23 ديسمبر، 2024 1:14 ص

ظاهرة عربية أصيلة قائمة ومتواصلة عبر الأجيال , وخلاصتها أن الأزمة يتم مواجهتها بأزمة وأزمة , في دائرة مفرغة من التفاعلات المتأزمة الممنوعة من الفتور والوصول لحل مفيد.

ووفقا لهذه الظاهرة , تلد الحرب حربا أو حروبا , والصراع صراعا أو صراعات , وكل موجود قائم يحقق إنجاب قائم آخر يسحقه وينهيه.

ويبدو كأنها إضطراب في التفكير وإنحراف في التدبير والتفاعل المطلوب , وفقا لمعطيات ومهارات وخبرات إيجاد الحلول , وتدفعنا إلى تحقيق دواعي ومسوغات التأزم وإستلطاف تداعياته , وما يتحقق حوله من مولدات للأزمات.

ولا توجد في تأريخنا المعاصر قضية واحدة تمكنا من حلها وفقا لمقتضيات الحكمة والرؤية الحضارية الواعية , سواء كات قضية سياسية , إجتماعية , ثقافية أو ما شئت من القضايا المرافقة للحياة البشرية.

والأمثلة عديدة ولا يمكن حصرها بمقال أو إحصاؤها , ويمكن لنا أن ننظر من حولنا لنرى كم وكم منها يتأسن في محيطنا وفضاءات وعينا.

وقد حطمت عقليتنا وصنمت رؤيتنا , وأطّرت بصيرتنا , فأدخلتنا في متاهات نتخبط فيها ونتعثر ببعضنا , ولا نعرف كيف نخطو إلى حيث نريد , لأن ما نريده قد تحول إلى أزمة تستحضر أزمة , وإلى مصيدة لإهلاكنا وسحقنا جيلا بجيل.

وعندما نقرأ ما نكتبه يتبين لنا أن الدوافع الكامنة وراء السطور ذات منطلقات “أزموية” , ولا تعرف فنون الخوض في حل الأزمة وفتح الأبواب , وإنما إغلاقها بأبوابٍ موصدة ذات أقفال بلا مفاتيح.

وبسبب هذه المعضلة الحضارية والمحنة العقلية , ترانا نتناطح ونتباطح , ونمارس الإنتحار الوطني والحزبي والشعبي والديني , في ميادين الأزمات المحتدمة على قارعة دروب الويلات الخلاقة , ذات النيران الحراقة.

وما تساءلنا عن المَنفذ أو المُنقذ لنا من التحول إلى طحين في رحى الأزمة المتشوفة لأزمة ذات مخالب وأنياب.

ومن أعظم أسباب هذه المعضلة السلوكية رؤية الشخص لنفسه وحسب , وفقدان رؤيته للآخرين من حوله , وعدم إمتلاكه مهارات التفاعل الحضاري اللازم لتحقيق المنفعة الجماعية , والصيرورة الحضارية الإنسانية المتكاملة الأبعاد والنبيلة التطلعات والغايات , ومنع العقل من التحرر من القيود والممنوعات والمصدارت القاضية بالتآكل في صندوق المحذورات.

ولكي يتحقق الخروج من هذا النفق الأبدي والتحرر من قيود الدوران في حلقة مفرغة , لا بد من وعي آليات وتقنيات حل الأزمات , وليس صناعتها والتورط فيها , وعدم القدرة على إستشراف ما سينجم عنها ويتصل بها من التداعيات والمؤثرات السلبية.

فهل سننظر ببصيرة أخرى , أم سنزداد توحلا بأطيان الأزمات الخلاقة المحيطة بنا والنُهى معصوب؟!!