية من العيوب, وآلسلامة من العيوب؛ هي أولى المعايير التي يتفحّص العقل (الظاهر) وجودها في الشيئ الجمالي, إذ هي نقطة الأنطلاق إلى عالم الكمال و الجمال المعنوي الذي هو أصل الأصول لمعرفة كل جميل.
ألكثير من البشر و حتى العلماء يعيشون عمراً لكنهم يفشلون في كشف الجمال و معرفة حقائقه و أسراره, حتى ظاهرة جمال الكون, حيث قال تعالى: [أ فَلم ينظروا إلى السّماء فوقهم كيف بنيناها و زيّناها و ما لها من فروح(أي ليس فيها شقوق”عيوب”)] وإشاراته تعالى لبقاقي مكونات الوجود, كآلأبل و الأفلاك و الخلق وغيرها بحيث لا ترى أي تفاوت أو عيب أو نقص فيها, و هناك غاية أسمى لهذه الغايات تتحقق من خلاله فلسفة الخلق حيث لم يخلق الباري الأنسان و الكون باطلاً سبحانه, : [و ما خلقنا السموات و الأرض و ما بينهما لاعبين] وتأكيده بآلقول: [خلق السموات و الأرض بآلحقّ].
خلاصة البحث, هي أننا بمعرفة الجمال نُحقّق العشق و النزاهة و كل الصفات الجميلة بداخلنا, بدل الكراهية و الأحقاد وآلخيانة وآلأنا و الظلم و المسخ الذي طال معظم الناس .. إن لم نقل كلهم, خصوصا في بلادنا.

ألمتن: بداية .. علينا أن نعرف بأننا إن لم نجعل الجمال الحسيّ بعد معرفة معاييره مقدمة لمعرفة الجمال المعنوي؛ فإنه يستحيل الوصول إلى مدينة العشق بعد المدينة الأولى التي سبقتها مقدمات و سبل الوصول إلى آلمحطة الأولى للأستعداد في تكملة ألأسفار الكونيّة السّبعة و التي بدأت بـ (الطلب)(1).
نريد آلآن ألتّمهيد لوصول ألمحطة الثانيّة وهي وادي أو مدينة (العشق), فما آلعشق وكيف يتحقق وجوده في المخلوق للخلود إلأبديّ؟

(ألعشق): حالة تُصاحب (ألمحبّة) لتتقدم عليها في نهاية المطاف, وتظهر بقوة لتتعشق مع المطلوب, وقد تخبو أحياناً, لكنّ درجتها تفوق شدّة المحبّة(2) بحسب مؤثرات الزمكانيّ والروحي وهو ما عبّر عنه الله تعالى في القرآن بـ (الحُبّ ألشّديد), ويُعتبر من أسمى وأرقى المشاعر (الآدميّة) في الوجود لأنه يكتنف سرّ الخلق و الوجود و تتجلّى حين يُؤْثر صاحبه على نفسه بما يُحب .. أو يكظم غيضه أمام الأذى و الجفاء و الحيف الذييلاقيه من المقربين والناس من حوله ليَسْمو في الوجود ويرتقى مدارج العرفان بصبره و حلمه وإستقامته حتى يصل أبعد نقطة في أسرار الوجود, لذلك فأنّ الظاهرة المؤلمة التي ترافق العاشق كقدر لا مناص منه؛ هي الحرقة والمعاناة على الدّوام, وليس سهلاً أن تكون عاشقاً فمالم تكن ورداً لا تتحسس وخز الأشواك.

