23 ديسمبر، 2024 5:21 ص

الأستنجاد بمومياوات البعث !

الأستنجاد بمومياوات البعث !

تزامناً مع اقتراب الانتخابات البرلمانية في آيار القادم تعالت الاصوات, مرة اخرى, من الاوساط المقربة من احزاب السلطة محذرة من نشاط للبعث البائد في محافظتي البصرة وذي قار الجنوبيتين, وسعيه للعودة الى الحكم بشكل من الاشكال وقد يكون بالتأثير على نتائج الانتخابات لصالحه.
اصحاب هذه الاصوات يؤكدون حقيقة اساسية ادركها المواطن العراقي. هي حقيقة فشلهم التامة الكاملة النموذجية في كل المجالات حتى في مجال مكافحة الطابور البعثي الخامس, الذي لايكن له المواطن العراقي الا عظيم الاحتقار والرفض.
فكيف يمكن بعد كل هذه السنين من تثبيت حضر حزب البعث الفاشي دستورياً من العمل السياسي وتشريع اجتثاثه قانونياً, وسن قانون احزاب, يفترض ان يكون منيعاً عليه من اختراقه وتشكيل مفوضية عليا للانتخابات مقتصرة على ممثليهم والمتحاصصين معهم ثم ينجح ايتام هذا الحزب المارق من التأثير على سير امور البلاد سياسياً ؟
ثم أين ؟ في اكثر محافظتين خضعتا لسلطتهم المستحكمة طوال هذه السنين منذ 2003 !
أليست هذه مفارقة تضيف فشلاً جديداً الى قائمة اخفاقاتهم الحافلة الغنية ؟
مما سبق نستنتج بأن هذه الادعاءات والتحذيرات ما هي في حقيقتها الا عملية استنجاد بمومياوات البعث البائد واشباحه لترهيب المواطنين وتذكيرهم بعهدٍ اسودٍ مضى الى غير رجعة ومنعهم من التصويت لبدائل اخرى وابقاء الوضع البائس الراهن, الذي ابدعوه, على حاله.
ان ادعاءات عودة البعث تهدف الى خلط الاوراق امام المواطن المشوش وزيادة حيرته بجعل كل المنتقدين لفترة حكم احزاب المحاصصة الطائفية وسياساتها, ومنهم المطالبين بالاصلاح والتغيير, دون تمييز, في سلة واحد.
مع انهم وليس غيرهم, يشتركون مع البعث بجملة من المشتركات, على خلاف الداعين الى دمقرطة الدولة وفصل الدين عن الدولة… فهو حزب استبدادي لايعترف بالآخر وهم كذلك لولا الظروف الآنية التي تجبرهم على التعامل مع موضوعة الديمقراطية انتقائياً وهو ما نشهده من اقرارهم لقوانين تعيق المسار الديمقراطي وقيامهم بممارسات فئوية متزمتة تتقاطع مع هذا المسار.
وهم والبعثيون المستفيدون الأوائل من تخريب العملية الديمقراطية اكثر مما هي مخربة, كل لمآربه الدنيئة.
ان هذه الادعاءات ما هي الا تعظيم لهذا الحزب الفاشي بدل تحقيره, بتقييمهم العالي لأمكانياته في القفز على كل هذه الموانع التي وضعت امام نشاطه, وقدراته لينمو ويترعرع ليصبح تهديداً فعلياً.
ولا يخفى على احد بأن اغلب اعضاء حزب البعث المنحل انخرطوا في احزاب الاسلام السياسي بالخصوص, كل حسب طائفته, في صفقة تخادم متبادل – فهذه الاحزاب المتنفذة تضمن لهم الحماية من المسائلة القانونية والمجتمعية مقابل تقديم خبراتهم الادارية والقمعية.
من يدري ؟ فربما جعلوا من انتمائهم الجديد غطاءاً لعملهم, هذا لو اتفقنا مع زعم عودة نشاطهم, ماضين نخراً في هذه الاحزاب, التي نشهد تشظيها يوماً بعد يوم وكذلك التخريب المبطن في اجهزة الدولة… وهذه ايضاً, ان كان لها مكان في ارض الواقع, تقع مسؤوليتها على عاتق هذه الاحزاب التي استفادت من خدماتهم وتدفع الحساب الآن.
مع اني ارى انتفاء وجود بعثي عقائدي على شاكلة بعثيي الستينات واوائل السبعينات, يسعى الى نظام بعثي بالمنظور العفلقي بعد التغييرات البنيوية التي طرأت على حزب البعث ذاته بعد اختطاف صدام له واخضاع قيادته واعضاءه لمشيئته وزج البلاد في حروب عبثية بأسمه والمعاناة التي عاشها اكثر المنتمين ( ليس بالضرورة عقائدياً ) للحزب في هذه الفترة وما تلاها من حصار, اسوة بكل المواطنين, وظهور منظومة قيم ومصالح مختلفة لها الاولوية لديهم, خصوصاً بعد انخراط الكثير منهم في الاحزاب الاسلامية طلباً للسلامة والمنفعة.
حتى عزت الدوري كقائد معلن لشراذم ما تبقى من هذا الحزب قد تحول الى درويش نقشبندي, يتنطط في خطاباته بين افكار القومجية وادعية الدروشة الدينية, معبراً عن افلاسه المطبق.
ثم ان هناك مجموعة مكفراتية من أفاقي الفضائيات معممين وغير معممين, ينتمون لعناوين حزبية اسلامية متنفذة, لايقلون حقداً من البعث في بثهم للسموم وعدائهم لكل مختلف وجديد وعادل وجميل.

” الكواسر لاتنهش بعضها ” – جبران خليل جبران