19 ديسمبر، 2024 2:57 ص

الأزمة اليمنية الراهنة .. تكرار الصُّوَر لا تكرار العِبَر !!

الأزمة اليمنية الراهنة .. تكرار الصُّوَر لا تكرار العِبَر !!

عُرفتِ اليَمَنُ منذ القدم بالعربية السعيدة FELIX) (ARABIA ، وقد اشتق اسمها من (اليُمْنُ) وهو الرخاء والبركة. فهي تمتد على رقعة جغرافية واسعة تقع جنوب الجزيرة العربية .

وقد عرفت اليمن أطوار التاريخ قديمه و وسيطه وحديثه ومعاصره في حلقات متصلة وانسجام متكامل، وكان لها في التاريخ القديم حضورٌ مميزٌ استحق ذكراً في كتاب الله العزيز، وتدويناً في المصادر الجغرافية منذ القديم وحتى الآن.

وفي تاريخ الإسلام والمسلمين كان لليمن وأهل اليمن إسهامات بارزة في نواحي الحياة الثقافية والعسكرية والإدارية.

واليوم يُعرف اليمن رسمياً باسم (الجمهورية اليمنية)، يحدها من الشمال المملكة العربية السعودية ، ومن الجنوب البحر العربي وخليج عدن، ومن الشرق سلطنة عمان.

كانت طبيعة الحكم مبررة بالدين والنسب تقوم على الفردية المطلقة المفضية إلى الاستبداد ؛ إذ لا حكومة ولا مؤسسات حكم. لقد اعتبر الأئمة الناس رعايا وفي خدمة من أرادهم الله أئمةً وحكاماً للمسلمين، واعتبر الخارج عن الإمام خارجاً عن طاعة الله (ولعلها من تأثيرات الثقافة الفقهية العثمانية على المنطقة العربية الإسلامية) .

قامت حركة 1948م التي نجحت في قتل الإمام يحيى. إلا أنها لم تنجح في الإطاحة بنظامه ، إذ بعد ثلاثة أسابيع فقط تمكن نجل الإمام سيف الإسلام أحمد بن يحيى حميد الدين من الفرار من تعز إلى حجة وهناك تمكن من حشد القبائل إلى صفه مغرياً إياها بإباحة صنعاء بالعطايا لهم ، وتمكن من دخول صنعاء والقضاء على الحركة بقتل وسجن وتشريد زعمائها،ثم أعلن نفسه إماماً بدلاً عن أبيه، وقد حافظ الإمام أحمد الملقب بالناصر لدين الله على نظام الحكم الموروث برمته، رغم تطلعه إلى عقد معاهدات مع دول خارجية كالاتحاد السوفيتي والصين. بل إنه دخل في الاتحاد الثلاثي المشكل إلى جانب اليمن من مصر وسوريا، إلا أن كل هذه الأمور لم تغير شيئا في الواقع المعاش لحياة الناس، ورغم ما أصاب المعارضة من نكسة ووهن في الأعوام التالية لحركة 1948م، إلا أنها تمكنت من إحياء نشاطها ثانية ، بإنشاء منظمة جديدة في عدن هي الاتحاد اليمني ، وبفضل الدعم الكبير المعنوي والمادي من مصر بعد ثورة الضباط الأحرار هناك عام 1952م وتزعم عبد الناصر لفترة من فترات النضال العربي ضد التخلف والاستعمار ومن أجل الوحدة العربية ومجابهة إسرائيل، تمكن الأحرار من مواصلة نضالهم من هناك، لقد كانت القاهرة وإذاعة القاهرة مكاناً وأداة لنشاط الأحرار اليمنيين العملي والإعلامي فظهر برنامج جديد للأحرار بعنوان ((آمالنا وأمانينا)). وفي عام 1955م تطوَّر حادث الحوبان الشهير إلى محاولة انقلابية ضد الإمام أحمد في تعز ، وقبل الوطنيون أن يستبدلوا الإمام بأخيه علَّهُ أن يكون أفضل من الإمام أحمد ، ولكن المحاولة التي قادها الثلاياء آلت بعد أيام إلى الفشل، وتمكن الإمام أحمد من الاحتفاظ بسلطته ثانية، واستمرت المعارضة في نشاطها ضد الإمام الذي حاول شق صفوف الحركة بتبني بعض مقولاتها ، لكن المعارضة أصدرت في العام 1956 م برنامجاً جديداً بعنوان مطالب الشعب أكدت فيه مطالبها السابقة، ومع ذلك ، وبفعل دأب الإمام على شق الصف الوطني، شهدت معارضة الأحرار المنضوية تحت مسمى((الاتحاد اليمني)) بعض الانشقاقات .

وبسبب وجود قوتين أجنبيتين ؛ هما بريطانيا في (عدن) والعثمانيين في (صنعاء) .. وبحكم العداء بين هاتين القوتين ؛ فقد رسمت العلاقات بينهما خريطة اليمن السياسية ، ووقع الجانبان معاهدة في العام 1914 م ، رسمت فيها حدود نفوذ بين القوتين الأجنبيتين.

وهكذا ينشطر اليمن لأول مرة في التاريخ ، وتنشأ تسمية الجنوب العربي التي ابتدعها الإنجليز لإعطاء الجزء الذي يسيطرون عليه شخصية اعتبارية مستقلة وتابعة لهم، وأخذ الإنجليز يشجعون في الجهات الجنوبية والغربية من اليمن الاتجاهات القبلية والعشائرية وينشئون السلطنات ويسمحون لها بقدر من الاستقلال الذاتي تحت مظلتهم ،أما الأتراك فلم يستفيدوا لا من تجربتهم السابقة ولا من تجارب الإنجليز في كيفية التعامل مع الجزء الشمالي الذي يخضع لسيطرتهم ، فطفقوا ثانية يحاولون إرساء حكم مركزي تتريكي ، خاصة بعد وصول القوميين الأتراك جمعية الاتحاد والترقي إلى السلطة في اسطنبول عام 1908م، سَبَّبَ لهم المتاعب وأثار في وجوههم الثورات في مختلف مناطق البلاد ، تارة بقيادة القبائل وأخرى بقيادة جيل جديد طامح من الأئمة الزيديين الذين برز منهم في الفترة بين الاحتلال العثماني الثاني ونهاية الحرب العالمية الأولى الإمام المتوكل محسن والإمام الهادي شرف الدين والإمام المنصور محمد بن حميد الدين وابنه المتوكل يحيى ، الذي تزعم اليمنيين لمقارعة الأتراك ، بل وتمكن من حصار صنعاء وأجبر الأتراك أخيراً في الصلح المشهور بصلح دعّان عام 1329 هـ/ 1911 م ، ضمن بنود كثيرة على الاعتراف به حاكماً وحيداً للطائفة الزيدية في اليمن مقابل اعتراف الإمام بالسيادة العثمانية على اليمن، وهو ما جعل حرب الإمام للأتراك تبدو وكأنها فقط لنيل الاعتراف بسلطته الدينية والسياسية على المناطق التي ينتشر فيها المذهب الزيدي ، وقد نفرت إثر ذلك قبائل يمنية عن الإمام متهمة إياه بأنه صار حليفا للأتراك (ولعلَّها حرب إعلامية) واتجهت إلى منافسه محمد الإدريسي في صبيا بعسير، حيث كان محمد الإدريسي قد استثمر مكانة أسرته الدينية ليؤسس دولة الأدارسة في أعالي الشمال الغربي لليمن ، وليبدأ بلعب دور في أحداث التاريخ اليمني، ملفتاً بطموحه السياسي الوثاب نظر كل من الإمام يحيى والأتراك . (1)

قامت ثورة أخرى في 26 سبتمبر 1962استطاعت إسقاط المملكة المتوكلية وتدخل فيها الجيش المصري لصالح الثوار. وقفت السعودية والأردن وبريطانيا إلى جانب الإمام البدر قامت بالثورة لإن الحكم الإمامي أبقى شمال اليمن معزولا عن العالم الخارجي فلا كهرباء ولا بنية تحتية للبلاد إضافة أن عددا كبيرا من ضباط الجيش زار مصر والعراق وساءهم تخلف اليمن مقارنة بتلك الدول . أخرج الإمام أحمد الضباط من السجون وعيَّنهم في مناصب قيادية أملاً في طيِّ صفحة إنقلاب 1955، وبدأ الضباط وعدد من رجال القبائل مثل سنان أبو لحوم بتشكيل خلايا . وأول عملية نفذوها كانت محاولة إغتيال الإمام أحمد 1961على يد عبد الله اللقية ومحمد العلفي ومحسن الهندوانة في الحديدة . واستمرت المناوشات ، وطلب الضباط دعماً من جمال عبد الناصر الذي رد قائلا :” نبارك خطواتكم وسنكون مستعدين لدعم الثورة اليمنية”. خشيت السعودية من المد الناصري، فأرسلت أموال وأسلحة لدعم القبائل الموالية للإمام البدر ، واشترك إلى جانب الملكيين قوات من المرتزقة .. من جنسيات مختلفة . ولقد شكَّلَ إنسحاب الجيش المصري بعد النكسة عام 1967 ضربة للجمهوريين ، فحوصروا في صنعاء .. فيما عرف بحصار السبعين . ورغم تفوّق الملكيين والإمدادات التي لا تنقطع، انتصر الجمهوريون ، وكان من شأن ذلك إعتراف السعودية بالجمهورية العربية اليمنية . (2)

ولعلنا نلاحظ من خلال قراءة المشاهد التاريخية للتطورات السياسية في اليمن الشمالي (1918ـ 1990) أنموذجاً .. دواعي أزمة الإحتقان السيسيولوجي لدى الشعب

اليمني .. من خلال الأحداث التالية : 1918 إستقلال شمال اليمن عن الإمبراطورية العثمانية وتأسيس الإمام يحيى حميدالدين للمملكة المتوكلية اليمنية . 1948 قيام ((ثورة الدستور)) واغتيال الإمام يحيى حميدالدين وتولي نجله الحكم وقمع الثورة وإعدام قادتها. 1955 قيام (( إنقلاب عام 1955)) بقيادة المقدم أحمد الثلايا ضد الإمام أحمد ، ومحاصرة قصره في تعز .. والقبائل تهاجم المدينة وتفشل الإنقلاب وإعدام الثلايا وضباط الإنقلاب . 1959 قيام ((تمرّد 1959 في اليمن)) من عدد من مشائخ حاشد وقادة من الجيش ضد الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين الذي كان يتعالج في بريطانيا بدعم من نجله البدر ، ولكن فشل التمرد ، بعد لأن عاد الإمام أحمد من رحلته العلاجية ، وألقى خطاباً في الحديدة هدد فيه قادة الإنقلاب. 1961 ((محاولة إغتيال الإمام أحمد1961)) في مستشفى الحديدة .. قام بها الضباط الأحرار (العلفي واللقية و الهندوانة). 1962 تفجير ((ثورة 26 سبتمبر)) على أيدي (الضباط الأحرار) ضد (الحكم الإمامي) بمساعدة من مصر ، وقتل الإمام أحمد وقيام (الجمهورية العربية اليمنية) برئاسة (عبد الله السلال). 1962 ـ 1970 حرب أهلية بين الجمهوريين الذين تساندهم مصر والملكيين الذين تساندهم السعودية. 1967 إنقلاب ضد المشير عبد الله السلال أثناء زيارته للعراق ، وتشكيل مجلس رئاسي من ثلاثة أمناء برئاسة القاضي عبد الرحمن الإرياني. 1972 إشتباكات حدودية في (حرب 1972 اليمنية) بين الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية،والتوصل إلى إتفاق القاهرة 1972 لوقف إطلاق النار بوساطة الجامعة العربية . 1974 إنقلاب أبيض على القاضي الإرياني وتولي السلطة مجلس عسكري مكون من سبعة عقداء برئاسة المقدم (إبراهيم الحمدي) .