إنّ الحياة الخالية من العشق و الحبّ للوجود, خصوصاً بين أعضاء العائلة أو محيط العمل أو المدرسة أو بداخل الأنسان نفسه؛ تكون حياة مقفرة و جامدة وشبه ميّتة لا معنى ولا قيمة ولا روح فيها تصحبه الشقاء بدل السعادة, بل يُمكن ألقول بموت محتوى وقلب ذلك آلجسد ألمُجرّد من المحبّة والعشق, والحبّ لا ينحصر بعالم الأنسان, بل بالوجود(الأكسستن) كلّه, لأنه قائم به ويشمل عوالم جميع المخلوقات والكائنات من الحيوان والنّبات والجّماد و الأحياء و الجن والأنس و الملائكة والماء و التراب و الهواء والنار حتى مكونات (الذّرة) لأنّ جميعها مرتبطة ببعضها في نظام كوني دقيق, و وجدت بالحُبّ وللحُبّ و لأجل الحُبّ, فبحسب تجربة علميّة أثبتَ العلماء وجود علاقة حُبّ ذاتيّه تكوينية حتى بين مكونات ألذّرة, كآلنيوترونات والألكترونات الدائرة في مداراتها و حول نفسها وهي أصغر المخلوقات في الوجود, فلو فصلنا على سبيل المثال أحد الألكترونات المزدوجة في مدار ذرّة ما يدور في محورها بإتجاه عقرب السّاعة مع إلكترون آخر بآلمقابل يدور طبعاً عكس إتجاه عقرب الساعة في نفس ألمدار كعلاقة ذاتية تكوينيّة و فصلنا أحدهما عن الآخر بوضع الألكترون الأول في أبعد نقطة في الأرض و الألكترون الآخر في نقطة مماثلة في المقابل وقمنا بتغيير حركة دوران الألكترون الأول المحورية بعكس إتجاه عقرب الساعة .. لرأينا الألكترون الثاني في المقابل يُغيير حركته أتوماتيكياً بعكسها في نفس اللحظة لتتناغم مع الحركة التكوينية الأصلية, هذه العلاقة الثنائية الظريفة للغاية لا يتحسسها إلّا العالم العارف الكونيّ الذي يعرف قيمة العلم و سبب الخلق و معنى و حقيقة الحُبّ و العشق بينهما، لهذا لا ينحصر مفهومه – أيّ ألحُبّ – بالبشر فقط ألّذي أكثرهم يفسّرونهُ ماديّاً للأسف بكونهِ يُعادل الشّهوة و العملية الجنسية أو التلذذ لحظات و دقائق بمنظر معين للأسف و إن عبّروا نظريّا بغير ذلك بإلسنتهم و دواوينهم وأشعارهم و رواياتهم لتكريس ذاتهم في الحقيقة بدل محوها .. ليحلّ الحبّ فيه بدلها – أي بدل (الأنا)، بل نجده – أيّ الحُبّ – يتجلّى بوضوح أكثر وقوّة أكبر بين كثير من المخلوقات الأخرى كالكلاب و القطط والعصافير و الدّيدان؛ بين الحيوانات المفترسة كآلحيتان والأسود والضباع؛ بين الجمادات كما يُصطلح عليها بـ(آلخطأ) لكون كل المخلوقات لها روح وحياة و ملكوت لا نفقه كنهها وطبيعة تكوينها .. كحبّ الأرض للمطر؛ و ورق الشّجر لقطرات الندى؛ و حُبّ النبات للشمس، و الزهور للنحل و بآلعكس، و تلك العلاقات ألظريفة تفوق بقوّتها و سموّها (الحُبّ) المجرّد الموجود في دواوين الشعر و الروايات و بين آلبشر بدرجاتٍ كبيرة خصوصاً ذلك النوع الأرضي – الماديّ المنتشر في بلادنا, فنادراً مّا تجد ارباب عائلة (أقصد الأم و الأب) يُربّيان أبناءاً صالحين لخدمة المجتمع تتجسّد فيهم معانيّ آلحُبّ الآدميّة – الكونيّة لا البشرية, لذلك كان طبيعياً إمتلاء العالم بآلعنف و بآلأرهابيين و الحكومات الفاسدة لفقدان الحُبّ أو بتعبير أدقّ بسبب الفهم الخاطئ لمعنى وفلسفة الحب ومسالكه, لذلك ماتت ضمائر الناس و توارث الأرهاب و الظلم عبر الأجيال متمثلة بآلحكومات كنماذج يتمّ ترشيحها من قبل الشعب الذي فقد ألبصيرة و معنى الحياة لينتشر الفساد والعنف والتكبر والخيانة والظلم والرّشوة بأسوء صوره في أوساطهم ..

الحُبّ عالمٌ جميلُ رقيق والعشق تاجه المرصّع لا يعرفه إلّا الأنسان ألسّوي الشّفوق – الآدمي بعكس البشر المنغمس في الحالة البشريّة التي تصل لما دون الحيوانيّة حين يُبتلي صاحبه بآلأنا الذي يعدُّ أسوء من آلفجور لأنّهُ يُعطل القوى الرّوحية والوجدانية و قوّة العقل الباطن ألذي وحده الرائد لتخطي الأسفار حيث مدينة الخلود!

الحُبّ (الحقيقيّ) لا (المجازي) يضفي على حياتنا الفرحة والسّعادة والعطاء؛ إنّهُ غذاءٌ لأرواحنا العطشة المقفرة المنقطعة عن الغيب(الأصل) خصوصا في هذا العصر الذي يُحدّد سياساته العليا في الجانب التربوي و الأجتماعي و الأقتصادي بشكل خاص منظمة إرهابية مدعومة بآلأساطيلالعسكرية تسيطر على العالم تسمى بـ(المنظمة الأقتصادية العالمية) التي جعلت البشريّة كأجساد تتنفس و عبيداً لا قيمة لهم يلهثون العمر كله وراء لقمة خيز وبأيّ ثمن حتى يخرجون من الدّنيا و هم لم يروا سوى الأجسام والأحجار والأشجار, ويلغب الوالدان دوراً في هذا المصيربإعدادهم و تربيتهم لأطفال بمبادئ ورثاهما من الأجداد بجانب مناهج التربية و التعليم الحديثة المستهدفة الخالية من الاخلاق و القيم الكونيّة مقتصرين على مبادئ الديانة الشكلية الجامدة بجانب القوانين الحكومية المستهدفة في الدساتير الوضعيّة الأرهابيّة التي تضمن بآلدرجة الأولى مصالح و رواتب الحُكّام والنواب و القضاة و من يتبعهم من المدراء لتحقيق مطامع المنظمة الأقتصادية العالمية التي يترأسها 10 من أثرياء العالم بقيادة شخص واحد, لهذا لا يبقى مجالاً للحُبّ و الرّحمة و الأنسانيّة في هذا الوسط, بل باتت من المنسيات سوى لقضاء الحاجة المادية, بل وصل الحال لأنْ يعتبر البعض الرّحمة و التواضع عيباً وشيناً و ضعفاً طبقاً لنظرية نيتشه!

ألحُبْ؛ نداءٌ داخليٌ من الأعماق الدافئة المتصلة بآلغيب، فكيف تصفى الحياة بدون قلب شفوق متواضع يذوب لله ويأمل لقائه في كلّ آن؛

ألحياة ألتي تخلو من المحبة و التواضع و الرّحمة و الحياء وآلرّفق تتحوّل إلى خصام و عنف و حطام وحرب وخبث و شكوك و لا قرار ولا إستقرار و كما نشهده في معظم إنْ لم نقل كلّ البيوت في بلادنا حتى في بيوت المتعلمين و المثقفين و التي تحولت لسجون داخل أقفاص طينية و نحاسية وحتى ذهبية؟ أمّا في بلاد الغرب فأنهم أراحوا أنفسهم من الأساس برفضهم للزواج وتأسيس العائلة التي يعجز الآباء تشكيلها, ولم يعد هامّاً حاجة البشريّة لأبناء صالحين يخدمون النّاس بعلومهم وإبتكاراتهم, وقضاء الحاجة الجنسية متوفرة على الدوام!

إنّ مشاعر الحبّ طاهرةٌ نقيّة مثل قطراتِ الندى المجتمعة على أورق الشجرِ صباحاً، لبعث الحياة والانتعاش والفرح و الجاذبيّة والجّمال في آلوجود.

وحُبّ الزّوج لزوجته وبآلعكس؛ و الأمِ لابنها و إبنتها و بآلعكس؛ وحبُ الإبن لأمّه و بآلعكس؛ وحبّ الصّديق لصديقهِ؛ وحُبّ الأخ لأخية؛ وحُبّ الشخص لبيته وعمله؛ و حُبّ العامل لمعمله؛ و حُبّ الموظف لدائرته مع الأخلاص؛ وحُبّ الذكور للإناث و الأناث للذكور؛ وحُبّ الناس للنّاس، هي أعظم نعمةٌ من الله – منبع المحبة – للخلق في الوجود، ولولا الحُبّ لما كان هناك إنتاج و عطاء وإستمرار, بكلمة واحدة:

لولا الحُبّ لما كان للحياة معنى و طعمٌ و لون و رائحة وأمان و وفرة و أنتاج، فالحبّ هو الماء والهواء و الغذاء، هو اللذة و الحياة .. به يتجسّد فلسفة الوجود و معناه, و بآلتالي الفوز بنعيم الخلود, لأن العاشق لا يموت و هو الضامن أبداً!

و قلد قلت في همسة من الهمسات الكونيّة:
[ألأشجار تتكأ على الأرض لتنمو و تُثمر, أما الأنسان فيتّكأ على الحُبّ لينمو و يثمر].
لكن هناك فرقٌ بين (الحُبّ) و (العشق) كما أشرنا آنفاً؛

(ألحُبّ)؛ ميلٌ طبيعيّ من قلبٍ لآخر، أو تعلّق قلبٍ بقلبٍ أو موجود بآخر، ويكون ذلك باجتماع مشاعر قويّة داخليّة دافعة لشخصٍ مّا ساعدت عوامل عديدة لتنميتها, وتفسير الحُبّ مادّياُ بحسب العلم, يكون بسبب إفراز المُخ لهرمون (ألأوكسيتوسين)(2) الذي يُفعّل بدوره مادة (الكورتيزون) و (ألتستوستيرون) في عضلات الجسم لتُضيف شحنة هائلة للجسد و تُنشط بعض مواضع البدن بشكل رئيسي, حيث يندمج مع هرمونات الجسد بطريقة معقدة, لا تستوعبها العقل ولا التكنولوجيا!

وهذا الهرمون يزداد إفرازه كلّما زادت الأثارة و حُبّ الشيء و تطورت العلاقات ويسري في الدّم من دونِ تدخل العقل بل تُعطّل قوى التفكير تماماً، فيدخل المعشوقبحالةٍ هستيريّة لا يُعير أهميّة للعلّة و المعلول و الحساب و الكتاب و المستقبل و النفع و الضرر, ليتفاعل (الأوكسيتوسين) مع هروموناتِ الجسد، لتولّد رغبةً قويّةً لا يُوقفها أحد.

أما(العشق) فهو مرحلة من مراحل الحُبّ القوية المتقدّمة وتتعشق مع موجود واحد, كما أشرنا في البداية,لأنّ الحُبّ يمرّ بمراحل من (النظرة الأولى ثمّ الأبتسامة والسلام والكلام فآللقاء أخيراً).
هذا بآلنسبة للعشق المجازي, لكن ظهور ألعشق الحقيقي يتجسّد نحو المعشوق الأزلي و يتمثّل به .. بحسب الآتي:

(الهوى – ثمّ الصّبوة – ثمّ الشغف – ثمّ الوجد – ثمّ الكلف, لتصل درجة العشق) والتي تظهر و تخبو بحسب المواقف و المؤثرات حتى الفقر و الفناء كآخر مرحلة من مراحل السفر الكوني.

