ربما يعد الكاتب والروائي والصحفي المتمرس الاستاذ أمجد توفيق واحدا من الكتاب القلائل ، الذين شخصوا جوانب الخطورة في العلاقة بين المثقف والسياسي ، وهي علاقة بقيت تعاني من حالات التشكك والإصطراع والإضطراب في كل الأزمنة والعصور، ولم يتوقف هذا الاستهداف منذ ان بزغ فجر الثقافة، وكيف حاول أباطرة وملوك الدنيا وسياسي آخر الزمان، التقرب من المبدعين الكبار في الثقافة والادب والفلسفة والفن ومختلف علوم الحياة، في محاولة لإستلاب دورهم ، مرة وفي أخرى لإستغلالهم في أبواق الدعاية لهذا الحاكم او ذلك، لمن أرتضى (البعض) ان يقبل بتلك المهمة تحت ضغط العوز المادي وجدب الحياة، ولم تتوقف حالات التشكيك والإصطراع والاضطراب وحتى (المساومات) التي حاول سياسيون كثر إستخدامها مع بعض المثقفين الكبار حتى عصرنا الحاضر في محاولة لإستمالتهم الى جانبهم ، لكن الاستاذ أمجد توفيق وضع لنا مؤشرات تحليلية معمقة، لكيفية الخلاص من تلك الإشكالية، عندما أشر شكل العلاقة بينهما ، وحالة الاضطراب التي بقيت سائدة على مدى عصور!!
ولو تأملنا ما رسمه الأديب والكاتب والصحفي والمثقف الكبير الاستاذ أمجد توفيق من علاقة متشككة بين المثقف والسياسي ، لوجدنا انه أشار الى أن هناك جدرانا من العزلة والافتراق بين المفهومين (المثقف والسياسي) تكاد خيوط العلاقة تفترق على أكثر من صعيد.
لكن اللقاء الوحيد بينهما ربما من وجهة نظره، هو عندما يتخلى المثقف عن مهمته تحت ضغط العوز المادي والمعيشي ليبقى يهرول وراء السياسي او يقترب منه او يلمع صورته ، لكي يحصل على مبتغاه ، في ان يكون له مايريد من جوانب الرزق لسد بعض رمق عائلته التي أضناها الدهر.
ويتساءل الاستاذ أمجد توفيق ضمن موضوع كتبه قبل ثلاثة اعوام عن أوجه العلاقة بين المثقف والسياسي فيقول : من المسؤول ، أهو المثقف الذي تنكر لدوره ، أم السياسيون الذين أجمعوا على استلاب دوره ، وتحويله إلى بوق مدفوع الأجر ؟
ويرى الاستاذ أمجد توفيق “إن الثقافة للسياسي قوة ، والسياسة للمثقف ضعف “. ذلك أن السياسي من وجهة نظره رجل ذو برنامج ، ويطمح لهدف محدد ، وأفعاله ونشاطاته ينبغي أن تنتظم على وفق قلادة البرنامج الذي اختاره “.
ويصور شكل العلاقة بين المثقف والسياسي كالاتي : بينهما صراع ينتهي دائما إلى خسارة المثقف وانتصار السياسي ..وهنا يوضح الكاتب والاديب والصحفي القدير أمجد توفيق طبيعة المهمة الملقاة على عاتق المثقف ودوره الحضاري والانساني ليقول “المثقف معني بالحياة ، باحث عن المعنى ، مهموم بالجمال ، لا يعنيه التطابق قدر عنايته بالاختلاف ، وهذا هو بالضبط ما يحقق التطور ، لذلك لا يمكن أن يضبط ساعته على تحديدات السياسي وبرنامجه ، ومتى ما وافق على ذلك ، فإنه يتخلى في اللحظة ذاتها عن صفته ودوره .
وفي أحدث مقالة عن المفارقات بين السياسي والمثقف وكيف يحاول الاول استغلال الآخر يشير الاستاذ أمجد توفيق الى انه يطلب من المثقف أن يكون بوقا لهذا السياسي أو ذاك ، ويطلب منه منح هالات التضحية والشجاعة والنبوغ لسياسيين لا يجيدون سوى حساب ارباحهم أو خسائرهم ، ويطلب منه أن يكون مدافعا عن طائفة صنع القدر انتماءه لها ، والحقيقة هي استغلال الطائفة لمصلحة سياسيين يستغفلون جمهورهم .
وفي كثير من الحالات ، كما يقول الاستاذ أمجد توفيق ، يخضع المثقف للابتزاز ، بل يحاول أن يشرعنه بحثا عن انسجام مفقود أو تخدير لضمير . وفي حالات أخر تكون السلبية والابتعاد عن الهم العام هي ما يميز موقفه ، أما المثقف المعارض فما أسهل النيل منه ، وتلك لعبة يتسلى بها السياسيون .
