في الأعوام الأخيرة شاع مصطلح (الاستحقاق الانتخابي) أو (النضالي) واستحقاقات أخرى على وزنه، وراح المستحقون يلوحون به بقوة، عند الأحساس بأي تنقيص لحقوقهم، الأمر الذي زين لكاتب هذه السطور الى صياغة (الاستحقاق التأريخي) ليس للمسيحيين فحسب بل لكل شعب سبق وان كان من السكان الاصليين في بلدما، واذا امعنا الفكر في تراجع السكان الاصليين في بعض من البلدان إلى المواطنة من الدرجة الثانية أو الثالثة أو إلى أقلية، لوجدنا ان أحتلال أقوام أخرى لبلدانهم كان السبب الرئيس وراء ذلك التراجع وما نجم عنه من تسليط للظلم والقمع والأبادة عليهم واقوى مثال على ذلك ما حصل للمسيحيين الذين كانوا من السكان الأصليين والقدماء في البلدان: العراق ومصر وسوريا ولبنان وغيرها من البلدان، فقبل وصول الجيوش الاسلامية الى تلك البلدان، كانت تلك البلدان مسيحية لشعوب مسيحية، ويقر بذلك المؤرخون والسياسيون المنصفون من غير المسيحيين بهذه الحقيقة ولا ينكرونها، ومع ذلك تجد الأضطهاد قائماً وبأساليب جد وحشية لقهر المسيحيين وحملهم للرحيل نحو الغرب المسيحي أو إلى كردستان بالنسبة لمسيحيي العراق، واذا مضى الحال على هذا المنوال، فلا مناص من حلول يوم يخلو المشرق العربي والاسلامي من المسيحيين. عليه ولما مر لا مناص من العمل بالاستحقاق التأريخي للمسيحيين بغية أنصافهم، وان هذا الاستحقاق لن ينجز إلا بتظافر جهود دول العالم كافة ومن بينها القوى العظمى وكذلك منظمة الأمم المتحدة للحيلولة دون زوال المسيحيين في بلدانهم الاصلية وفي مقدمة الاستحقاق التأريخي، أنشاء دول مستقله لهم تنحيهم من الظلم والأبادة وذلك في المناطق التي يشكلون اكثرية سكانها.
أن حماية الشعوب الآيلة إلى الأنقراض لن تتحقق بتشكيل منظمة تأخذ على عاتقها صيانة تلك الشعوب من الفناء ففي ظل منظمة الدفاع عن الشعوب المعرضة للانقراض يتم سحق واذلال المسيحيين وطردهم من بلدانهم الأصلية، لذا فأن تلك المنظمة والمنظمات على غرارها لن تكون البديل عن تأسيس دول خاصة بهم او اية صيغة حكم يرتؤونها وفي بقاع من البلدان سبق وأن كانوا الساكنين الأصليين فيها، ويبدو أن هذا الفكرة أخذت تلح على حل الدولة للمسيحيين، ولكن لم تتبلور بعد لترتقي الى مبدأ أو منهج، فعلى سبيل مثال تتردد أفكار عن أقامة دولة قبطية للأقباط في مصر على الحدود المصرية الليبية، ذكر أن من بين الداعمين لها قداسة بابا الفاتيكان وجهات مخابراتية المانية وايطالية، وما زالت الفكرة يتيمة مغمورة تخضع للتجاهل وتواجه آذانا صماء، والمسيحيون كما نعلم ليسوا من أتباع ديانة سماوية عريقة فحسب تتقدم على الأسلام وديانات الأخرى كذلك، بل ينتمون الى قوميات عريقة مهددة بالزوال أيضاً فالمسيحيون العراقيون سليل الامبراطورية الاشورية والكلدان والسريان ،وهذه الامبراطورية من الامبراطوريات الهامة في تأريخ البشرية. وقل الشيء ذاته عن اقباط مصر لهذا فهم اضافة الى اهميتهم الدينية فلهم اهمية قومية وعرقية كذلك. ولتأريخ الأنسانية الكثير من التجارب على الأستحقاق التأريخي لشعوب، فلنأخذ مثلاً اسبانيا التي غير اسمها المحتلون الاموييون عندما احتلوها قبل قرون من اسبانيا الى (الاندلس). لقد كان من الممكن أو المتوقع ان يكون مصير شعبها المسيحي كمصير الشعوب المسيحية في العراق ومصر وسوريا ولبنان أي يتحولوا الى أقلية دينية وقومية وباتجاه الزوال، إلا ان المسيحين الاسبان لم يتخلوا عن استحقاقهم التأريخي في وطنهم رغم مرور قرون على احتلاله، ففي عهد الملك فليب الثالث، تحقق حلمهم واجلوا احفاد المحتلين الأمويين، وقدرت آخر وجبة لاحفاد المحتلين غادرت اسبانيا بـ 80الف نسمة استقرت في تونس، وقبل قرون ايضاً وبعد ما يقارب الـ 200 سنة على احتلال الصليبيين الأوروبيين لفلسطين وبيت المقدس، فان المسلمين بقيادة صلاح الدين الأيوبي تمكنوا من ازاحة الصليبيين واسترداد فلسطين منهم. ما ضاع (وطن) وراءه مطالب.
قد لا اكون اول من ينادي بالاستحقاق التأريخي للمسيحيين في أوطانهم التي جعلوهم فيها أقلية واجبروهم على الهجرة منها . والذي يجعلني اكثر اصراراً على الاستحقاق التأريخي ذاك، تواصل الاضطهادات والجرائم بحق المسيحيين وبالأخص في البلدان الاسلامية وبالذات تلك التي كان المسيحيون من اقدم سكانها أو سكانها الاصليين، والأنكى من هذا ان النشطاء المسلمين في سلبهم الاستحقاق التأريخي للمسيحيين في البلدان التي ذكرناها فانهم يتطلعون الى مضايقة واحتلال جديد للعالم المسيحي بشكل مباشر او غير مباشر. يتحدث اولئك النشطاء بفخر واعتزاز عن احتمال تحول روسيا الاتحادية في عام 2060 الى دولة اسلامية وكذلك كندا في عام 2017 وان يشكل المسلمون في بريطانيا 40% من سكانها في المستقبل القريب استناداً منهم الى زيادة ملحوظة في اعداد المسلمين في البلدان المسيحية الأوروبية والامريكية وغيرها وحجتهم في ذلك ان المسلم لايأبه بتحديد النسل على الضد من المسيحي، كما انهم يعدون انتشار الاسلام بفضل الهجرة نصراً للاسلام في البلدان الاوروبية والامريكية، بعد أن كان، الاسلام، مقتصراً على بلدان في الشرق وشمال وشرق افريقيا. ان المهاجرين المسلمين بدلاً من ان يشكروا اوروبا وامريكا المسيحية على احتضانهم وايوائهم وتخليصهم من الظلم والارهاب والفقر في بلدانهم العربية والاسلامية، فانهم يطلقون احياناً تصريحات استفزازية ضد الغرب ويعلنون تعاطفهم مع الارهاب، ما ولد ويولد بمرور الزمن الحساسية الممزوجة بالكراهية لدى الشعوب المسيحية ضدهم، ولقد بدأت الحرب المضادة ضد المسلمين في الشرق: الصين، ميانمار، اجزاء من الهند وسريلانكا، وفي افريقيا: انغولا، اثيوبيا، جمهورية افريقيا الوسطى كما ان الغرب شرع بالتململ من المسلمين بدليل وضع دوله لقوانين صارمة للحد من الهجرة اليه وقيام دول فيه بترحيل المهاجرين اواللاجئين المسلمين بين حين واخر الى بلدانهم الاصلية.
مساء يوم21-2-2014 قرأت من على شاشة فضائية المستقلة الاتي: (اين العرب والعالم من الابادة الجماعية لمسلمي افريقيا الوسطى)؟ ان من يقرأ هذه العبارة قد يتهم المسيحيين باليدء باضطهاد المسلمين غير ان الواقع عكس ما يذهب اليه هؤلاء، فالمسلمون هم الذين بدأوا بالاعتداء على المسحيين وعلى اتباع ديانات اخرى كذلك ولم يتصوروا انه سيحل يوم سيحصدون مازرعوه، وهاهم الان يحصدون العواصف، ولا تستغربوا في مجيء زمن يسير فيه حكام اوروبا وامريكا المسيحية على خطى الملك فيليب الثالث ويقوموا باجلاء الملايين من المسلمين من بلدانهم واعادتهم الى بلدانهم الاصلية، وكل شيء ممكن ومتوقع في عالم السياسة، عليه يجب على عقلاء المسلمين ان يتقوا الغضب الجمعي للمارد المسيحي الذي يفوق المسلمين عدداً وجيوشاً وحضارة وتكنولوجيا وو.. الخ و الاحرى بالمسلمين منافسة الغرب ليس في الانتشار او التبشير بالدين، ، بل منافستهم في مجالات العلم والتكنولوجيا والحريات وتعميق حقوق الانسان وان يعملوا على تحسين العلاقات بين المسلمين والمسيحيين ومع كل الشعوب غير المسلمة في هذا العالم. واعود الى الاستحقاق التأريخي للمسيحيين في بلدانهم التي كانوا من اوائل مواطنيها وقاطنيها لاقول ان على المسلمين قبل غيرهم الاعتراف بذلك الاستحقاق ومساعدة المسيحيين للفوز به، وان يتمتعوا ببعد النظر والحب العظيم للانسانية، وإلا وكما قلت في مقال سابق لي تحت عنوان(ملامح هجمة عالمية على الاسلام و(المسلمين) فان (صبر العالم بدأ بالنفاد حيال تفاقم الارهاب الاسلامي) ان للمسيحيين الحق كل الحق في ذلك الاستحقاق وفي العيش بحرية وكرامة في اوطانهم الاصلية.
[email protected]