1977 إغتيال (إبراهيم الحمدي) وتولي (أحمد حسين الغشمي) السلطة لأقل من عام . 1978/ حزيران إغتيال (أحمد حسين الغشمي) ـ بحقيبة مفخخة ـ وتولي (عبدالكريم العرشي) رئاسة الجمهورية. 1978/ تموز تنحي (عبدالكريم العرشي) عن الرئاسة وتولي (علي عبدالله صالح) السلطة . 1979 تجدد القتال في (حرب1979 اليمنية) بين شمال اليمن وجنوبه. 1990 توقيع اتفاقية (الوحدة) مع (اليمن الجنوبي). وهنا إنتهت مرحلة اليمن الشمالي واليمن الجنوبي بقيام اليمن الموحَّد . وكان أن تم توقيع اتفاقية القاهرة بين البلدين في 28 أكتوبر 1972 وأتفقوا على عدة خطوات تأسيسية للوحدة .. تم إلغاء الاتفاقية من قبل شمال اليمن لمخاوف من نهج الإشتراكية المتبع في الجنوب تم عقد اتفاق آخر في الكويت عام 1979 بين علي عبد الله صالح وعبد الفتاح إسماعيل نص على وحدة فيدرالية بين الشطرين، حكومة في صنعاء وأخرى في عدن في تشرين2 عام 1989 وقع علي عبد الله صالح وعلي سالم البيض اتفاقية تقضي بإقامة حدود منزوعة السلاح بين البلدين والسماح للمواطنين اليمنيين بالتنقل بين الدولتين باستعمال بطاقة الهوية تم إعلان الوحدة رسميا في 22 آيار 1990 واعتبار (علي عبد الله صالح) رئيسا للبلاد و(علي سالم البيض) رئيسا للوزراء. كما قامت حرب أهلية بين شهري آيار و حزيران بين الحكومة اليمنية والحزب الاشتراكي اليمني خلفت ما بين 7000 – 1000 قتيل شعر الجنوبيون أن البرلمان المنتخب لا يمثلهم كون الأغلبية من المحافظات الشمالية لليمن ، اشتبكت القوات وقدم أنصار علي ناصر محمد الجنوبيين الدعم للقوات الحكومية والقبائل واشترك في الحرب الأحزاب الإسلامية في الجنوب المعادية للحزب الإشتراكي، ودعمت السعودية الحزب الإشتراكي خلال الحرب على الرغم من موقفها المعلن والمعروف من هذه التوجهات السياسية. وكما اشتعلت شرارة الحرب بين الحكومة اليمنية والحوثيين عندما اتهمتهم الحكومة بإنشاء تنظيم مسلح ، وقامت بتوقيف حسين الحوثي في حزيران 2004. اشتبك أنصاره مع القوات الحكومية وخلفت المواجهات 86 قتيل من طرف الحوثيين و 32 من طرف الجيش واستمرت المواجهات إلى 10 أيلول حين قتل حسين الحوثي في غارة شنتها القوات اليمنية . ومنذ ذلك الحين وعبد الملك الحوثي يتزعم الجماعة, واعتبر والده بدر الدين الحوثي زعيما روحيا لها. جلب الصراع في 3 تشرين الثاني 2009 اهتماما دوليا عندما شنت القوات السعودية هجوما على مقاتلين حوثيين سيطروا على جبل الدخان في منطقة جازان جنوب غربي البلاد متهمة الحكومة السعودية بدعم النظام اليمني ماليا وإستراتيجياً عن طريق السماح للقوات اليمنية باستعمال الأراضي السعودية كقاعدة

لعملياته . و تتهم الحكومات اليمنية والسعودية إيران بدعم المتمردين ماليا وعسكريا في شمال غربي البلاد ، وقال يحيى الحوثي في لقاء مع صحيفة “تاغيس تساتونغ” الألمانية أن النظام اليمني يستعمل إيران لصرف الإنتباه عن الدور السعودي في البلاد. وطالت الحركة عدة اتهامات من الإعلام السعودي وفقهاء زيدية وسلفية في اليمن ، ما شأنه ؛ أنهم تحولوا عن المذهب الزيدي إلى إثنا عشرية. نشرت وثائق ويكيليكس برقية للسفير الأمريكي مفادها أن الحوثيين يحصلون على سلاحهم في السوق السوداء في اليمن ومن عناصر من الجيش اليمني. و يسيطر الحوثيون حالياً على كامل محافظة صعدة .. مديريات حرف سفيان وشهارة وحوث في محافظة عمران و 40% من محافظة حجة وغالب محافظة الجوف. قامت مظاهرات شعبية على غرار الثورة التونسية ، وزادت حدتها بعد ثورة 25 يناير المصرية ، حيث خرج المتظاهرون للتنديد بالبطالة والفساد الحكومي وعدد من التعديلات الدستورية التي كان ينويها علي عبد الله صالح . سيّما وأنَّ مؤشر التنمية البشرية منخفض جداً في اليمن, إذ تحتل البلاد المرتبة 133 من 169 دولة يشملها التقرير والحكومة يمنية هي أكثر الحكومات فسادا سياسيا وعسكريا واقتصادياً .. إذ جاء ترتيب اليمن في المرتبة 164 من 182 دولة شملها تقرير الشفافية الدولية لعام 2011 المعني بالفساد، ولا تتجاوزه دول عربية أخرى سوى العراق والصومال . حكمَ علي عبد الله صالح اليمن لمدة 33 سنة ، وأستأثر أقاربه وأبناء منطقته بمناصب مهمة وحساسة في الدولة وصنَّف اليمن كدولة فاشلة واحتل المرتبة 13 من قبل مؤسسة صندوق دعم السلام المعني بتصنيف فشل الدول . وتشكِّل الثورة الحوثية اليمنية أكبر خطر يهدد نفوذ المملكة العربية السعودية في اليمن ومضيق عدن .. المنفذ المباشر للبحر الأحمر على المحيطات . وحركة أنصار الله هذه ؛ حركة سياسية دينية مسلحة تتخذ من صعدة في اليمن مركزا رئيسيا لها. عرفت باسم “الحوثيين” نسبة إلى مؤسسها حسين الحوثي الذي قتل على يد القوات اليمنية عام 2004. ويعد الأب الروحي للجماعة. تأسست الحركة عام 1992 نتيجة لما يشعرون به من أنهم يتعرضون إلى تهميش وتمييز ضدهم من الحكومة اليمنية. تنتمي قيادة وأعضاء الحركة إلى المذهب الزيدي من الإسلام .لم يكن الصراع بين الحوثيين وعلي عبد الله صالح وأركان نظامه صراع قبائل مختلفة كما هو سائد في اليمن ، بل هو صراع سياسي عقائدي وطني . وبالرغم من أن الحركة تُقاد من قبل شخصيات زيدية كاريزماتية وتستلهم وجودها من التراث الزيدي اليماني، فهي ليست تحدياً طائفياً للحكومة اليمنية ولا مظهر محلي من مظاهر الهلال الشيعي العابر للقوميات. هو صراع بسبب عدم الرضا المحلي عن سياسات النظام الداخلية والخارجية، وإلتقاء هذا الضيق مع الشعور باستهداف متعمد للمذهب الزيدي ورموزه وتاريخه في اليمن ،حيث كانوا يعتبرون رأس حربة المعارضة الأكثر تهديداً لعلي عبد الله صالح . تحولت المواجهات المتقطعة إلى صراع مستمر بينهم وبين علي عبد الله صالح وعلي محسن الأحمر من 2004 وحتى 2011، واشتبكوا مع قوات سعودية عام 2009 في ما عرف بنزاع صعدة. معظم القتال كان متركزاً في صعدة ولكنه انتقل إلى مناطق أخرى في محافظة عمران ومحافظة الجوف ومحافظة صنعاء. فشلت الحكومة في قمعهم عسكرياً

لأسباب عديدة منها أسلوب إدارة الصراع نفسه وطبيعة نظام علي عبد الله صالح بحد ذاتها، وعدم معالجة الأسباب الرئيسية التي أدت لظهورهم. قائد الحركة حالياً هو عبد الملك الحوثي، الأخ الأصغر لمؤسس “منتدى الشباب المؤمن” حسين بدر الدين الحوثي. اتهمتهم الحكومة اليمنية وحزب التجمع اليمني للإصلاح والسعودية ومصادر أمنية أمريكية بتلقي الدعم من جمهورية إيران الإسلامية، بينما ينفي أعضاء وقيادات الحركة ارتباطهم بإيران، ويصفون الإتهامات بالبروباغندا ، ومحاولة للتغطية على الدور السعودي في اليمن. ويرى مراقبون مستقلون أن لا دليل على تدخل إيراني لدعمهم، ولا إثبات أن الحوثيين منظمة إرهابية عابرة للقارات أو مرتبطة بدول ومنظمات من هذا القبيل. وكشفت وثائق ويكيليكس حقيقة مختلفة متعلقة بالصراع بين النخب اليمنية الحاكمة وعلاقتهم بتسليح الحوثيين. أيدت الحركة الإحتجاجات الشعبية عام 2011 واعتصموا في “ساحات التغيير” بصنعاء وصعدة، واعترضوا على المبادرة الخليجية ، واندلعت إشتباكات مسلحة بينهم وبين أطراف مرتبطة بحزب الإصلاح بلغت ذروتها عام 2013 – 2014. تسبب الصراع مع الحوثيين مقاتل طاحنة وهتك للحرمات وامتهان لكرامة المواطنة واستهانة بالإنسان اليمني ـ مع الأسف الشديد ـ بسبب مصالح المستفيدين من الأزمات . صرح محمد البخيتي الناطق باسم الحوثيين إن جماعته الحوثيين من حركة أنصار الله قتلوا 60 الف جندي وعنصر من القبائل اليمنية ، وقال البخيتي انهم يشفقون على الجيش اليمني والشعب اليمني ، إلا أن ما يعانونه من أذى يضطرهم للحرب والمواجهة المسلحة . (3) والحالة هذه ؛ فمن يقرأ المشهد السياسي لتاريخ اليمن المعاصر يرَ أنَّ الصراعات على السلطة ليست وليدة أحداث ما يسمى بالربيع العربي وموجاته التصاعدية ، وإنما هي صراعات قبلية طائفية أكثر من كونها صراعات سياسية مؤدلجة تماماً . والملاحظ بأهمية أن للأجندات الخارجية تأثيراتها الكبيرة على برامج وخطى نتائج تلك الصراعات ، مع أن ما يحدث في المنطقة العربية يعتبر عامل من عوامل التشجيع على تفجير مكامن النفس البشرية الثائرة ، بفعل تأثير العقل الجمعي بطبيعة الحال . فبعد انزياح الهيمنة البريطانية العظمى والإمبراطورية العثمانية عن العالم ، بدأت مرحلة جديدة من مراحل الهيمنات البديلة .. ممثلة بحكومات وطنية المظهر عميلة الجوهر ، تتبني مشروعين بمشروع واحد(( ((2 In 1..!!! فمرَّة تتولى الحكومات أو الأنظمة تحقيق أهدافها الذاتية في المرّة التي تكلف بتحقيق إرادة الأجندات التي ساعدتها بالوصول إلى السلطة . غافلة تلك الحكومات وتلك الأنظمة بأنها أداة للإرادات لا إرادة للإدارات . فعندما كان أنور السادات قد حقق هناءً نسبياً للمصريين ، أو سلماً مشوباً بالحذر ، هو قد حقق أماناً واستقراراً كبيراً لأمن إسرائيل على المساحة الإفريقية العربية على أقل قياس . في الوقت الذي حقق فيه صدام حسين طموحاً لذاته المريضة .. هو قد حقق إرادة دولية غربية وإقليمية على المساحة الآسيوية أيضاً .. عندما أجهض مشروع تصدير الثورة الإسلامية .. بحربه الضروسة على جمهورية إيران الإسلامية . كلاهما ماتا .. إما بالرصاص قتلاً في ساحة العروض العسكرية وإما بالحبل شنقاً بالمحاكم الصورية ، ولن

تنتهي اللعبة !!! من هنا ؛ حريٌّ بالشعب اليمني الشقيق أن ينتبه إلى منزلقات اللعبة قبل فوات الأوان .. فليس لكحل العيون تتعاطف المملكة العربية السعودية مع عبد ربه منصور هادي ، وليس رحمة تتحالف بعض الحكومات العربية معه . كما أنه ليس لكحل العيون أن تتعاطف حكومة جمهورية إيران الإسلامية في إيران مع عبد الملك الحوثي ، مالم تكن هنالك أجندات دولية وإقليمية .. هي مدعاة لكل هذا التعاطف والتراحم . ربّما لا تحيّرُنا حكومة الجمهورية الإسلامية الإيرانية من موقفها مع الشعب اليمني .. عندما نرى تعاطفها الواضح مع أبطال الحشد الشعبي ضد داعش في العراق ، ومع أبطال المقاومة الإسلامية العربية في لبنان ، ومع أبطال المقاومة الإسلامية العربية في فلسطين عامة وغزة خاصة . إلا إننا نقف متحيّرين ؛ عندما نرى كلَّ هذا التعاطف المفاجئ بين بعض الحكومات العربية ضد أزمة داخلية في اليمن ، كان من الممكن أن تحل سياسياً عن طريق المساعي الحميدة .. أسوة بموسكو 1و موسكو 2 اللذين جمعا الحكومة السورية بمعارضيها الداخليين ، فلماذا لا يُلجأ إلى هذا المسعى السوي حيال الوضع الرهن في اليمن المسلم العربي الشقيق ، ولماذا تعجّلت تلكم الحكومات العربية بمبادرة لمِّ الشمل العربي المتمزق ورأب صدعه السريع بقرار ضرب الشعب الحوثي اليمني العربي المسلم بالطائرات المقاتلة النائمة في الأوكار الصدئة عشرات السنين ، ولم يتحقق هذا إزاء مأساة الإعتداء الغاشم على الشعب الفلسطيني العربي المسلم في غزة ـ على الأقل ـ ، ولا نعرف لمن كانت المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي ودول عربية أخرى تشتري وتخزن الأسلحة المتطوِّرة .. من طائرات مقاتلة ومروحيات ومدافع ودبابات وصواريخ ورادارات ، وهي لم تستخدم لتحرير أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين منذ أكثر من نصف قرن ؟!!! هل هي خزِّنت لقتل الحوثيين وعرب القطيف والإحساء وعرب البحرين المسلمين ؟! ثم لماذا تتيح المملكة العربية السعودية ومن لف لفها من العرب في تحالف (عاصفة الحسم) .. لماذا تتيح لإيران الإسلامية أن تحتضن مظلومية الشعوب العربية دونها ؟!!! أليس الأهل أولى بالعيال ؟! .. مالم يكن العيال ليسوا من عيال آل سعود و حلفائهم الطارئين !!! يلاحظ المواطن العربي الآن ؛ كيف أنَّ أسرع تحالف عربي في تاريخنا المعاصر، هو تحالف (عاصفة الحسم) .. منذ إحتلال دولة فلسطين عام 1948 حتى يومنا هذا !!!؟ وإذا كانت هنالك حكومات عربية تدعم التمدد الداعشي الدموي في المنطقة العربية يكون مقبولاً ــ كما في تمثيل المعارضة السورية لسوريا في المؤتمرات والقمم العربية دون الحكومة الشرعية القائمة ــ فلماذا لا يكون الدعم الإيراني لثورات ومقاومة الشعوب العربية المسلمة مقبولاً عندما يأتي من حكومة جمهورية إيران الإسلامية دون الحكومات المنقوصة الشرعية .. التي لا تمثل كامل إرادة الشعوب الثائرة ضد الظلم والتفرد بالسلطة وتهميش المواطن الأصيل والشرعي فيها ؟! ثم ؛ لماذا يُرتضى بما ترضى عنه أمريكا وترتاح له إسرائيل ؟!.. لماذا نقبل أن تضرب طائرات التحالف داعشَ في العراق ، ولا نرضى أن تضربهم في

سوريا ؟! أليسوا وجهان لعملة واحدة ؟! .. مالم يكن رضاءً ظاهرياً أو ملوّحاً له !!! وإني على يقين ــ أقولها بتواضع ـ بأن المملكة العربية السعودية لا يسرها ضرب داعش في العراق ، وهي التي رفعت شعار الفتنة الإقليمية ((منّا المال ومنك الرجال))عندما تعاونت مع صدام حسين في حربه على الجمهورية الإسلامية الإيرانية الفتية التي أنزلت علم إسرائيل بطهران ورفعت محله علم الثورة الفلسطينية .. جاعلةً أول سفارة لفلسطين في عالم اليوم . وبرأيي بأنَّ (عبد ربه منصور هادي) لا يختلف عن (صدام حسين) من ناحية التحالف مع المملكة العربية السعودية على قتل الشعبين المسلمين ؛ فذلك تحالف مع السعودية لضرب الشعب الإيراني المسلم .. بعربه وفرسه عام 80، وقمع الإنتفاضة الشعبية الشعبانية عام 91، وقصف الكرد بالأسلحة الكيمياوية عام 88، وهذا تحالفَ مع السعودية لقمع وقتل الثوار اليمنيين . يحضرني هنا كلام لوزير الدفاع الإسرائيلي بقوله : لقد إبتكرنا طريقة جديدة لمحاربة العدو .. بأن نجعله يتقاتل مع نفسه !!! ولم يتأكد دعم العدو الصهيوني لداعش في المنطقة إلا الآن ، بعدما رأى القاصي والداني تطاول التمدد الداعشي على مخيم اليرموك الفلسطيني ، والقادم أخزى وأمر ! كما يحضرني قول للإمام الخميني زعيم الثورة الإسلامية الإيرانية .. عندما حذّر حكومة الكويت .. بأن لا تساندوا العدوان فينقلب عليكم . وكي لاتنسى الكويت حديث الإمام الراحل (رض) ذكّرهم الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني بذلك عند غزو صدّام للجارة الضعيفة الكويت . من هنا ؛ تتكرر أحداث التاريخ ولن تتكرر العِبَر ! والله من وراء القصد ؛؛؛ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تاريخ اليمن السياسي ـ مكتب المعلومات الحكومية اليمنية (2) الموسوعة العربية الحرة (3) نفس المصدر

أحدث المقالات

أحدث المقالات