اساسآ وجدت الأستقالة او التنحي من المنصب للتخلص من تلك الوظيفة الثقيلة و الغير مرغوبة او تكون طريقة بارعة في التخلص من الأحراج الذي يفرضه العمل الشاق و المضني و الذي ليس بأستطاعة المستقيل القيام به او التي تفوق قدراته و امكانياته و حين اخترع جهابذة الأعمال و عباقرة الأشغال هذا المنفذ و المهرب المهذب الذي يستطيع من خلاله الموظف بالأعتذار عن الأخفاق و الفشل الذي الحقه بأداء عمله و ذلك بترك هذا النوع من الأعمال و التفرغ الى اعمال اخرى تتناسب مع قدراته الذهنية و الجسدية و الأستقالة عمل ليس فيه أي مساس بالكرامة الأنسانية او انتقاص من الشرف و لا يلحق الخزي و العار بالمستقيل .
مع كل ذلك الفشل الذريع و الأخفاق المريع الذي حققته حكومات الأحزاب الأسلامية بعد تسلمها السلطة و قيادة الدولة من القوات الأمريكية المحتلة التي قدمت الحكم الى الأحزاب الأسلامية على طبق من الكرم الذي لا مثيل له و لولا اطاحة الجيش الأمريكي بالنظام العراقي السابق ( صدام حسين ) لم استطاعت تلك الأحزاب او حتى راودتها الأحلام بالوصول الى سدة الحكم و تبوأ القيادة في العراق و اهم ما يميز حكم هذه الأحزاب هو فقدان الأمن و غياب القانون و انعدام الخدمات و تراجع دور الدولة لصالح العشيرة و اندحار النظام و تسيد الفوضى و اصبح الجامع و المسجد مكانآ لفض النزاعات و انزال العقوبات بدلآ عن مخافر الشرطة و محاكم القضاء .
اما الأجبار على الأستقالة او اخضاع الحاكم للتنحي في الأنظمة الدكتاتورية عادة ما يقوم به الجيش في انقلاب عسكري و غالبآ ما يتم تصفية الدكتاتور جسديآ و نادرآ ما تتنازل الحكومات الدكتاتورية تحت ضغط ثورة شعبية سلمية و غير مسلحة عن السلطة و تغادر الى المنفى او تنزوي في البيوت اما في انظمة الحكم الديمقراطية فالأمر ليس بتلك الصعوبة التي عليها في الأنظمة الدكتاتورية اذ لا يتعدى الأمر سوى سحب الثقة من الحكومة لأسباب عديدة حتى تضطر الكابينة الوزارية الى تقديم الأستقالة الى الملك في الأنظمة الملكية او الى البرلمان و عادة ما تلجأ المعارضات الى سحب الثقة من الحكومات لأعتبارات اما تكون في تقصير الحكومات في المحافظة على الأمن او في سؤ تقديم الخدمات او التدهور الأقتصادي و تدني مستوى المعيشي للمواطنيين و غيرها .
هذه المفردة ( الأستقالة ) غريبة و ليس لها في القاموس السياسي العراقي الحديث أي مكان و خاصة بعد استيلاء الجيش على الحكم و اطاحته بالنظام الملكي و حتى الآن و رغم الكثير من الكوارث و المصائب و النكبات التي حلت بالعراق لم يقدم أحد من المسؤولين ( الكبار ) استقالته او تنحيه من منصبه فقد كانت الحجج و الذرائع جاهزة و التي عادة ما يختلقها ذلك المسؤول و يحول الهزيمة العسكرية المخزية و بقدرة خارقة الى نصر مبين و كذلك الأخفاقات و الفشل في حماية الناس و توفير الأمن لهم لا تستدعي التنحي او الأستقالة و قد صارت تلك من الأعراف السائدة و لم يعد هناك من يطالب من المسؤول الفاشل ان يستقيل من تلك الوظيفة التي لم يعد بمقدوره ان يكون كفاءآ لها .
لقد جلبت الأحزاب الأسلامية و منذ استيلائها على السلطة و التي كانت القوات الأمريكية هي من مكنت تلك الأحزاب من الوصول اليها ان تمسكت بالحكم و لم يعد هناك من فكاك بينهما و ان حلت الكوارث و تمكنت المصائب فكانت الحرب الأهلية الدموية ان تقاتل ابناء الحي فيما بينهم و فصلت الأزقة عن بعضها البعض بالكتل الكونكريتية خوفآ من الأحتكاك الطائفي و تقطعت اوصال القرى و المدن و تحصنت كل قرية خلف اسوارها خوفآ من هجوم مرتقب من القرى المجاورة و مع كل تلك المآسي و المأساة و التي كانت نتاج ( طبيعي ) للحرب الأهلية الشرسة لم يستقيل أي مسؤول حتى أولئك المسؤولين المباشرين عن تلك الحرب المشؤومة او حتى مجرد التفكير بالأستقالة و التنحي .
لذلك فأن الأستقالة لم تمر بخاطر اولئك الذين في ( عهدهم ) احتل ( داعش ) ثلث مساحة البلاد بما فيها ثاني اكبر مدينة في العراق ( الموصل ) في مشهد اقل ما يعبر عنه بالمخزي حين انسحبت القطعات العسكرية المتنوعة و المدججة بأحدث الأسلحة امام عدة مئات من المقاتلين الدواعش تاركين تلك السلحة ورائهم غنيمة سهلة قاتلت بها ( داعش ) لاحقآ القوات المسلحة العراقية و اوقعت الخسائر الفادحة في صفوف العسكريين و المدنيين و كانت التبريرات و الحجج الواهية هي ما تبرقع بها ( المسؤولين ) للتنصل من تحمل وزر الهزيمة و بالتالي تقديمهم الى العدالة كان ان تشبثوا بمناصبهم دون وازع او رادع او تأنيب ضمير في تلك الدماء و التي هي في اعناقهم و رقابهم .
لقد تعامل ( المسؤولون الأسلاميون ) في العراق مع السلطة بأعتبارها غنيمة حرب و هم لم يخوضوا حتى تلك الحرب التي خاضتها بالنيابة عنهم القوات الأمريكية لذلك لا يمكن التنازل عن الغنيمة مهما كانت الأسباب و من غير الممكن اعطائها او وهبها للآخرين و هي التي صارت من ممتلكات الأحزاب الأسلامية الحاكمة علمآ ان هذه الأحزاب و رجلاتها هم ابعد ما يكونون عن السياسة و الحكم و الدولة فقد حكموا الدولة العراقية بعقلية امام الجامع الذي يؤدي صلاته اليومية و يأم المصلين و يلقي موعظته الأسبوعية و لا يمكن ان يتنازل عن امامة الجامع او يتركه لأي سبب كان الا في حالة واحدة و هي موته حينها فقط سوف يحل مكانه امام جديد و تبدأ الحكاية كذلك من جديد.