وآلعشق نوع من الجّنون تصحبه علامات و خصوصيات و تصرفات لا إرادية كآلتّفكر ألعميق والشّرود الذهني وإدمانُ التأملِ في المعشوق؛ الانقياد الروحي وتحقيق الوصال المجرّد؛ ترك آثار شاخصة على وجه العاشق؛ عدم تأمّل ذات المعشوق أو النظر للمحبوب وتغاظي النظر خجلاً منه؛ بذل ألجُّهدفي رضاه؛ الاندهاش والفرح و سرعة دقات القلب عند مواجهته أو سماع ذكره؛ كره المحبّ لما يكره المحبوب؛ وحبّ ما يحبّه؛ إحساسه بالفرح و آلغبطة عند ذكره؛ الإقلاع عن الأكل والشرب؛ البكاء من غيرِ سبب؛ ألكآبة و الحزنُ الشديد؛ السهرُ ليلاً وعدم النوم؛ كثرة شرود الذهنِ والتفكير والأنقطاع عن العالم؛ الشعور بالهمِ والترقب دائماً؛ الأنزواء في أكثر الأحيان, هذا من حيث العلامات التي تصاحب العاشق ولعلّ المعشوق يتأثر ببعض تلك الحالات! أما من حيث النوع فإنّ هذا النوع من الحُبّ يدخل ضمن الحب أو العشق المجازي الذي عادة ما يكون في النهاية باباً للحب الحقيقيّ الذي يخصّ الله عزّ وجلّ: وهو منبع الحبّ الخالص الذي يُسبب القيام بالأعمال الصالحة في محبة الله لا غير .. كطلب الجاه وآلمال والمنصب, بل يكون و يرتبط كل حُبّ لمحبٍ – بعد تحقق العشق الحقيقي – لمخلوق أو عمل أو شيئ بمحبة الله ولنيل ثوابه و رضاه وآلتعبد له, وبحسب الحديث القدسيّ عن النبي الخاتم(ص):
[ماتَقرّب لي عبدي بشيء أحبُّ إليّ ممّا إفترضته عليه, و مازال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أحِبّهُ, فإذا أحببتهُ, كنتُ سمعهُ الذي يسمعُ به وبصرهُ الذي يبصر به ويدهُ التي يبطشُ بها وقدمهُ التي يمشي بها وإذا سألني لأعطينهُ وإذا استغفرني لأغفرن له وإذا استعاذني أعذتهٍ](3), وهذا هو العشق الحقيقي الأيجابيّ الذي يثمر في الدارين وعلينا الحذر من العشق المجازي لو حصل إلا برضا الله تعالى, كي يبعدنا عن النار, حيث حذّر الكافرين بقوله: [وَيَوْمَ يُعْرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى ٱلنَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَٰتِكُمْ فِى حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنْيَا وإستمتعتم بها فَٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ](4) والعاشق يفهم أبعاد وسرّ القضية!

ويحتاج لتهيئة مُقدمات صحيحة وفاعلة من قبل الوالدين لتربية وإعداد الأبناء حتى قبل ولادتهم ببيان آلمحبة بينهما وإشاعة الأحترام و الأدب و الأخلاق وتناول أطعمة خاصة من منابع محللة و قراءة أدعية و تلاوة القرآن وغيرها, لتلقين الجّنين, وبعد الولادة ايضاً حتى سنّ الرُّشد بإتباع حديث(ألسّبعة)(5) لتنشئة جيل مُحبّ ومنضبط ومتعلم ومنتج، والخلاص من مطبات الحُبّ و(العشق) التي يبتلى بها الشباب عادةً في سن المراهقة خصوصاً فتُقعدهم عن أداء وظائفهم بأقلّالأضرار المُمكنة، فمخاطر العُشوق المجازيّة طبعاً لا تتوقّف عند الحزن والبكاء و التّمرد والفشل في الدراسة و العمل و إّنما قد تصل أحياناً إلى آلجنون والانتحار، فلا بُدّ من طرق ومقومات للعلاج، ويُمكن حصرها: بآللجوء والتقرّب لله عزّ وجلّ؛ الأستعانة بآلصبر وآلصّلاةوالصوم؛ ألابتعاد عن الكسل؛ إجعل يومك حافلا بالأعمال لأبعادك عن وضعك الحالي؛ الابتعاد عن التقليد الأعمى خاصّة تقليد ما يتمّ نشره في وسائل الإعلام؛ نصح العاشق وهدايته للخروج ممّا فيه؛ السفر الأرضي للابتعاد عن المعشوق؛ الجلوس في مجالس العلم و الفرح و الأنس الشرعيّ؛محاولة الجّمع بين العاشق ومعشوقه بالزواج كآخر حلّ.

حين تتحرّر من العشق المجازيّ المحدود مادّياً و معنوياًّ يظهر و يكبر العشق الحقيقي في كيانك ليصبح بحجم الوجود؛ و عندها يختلف كلّ شيئ في نظرتك للأمور .. و ترتقي لمراتب عليالا تعد كآلبشر وحتى كالأنسان .. بل تدخل في فضاء الآدميّة الرحبة(الأنسان الكامل) لأنك تواجه كلّ المحبة و اصل العشق, لترى كلّ شيئ له معنى و غاية تنسجم مع خلقه و وجوده و هدفيته ضمن نظام كوني دقيق مترابط مانياً ومكانياً يصعب معرفة تفاصيله و إنسجامه, وقد نتعرف علىظواهرها أن كنا عارفين حقاً لمراتب الوجود كآلأنبياء و الأئمة والعرفاء و الفلاسفة الحكماء كأرسطو وأفلاطون و جلال الدين الرّومي و الحلاج و أبو سعيد أبو الخير و السهروردي والأمام الراحل, وهناك قواعد تُحدّد مسار العاشقين, منهم من قسّمها لعشرة وبعضهم لعشرين وآخرينلثلاثين و أربعين و حتى الخمسين و هكذا!
ويعتقد العرفاء الحقيقيون كآلرّومي والسّهروردي و با يزيد البسطامي و الحلّاج وغيرهم؛ بأنّ الطريقة التي نرى الله من خلالها ما هي إلا إنعكاس للطريقة التي نرى فيها أنفسنا, لذلك قال ملك العدالة الكونيّة: [من عرف نفسه فقد عرف ربّه] و كلّ إنسان له طريقته لمعرفة الله, حيث إن الطرق إلى الله بقدر أنفاس الخلائق, فإذا لم يكن الله يجلب لعقولنا سوى الخوف والملامة، فهذا يعني أن قدراً كبيراً من الخوف والملامة يتدفق من نفوسنا و للدين دور كبير في تصوير هذا المنظر .. أمّا إذا رأينا أن الله مفعماً بالمحبة والرحمة، فإنا نكون كذلك, المهمعلينا أن نعرف بأنّ الطريق إلى الحقيقة يمرّ من (القلب) ليكون باقياً و مستمراً حتى اللقاء مع المعشوق، لا من الرأس(العقل) القاصر الذي يغيب بسهولة لأنه يعيش على الهامش .. فاجعل قلبك الباطن دليلاً و ممرّاً للحقيقة .. لا عقلك الظاهر، و ليس سهلاً .. لأنك ستُواجه،وتتحدَّى، و تنهزم ربّما في محطات كثيرة .. لكنكَ ستتغلب في نهاية المطاف على (النفس) بقوّة قلبك الباطن و بصيرتك.

إن معرفتك بنفسك ستقودك إلى معرفة الله.

في القسم ألثّاني سنُبيّن آفاق مدرسة العشق بإذن الله لنختم المحطة الثانيّة من مدن العشق ألسّبعة للأستعداد إلى المحطة الثالثة.

A cosmic philosopherالفيلسوف ألكونيّ

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=620165(1)

(2) الفرق بين الحبّ وآلعشق, هو: أن الحب أوسع من العشق و يشمل مسائل عديدة و يمتد لأزمان بينما العشق ينحصر بموجود واحد و يظهر أحيانا بقوة بحيث يعمي صاحبه, لهذا فأن عشق الله الحقيقي يتحقق في وجود الطالب بعد عبور المحبات الممتدة جميعاً.
(3) مصادر عديدة إتفقت عليه جميع المذاهب؛ كما ورد كحديث قدسي أيضا, و [رواه البخاري:6502].
(4) سورة الأحقاف/آية 20.
(5) عن الأمام الصادق(ع): [الولد سَيّدٌ سبع سنين، وعَبْدٌ سبع سنين، ووزير سبع سنين].