والحل من وجهة نظره كالآتي: البحث عن خلاص لا يأتي إلا عبر الصدق الذي يسبقه الاحساس ..ويضيف ..أعلم جيدا أنني أدعو المبدع والمثقف إلى مكابدة الألم فالصدق والاحساس أصبحا للأسف الشديد مرادفين للحزن والمعاناة .
وهنا يعود الاستاذ أمجد توفيق مجددا ليعبر عن مرارة الألم في داخل المثقف وكل صاحب شأن كبير فيقول “ما من عظيم ، أو نبي ، أو مصلح ، أو صاحب نظرية ، او مبدع كبير ، إلا وكان الألم رفيق دربه ..فالابداع لا يبنى على السهولة والتطابق ، وللتغييرات الحقيقية ثمن يدفعه المضحون من أجلها .
ولو اجرينا مسحا للاعمال الثقافية والأدبية التي ابدع فيها هذا الرجل لوجدنا ان اغلبها قد يظهر من خلال مطبوع او نافذة ثقافية في موقع ثقافي او على صفحته بالفيس بوك، حتى لتجد نفسك امام بحور من الابداع لايتوقف تدفق انهارها وينابيعها التي تصب فيها او روافدها التي تنطلق من خلجات النفس الانسانية ، لتشكل معالم هذه الشخصية المتوقدة دوما والتي يتوهج عطرها الثقافي والمعرفي والفلسفي ليضع الاخر امام ينابيع التدفق العقلي والمعرفي، حتى لتظن به الظنون ان تطلعت في حديثه الظاهري او لم تدرس مكنونات ثقافته وطبيعة شخصيته المتكاملة الشاملة المنفتحة التي تتسع لكل مواهب الابداع، ومهما حاولت اللحاق بما يرسمه من معالم فلسفية تجد انك تهرول وراء رجل إسطوري حاد الطبع لايسلك الطرق السهلة الى المعرفة واكتشاف الذات لمن يريد الاقتراب منه، لكنه لابد وان يترك مع الآخر مسافة ليس بمقدور هذا الاخر الاقتراب منها، اذ يبقى ان هناك الكثر مما لايمكن اكتشافه من مكنونات هذا الرجل المتعدد المواهب الابداعية والمعرفية.
ومع هذا يبقى من الصعوبة بمكان أن تبحر في خفايا مكنونات هذا الرجل أو تتعمق في أفقه المعرفي والفلسفي، لكنك ان أردت الاقتراب منه، لاشهر وسنوات، فقد يكون بمقدورك ان تضع لمحات تكشف مكنونات الرجل، لنجد نفسك انك امام اسطورة ملحمية،ترفع رأس كل حالم بمجد معرفي أو ثقافي، أو فلسفي، لكنك تبقى كمن ينحت في حجر الصوان ان أردت ان تغوص في بحور معرفته وثنايا بحور علمه الواسعة، وهو ما قد حاولنا الاقتراب منه بعض الشيء.
ومن أعماله الادبية في مجالات الرواية والادب التي يمكن ان نذكرها في هذا المجال : ( برج المطر ، طفولة جبل، الطيور الحرة ، الظلال الطويلة ) ..وكانت آخر إبداعاته الروائية التي ما زالت مخطوطة وجاهزة للطبع هي رواية تتحدث عن احداث العراق وما يمور فيه من احداث وتقلبات ، وهذه الرواية تعد مفخرة في العمل الروائي الأدبي المعاصر، ربما تقلب العمل الروائي رأسا على عقب، للتنظير الراقي والمضامين الفلسفية والأدبية والمعرفية التي تخللت فصول الرواية!!..
تقلد الرجل منذ منتصف السبعينات مواقع ثقافية وصحفية كثيرة وأدار مؤسسات اعلامية وثقافية وفضائيات في السنوات الاخيرة ، وبخاصة قناة الرشيد الفضائية التي عدت في وقتها (عروسة الفضائيات) و (الجوهرة الثمينة) ،يوم وضع لها أسس بنائها الصحيح من خيرة العاملين في الحقل الصحفي والاعلامي ومن كوادر متمرسة ، ممن كان لها قصب السبق في الشأن الثقافي والصحفي ، حتى أوصلها الى أكثر القنوات الفضائية مشاهدة ، وكانت تحتل المراتب الأولى من حيث الإنتشار وأبدع الرجل في قيادتها، بل أوصل الكثير منها الى معالم القمم.