10 أبريل، 2024 7:08 م
Search
Close this search box.

الأستاذ الدكتور كاظم خلف العليّ !

Facebook
Twitter
LinkedIn

هو من محلة الخندق، عنوان الثورة البصرية على مرّ السنين، وفي هذا الكفاية. كنتُ أراه يخرج من ذلك البيت البصري العتيق المقابل لتجنيد العشار. بيت بلا سور ولا شبابيك، لا تغطي سماءه غير شجرة نبق وارفة، يتبرك بها البصريون. شابٌ طويل، عريض المنكبين، على وجهه نضارة أبناء موظفي الحكومة حينما كانت للعراقيين حكومة. إلتقيت به أول مرة في إجتماع عام دعانا إليه طيّب الذكر، العميد قحطان التكريتي في مبنى كلية الآداب، وكان ذلك في أيام عاشوراء. رأيته واقفاً وحده في فترة الإستراحة. قلتُ “أنبشه” قليلاً! كلام قليل ومريب مثل كلام الجنود المحبوسين، تتقافز كلماته على ظلمة الوطن. قلتُ وما الذي يعجبك في القصة؟ قال: كان الرجلُ حتى قبل استشهاده بدقائق مهتماً بالنساء! فوجئت بهذا الشاب الذي يعلن إتحاده الكامل بدماء الشهداء الشباب، فقلتُ وكأني أصب قيلاً من الزيت على النار: كذلك جيفارا العظيم. كان في اللحظات الأخيرة يلاعب الطفل إبن حارس المدرسة التي إعتقلوه، وقتلوه فيها. هكذا وجدتُ الجذوة العراقية الباقية في صدر هذا الشاب الواقف دوني، والتي مازالت تشتعل إلى اليوم في بابا كركر، ولا أتذكر شيئاً مما دار في ذلك الإجتماع السقط المتاع. بعدها بأيامٍ خرجتُ مع الناجين، وكنا محشورين في سيارات عجيبة من كل لون وصنف وبلد، فاستقبلتنا في طريبيل ظفائر العراقيات مشدودةً على طول الحاجز الكونكريتي الأملس الذي تفخر به بلاد العربان، من الشامِ إلى بغدان. وكنا ننظر إلى ما كتبه الغادون من الجحيم، وما كتبه العائدون إلى الإملاق: عواطف! أحبك يا عواطف وأبقى أحبك بس أرجع يوم! نامت كل العواطف العراقيات، نومة أهل الكهف. إحترقت الأحداق، ويبست الثغور، لكن النهود ما زالت حيية، تدّخرُ حليبَ الأمهات. والله عجيبة يا زمن، عراقي بأرض اليمن! هكذا كان يقول الأخوة اليمنيون، ساخرين من عجائب الدنيا، وكانت لنا ثمان عجائب عراقية، لا سبع.
عدنا مع العائدين. سرنا مشياً على الاقدام، من طريبيل الخاوية وحتى مشارف سجن أبي غريب، دليلنا وقائدنا الكابتن رعد حمودي. ها قد قتلنا طريبيل العورة بأقدامنا كما قتلنا من قبل قصر النهاية، ولم نكن نعلم أن القبور من أقدار العراقيين في اللوح المكتوب، من زمن عادٍ ونوح. قلتُ ماذا جرى لهذا الولد. كان السكري قد أخذ منه شيئاً عزيزاً من الصحة، لكني رأيته هذه المرة يقلّبُ الكتابَ الذي بين يديه ويقرأه من الخلف، ثم يعيد تصفحه من الأمام. كان كاظم “يُفَلّس” صفحات الكتاب على طريقة البابليين في تفليس اللوز على التمن. إنحنى الرجل، وبان هدفاً للمتصيدين في المزابل.
قبل أيامٍ طرق بابنا شابٌ وسيم في مقتبل العمر، جاء يطلب العون لزوجته الكسلى، فرددته. أعاد التوسل وقال أنا من تلاميذ الدكتور كاظم العليّ، فوعدته خيراً.
أنا لا أشهدُ لك، ولو أنها غير مجروحة، لكنني أشهدُ عليك. عراقيٌ أولاً.
تاج روسنا، أبا حيدر الورد

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب