7 أبريل، 2024 2:07 م
Search
Close this search box.

“الأسد” .. قصة طويلة مع حمير العراق

Facebook
Twitter
LinkedIn

جميل أن يرث المرء بعض العادات المفيدة، كزيارات متكررة الى قرية الأجداد، خاصة عندما تكون في منأى عن التلوث والضوضاء والزحام الشديد الذي ابتليت به المدن.
ولترددي إلى عدد من القرى العراقية الواقعة قرب الحدود السورية، صرت عارفا بأحوال أهلها؛ لذا باستطاعتي القول إن حياة الناس هناك تغيرت إلى حد ما بفعل الثورة السورية، وقبل الحديث عن ماهية التغييرات، لابد من وصف موجز لهذه القرى:
منازل عشوائية اغلبها من الطين، يشغلها أناس تربطهم أواصر قرابة ومصاهرة، الغالبية الساحقة منهم غير متعلم او حاصل على تعليم ابتدائي فحسب، متوسط عدد أفراد العائلة الواحدة 9 ، البنى التحتية معدومة وخدمات الصحة والتعليم ضعيفة، الدخل منخفض جدا ومصدره الزراعة وتربية الحيوانات والتهريب أحيانا، أخيرا الكلاب والحمير من المقتنيات الضرورية في كل منزل.
لكن..هذه القرى سرعان ما تفاعلت مع أعمال العنف الدائرة في سوريا، فتراخي قبضة “نظام الأسد” في المناطق الحدودية زاد نشاط التهريب بين جانبي الحدود العراقي-السوري، الذي تمتد جذوره إلى بداية قيام الدولتين المعاصرتين عقب الحرب العالمية الأولى.
يدر التهريب أموالا طائلة لأربابه، وأكثر ما يهرب منذ اندلاع الثورة السورية هو السلاح والمواشي والسجائر، لذا نجد أن مداخيل العوائل في القرى العراقية الحدودية تضاعفت مرارا عن ذي قبل لأن أبنائها مهربين عنيدين، حتى باتت الزراعة خارج اهتماماتهم خاصة في ظل موجة الجفاف الشديد الذي -لولا التهريب- لأجبرهم على النزوح الى المدينة او البلدات القريبة.
أما والحال كذلك، فقد ازداد منذ عام عدد منازل الكونكريت المصممة وفق طراز المدينة، وانتشرت مولدات كبيرة خاصة تزود القرويين بالكهرباء، والاهم ان كل عائلة  امتلكت سيارة او أكثر، الاستثناء من ذلك قليل جدا.
قبل أسبوعين وخلال تجوالي في إحدى القرى، افتقدت شيئا ما فيها، وما إن تذكرت حتى سألت أصدقائي، مالي لم أرَ أي حمار؟
– بالأمس غادرنا آخرها، باعه صاحبه بثمن بخس– أجابوني.
– أمر لا يصدق قبل أشهر فقط كانت القرية مزدحمة بها – قلت محتجا- كنتم تستخدمونها لنقل الماء والمزروعات وللأعمال الشاقة كلها، كيف تستغنون عنها بهذه السرعة.
– لا حاجة لنا بها ما دامت السيارات الحديثة في متناول أيدينا كما انها أصبحت عبئا علينا لان الزراعة في أسوء حالاتها كما ترى، فكيف لنا ان نعلفها إذن، أفحموني بردهم هذا.
لكنني لم استسلم، ولأنني أحببت الحمير منذ صغري، أول شيء قمت به حال عودتي الى المدينة، بعت كل ما املك واشتريت قطيعا من الحمير، فيما يشبه الانتقام من أولئك القرويين!
أرجو ان لا تصدقونني، فقد حدثت عملية البيع والشراء في لعبة افتراضية على الفيس بوك تسمى “المزرعة السعيدة”.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب